المطران معوض يترأس قداسا احتفاليا بمناسبة عيد مار مارون.

بمناسبة عيد مار مارون شفيع الكنيسة المارونية ترأس صاحب السيادة المطران جوزف معوض السامي الاحترام راعي أبرشية زحلة المارونية قداسا احتفاليا في كاتدرائية مار مارون كساره بمشاركة أصحاب السيادة مجلس أساقفة زحلة والبقاع المطارنة ابراهيم ابراهيم وانطونيوس الصوري وبولس سفر ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات .
وحضر القداس رجال دولة من وزراء ونواب حاليين وسابقين وحشد من الفعاليات السياسية والقضائية وسعادة محافظ البقاع ومدراء عامين وهيئات بلدية واختيارية وعسكرية وحزبية وصناعية وإقتصادية وتجاريّة واعلامية واجتماعية ولجان الابرشية وخدمت القداس جوقة نسروتو.
اضافة الى حشد كبير من المؤمنين
والقى سيادته عظة هذا نصها:
عاش مار مارون بين القرنين الرابع والخامس. وتنسك على احد جبال قورش في سوريا. تبعه في حياته النسكية كثيرون، ومنهم حوشب القورشي ويوحنا وبردات ويعقوب وليمناوس ومارانا ودومنينا وكيرا.
استمرّت حركة النسك حتى يومنا. تشهد عليها الصوامع قرب الأديرة، ومنها الصوامع الثلاثمئة التي كانت قرب دير مار مارون في منطقة أفاميا أي قلعة المُضيق حالياً، وتنسُّكُ الموارنة في وادي قديشا وفي المغاور الطبيعية. ومن النساك من دعي الى السدة البطريركية، كالبطريرك ميخايل الرزي (بطريرك من سنة 1567-1581)، وشقيقه البطريرك سركيس الرزي (بطريرك من سنة 1581-1597)، وهما من بقوفا، تنسكا في وادي قزحيا. وتنسَّكَ البطريرك يوسف التيان في دير قنوبين بعدما استقال من السدة البطريركية سنة 1808، وجسده لم يبلَ حتى اليوم. ومن بين النسّاك في القرن التاسع عشر، مار شربل الذي فاح عرف قداسته في المعمورة. والنسك بما فيه من صلاة دائمة وتقشف وصوم، هو تنقية من الأنانية والميول العالمية، وتطويع الذات لله.
والحياة النسكية التي عاشها مار مارون منذ أكثر من ألف وست مئة سنة لا تزال توجه الينا رسالة آنيّة، وهي الدعوة الى عيش فضيلة التجرد التي بدونها لا يستطيع المؤمن ان يرضي الله ولا أن يبني الوطن.
وأصبح مار مارون الناسك أباً روحياً لكنيسة تتكنّى باسمه، علماً أنه مات حوالي سنة 410، قبل نشأة الموارنة. فقد نشأ الموارنة في محيط دير مار مارون السابق ذكره، المشيّد سنة 452، وسُمُّوا أولاً بالذين هم لدير مار مارون، وبالذين من بيت مارون، وبالذين لمار مارون، وبخلقيدونيي بيت مارون (راجع Dib p9). ثم سمّوا بالموارنة، وكان جامعهم الايمان الخليقدوني واللغة السريانية، والصمود أمام الملمات الصعبة. وفي أواخر القرن السابع وأوائل الثامن، نشأت البطريركية المارونية بانتخاب البطريرك الماروني الأول يوحنا مارون. ومن بدء البطريركية حتى القرن الحادي عشر، استوطن الموارنة بصورة خاصة في جبل لبنان، في جباله الوعرة ووديانه، ونظّموا أنفسهم تنظيماً قروياً، وألّفوا كياناً اجتماعياً حرّاً وموحداً، أرسى وحدته شخص البطريرك، الأب والرأس، الذي كان يسهر على قضاياهم الروحية والزمنية. وفي القرن الحادي عشر، زمن الفرنجة، عزّزوا التواصل مع كنيسة روما عبر الموفدين. وأول بطريرك ماروني زار روما هو أرميا العمشيتي الذي اشترك في المجمع اللاتراني الرابع سنة 1215. ولم تخلُ هذه المرحلة من بعض النزاعات مع الفرنجة، عندما تصدّى الموارنة لتدخلاتهم الفوقية في أمورهم. وأكمل الموارنة نضالهم للحفاظ على كيانهم الحر في عهد المماليك والمقدمين.
وفي العهد العثماني، بين القرنين السادس عشر والعشرين، انتشروا في الداخل اللبناني كالبقاع، وصوب الجنوب. وتعاونوا مع الطوائف الأخرى )كالتعاون بين آل حبيش من الموارنة وآل عساف وآل شهاب من السُنّة، ومع المعنيين واللمعيين من الموحدين الدروز(.
كل ذلك مهّد لاعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920، ولاعلان الميثاق الوطني سنة 1943 الذي يعبّر عن خيار اللبنانيين من كل طوائفهم للعيش معاً، والمشاركة المتوازنة في الحكم. وقد سمّى المجمع الماروني الصادر سنة 2006 (في نص الكنيسة والسياسة عدد 19)، هذا الخيار بالخيار الحضاري، وأكد ان البطريركية المارونية لم تشأ لبنان وطناً مسيحياً بل وطناً لجميع ابنائه، يعيش فيه المسيحيون والمسلمون معاً على قدم المساواة، وفي احترام متبادل. (راجع النصّ الثاني، هوية الكنيسة المارونية ودعوتها ورسالتها، عدد38).
وتجدد هذا الخيار الحضاري في اتفاق الطائف 1989. وهو يرتّب على جميع اللبنانيين مسؤولية بناء “الدولة الميثاقية” التي لها متطلّبات مثلّثة، هي:
ـ القناعة الوجدانية بهذه الدولة من كل اللبنانيين على مختلف طوائفهم؛
ـ الولاء الحصري للدولة اللبنانية كمرجعيّة لكل اللبنانيين، على أن توفر لهم، من أي طائفة كانوا، كامل حقوقهم، وظروف تقدمهم، ومشاركتهم في ادارتها؛
ـ المواطنة، كهدف أسمى نسعى اليه جميعاً، فلا فضل لأحد على آخر الا بمقدار ما يخدم المواطنة.
بذلك نسير بلبنان قدماً، ونواجه الصعوبات الراهنة على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني.
فعلى الصعيد السياسي نحتاج الى مبادرات داخلية تكسر الجمود المتعلّق بانتخاب رئيس للجمهورية، وتحافظ على لبننة هذا الانتخاب. ونحتاج الى المحافظة على التوازن الطائفي في الوظائف الشاغرة ولو شُغلت بالتكليف أو لتصريف الأعمال.
وعلى الصعيد الاقتصادي، لم تنفّذ حتى اليوم الاصلاحات الاقتصادية الضرورية لوقف الانهيار الاقتصادي المستمرّ منذ أكثر من 4 سنوات. وحتى اليوم لا تزال عائلات وافراد يتألمون من مرارة الحاجة المعيشية والاستشفائية والتعليميّة، ويحملون همّهم وهمّ أولادهم في قلوبهم، ويتابعون حياتهم بما تيسّر، ومنهم من ينال أجرة شهرية زهيدة بالكاد تكفيه خبزه اليومي. نأمل أن تمسّ حالاتهم ضمائر المسؤولين ليسرعوا في الاصلاحات المطلوبة.
وعلى الصعيد الأمني، نصلّي لتتوقف الحرب في الجنوب ولتجنّب توسعها، ولتطبيق القرار 1701.
وعلى الصعيد الاقليمي، ان وقف الحرب في غزة، والقيام بالمساعي الدبلوماسية، هو ضرورة انسانية. وما يسهم في الاستقرار، هو اقامة الدولة الفلسطينية، وهذا ما طالبت به القمة العربية التي عقدت في بيروت سنة 2002.
نسأل الله أن يهبنا بشفاعة مار مارون، نهوض لبنان، والسلام في المنطقة والعالم، وفضيلة التجرد التي تحرّر الانسان من أطماعه، وتجعله مطواعاً لله ومحباً للقريب. آمين.
+ المطران جوزف معوض
راعي أبرشية زحلة المارونية