إحتفلت أبرشية البترون المارونية بعيد شفيعها مار يوحنا مارون البطريرك الأول للموارنة وترأس راعي الأبرشية المطران منير خيرالله قداسا احتفاليا
في الكرسي الأسقفي في دير مار يوحنا مارون – كفرحي بمشاركة السفير البابوي في لبنان المطران باولو بورجيا.
عاون المطران خيرالله بالقداس نائبه المونسنيور بيار طانيوس والخوري ريمون باسيل ولفيف من رؤساء الاديار والكهنة في حضور السكرتير الأول في السفارة البابوية المونسنيور جيوفاني بيكيرري.
وحضر القداس النائبان جبران باسيل وغياث يزبك، النواب السابقون بطرس حرب، أنطوان زهرا وسامر سعاده، الرئيسة العامة لراهبات العائلة المقدّسة المارونيات الام ماري أنطوانيت سعادة، قائمقام البترون روجيه طوبيا، رئيس اتحاد بلديات منطقة البترون مرسيلينو الحرك،رئيس رابطة مخاتير منطقة البترون جاك يعقوب، رئيس بلدية كفرحي جورج عقل، رئيس تجمع “موارنة من أجل لبنان” المحامي بول كنعان على رأس وفد من التجمع ، حشد كبير من الفاعليات السياسية والقضائية والاجتماعية والثقافية والتربوية ووفود شعبية.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى المطران خيرالله عظة بعنوان”أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم”، وقال: “هكذا فهم الموارنة دعوتهم ورسالتهم في العالم والتزموا بهما على مدى خمسة عشر قرنًا بهديٍ وتعليم من أبيهم مار مارون ومؤسس كنيستهم مار يوحنا مارون. واحتفالنا معكم اليوم بعيد مار يوحنا مارون يؤكّد هذا الالتزام. وقد جئتم إلى النبع، إلى الجذور التاريخية والروحانية، إلى الدير الذي منه انطلقت الكنيسة البطريركية المارونية في نهاية القرن السابع مع البطريرك يوحنا مارون.جئتم تتبرّكون من هامة مار مارون الأب الروحي الذي أعطى اسمه لكنيسة تشهد للمسيح في روحانية نسكية ثبّتت شعبها في مواجهة تحديات الزمن مشاركًا المسيح في حمل صليبه على رجاء القيامة”.
أضاف: “وضع القديس مارون، في نمط عيشه على قمم جبال قورش في أواخر القرن الرابع، مبادئ روحانية نسكية جمعت بين النسك والرسالة. في بُعدها النسكي، تميزت هذه الروحانية بالعيش في العراء على قمم الجبال وبالصوم والسهر والصلاة والوقوف المستمرّ والعمل في الأرض، وفي بعدها الرسالي، تميّزت بالعلاقة مع الشعب والانفتاح الرسولي. إنها روحانية تتماثل بالمسيح المعلّق على الصليب بين الأرض والسماء ليرفع البشرية إلى الله الآب بالروح القدس ويفتديها بموته وقيامته. تبنّى أبناء مارون هذه الروحانية والتزموا بعيشها على قمم جبال لبنان وفي وديانه، وواجهوا بصمود الاضطهادات والحروب والتهجير، وقدّموا شهداء وأعطوا قديسين حفاظًا على ثوابتهم، أي إيمانهم بالله، وتعلّقهم بحريتهم وثقافتهم وأرضهم التي اعتبروها عطية من الله ووقفًا له، وارتباطهم بكنيستهم بشخص البطريرك، رأسها الأوحد وأبيهم وراعيهم ومرجعهم ورمز وحدتهم وضامنها. ونجحوا في جعل جبل لبنان معقلاً للحريات مارسوها مع الشعوب المضطهدة، من مسيحيين ومسلمين، وعاشوا معهم بالتفاهم والاحترام المتبادل، بالرغم من بعض الاحداث الدامية؛ وكانوا بينهم كالملح والخميرة. وبدأوا معهم، منذ بداية القرن السادس عشر، بتأسيس الكيان اللبناني والذاتية اللبنانية. وتوّجوا مسيرتهم هذه في بداية القرن العشرين، بقيادة البطريرك الياس الحويك، بتأسيس « دولة لبنان الكبير » (سنة 1920)، دولة المواطنة التي تضع الانتماء الوطني قبل الانتماء الطائفي، التي بفضل ميثاق 1943 أصبحت جمهورية تجمع سبع عشرة طائفة تعيش الحرية والديموقراطية والوحدة في التعددية الدينية والإتنية والثقافية والسياسية. وقد اعترفت لهم دول العالم وقادتها والكنيسة الجامعة بهذه الميزة الفريدة. وجاء بعد سبعين سنة البابا القديس يوحنا بولس الثاني يؤكد لهم هذا الاعتراف بقوله: « إن لبنان هو أكثر من بلد. إنه رسالة حرية ونموذج في التعددية للشرق كما للغرب». ويؤكده من جديد اليوم قداسة البابا فرنسيس بقوله: «نريد أن نؤكد بكل قوتنا أن لبنان هو، ويجب أن يبقى، مشروع سلام. رسالته هي أن يكون أرض تسامح وتعددية، وواحة أخوّة تلتقي فيها الأديان والطوائف المختلفة، وتعيش فيها معًا جماعات مختلفة، وتفضّل الخير العام على المصالح الخاصة ». (خطابه في يوم الصلاة من أجل لبنان في روما، 1 تموز “2021)”.
واضاف: “احتفالنا بعيد مار يوحنا مارون اليوم يدعونا إلى وقفة وجدانية نستصرخ فيها ضمائر أبناء مارون ونتساءل معهم عن الدعوة والدور والمصير: أين نحن من ثوابت تاريخنا الروحي والأخلاقي والثقافي والوطني؟ أين نحن في مواجهة التحديات الراهنة، ومنها الانحطاط الأخلاقي والقيمي وتدني المستوى الثقافي والتراجع الديمغرافي والهجرة المتزايدة؟ اين دورنا في محاربة الفساد المستشري منذ عقود في الحياة السياسية ومؤسسات الدولة وإداراتها عبر ذهنية الزبائنية الرخيصة والإقطاعية المالية والحزبيات الضيّقة وهدر المال العام. أين نحن من الحوار في ما بيننا لِلَمّ الشمل وتوحيد الكلمة؟ أين دورنا الريادي في إقامة الحوار بين اللبنانيين، حوار صادق وصريح يفضي إلى تنقية الذاكرة ويفتح بابًا على المصالحة الوطنية؟ هل وصلنا إلى إنكار التزاماتنا الكنسية والإنسانية والاجتماعية والوطنية وقدّمنا استقالتنا من التزامنا بلبنان الكبير وطنًا كبيرًا لابنائه الكبار، مسيحيين ومسلمين ودروزًا؟ إننا نجدّد اليوم التزامنا بالدعوة التي دعينا إليها منذ البدء، أي إلى القداسة، ونجدّد التزامنا بعيش روحانيتنا النسكية بالتجرّد عن ملذات الدنيا وإغراءاتها، ونجدد انتماءنا إلى كنيستنا الانطاكية وإلى محيطنا الطبيعي في العالمين العربي والإسلامي، ونجدّد انفتاحنا على شعوب العالم وثقافاته، واتحادنا مع الكنيسة الرومانية الممثلة بكرسي بطرس وبالجالس عليه قداسة البابا فرنسيس. ونؤكد أننا سنبقى ننشد الحرية لنا ولغيرنا من الشعوب ضمن احترام التعددية التي تميّزنا”.
وختم: “أعطنا يا رب في عيد مار يوحنا مارون وفي مسيرة الصوم أن نعود إليك تائبين، وأن نبقى في إيماننا ثابتين، وأن نواجه تحديات الزمن واقفين، فنعمل معًا موحَّدين متضامنين، على إحلال المحبة والعدالة والسلام وإعادة بناء بيتنا المشترك لبنان الوطن الرسالة. وطوبى للذين يريدون ويستطيعون أن يكونوا ملح الأرض ونور العالم.”
بورجيا
وقدم السفير البابوي تهانيه للطائفةالمارونية بالعيد، مشددا على “ضرورة العودة الى الجذور والتمسك بالروحانية والقيم التي ارساها”.
وقال انه “نقل تحيات وبركة البابا فرنسيس الذي يحمل لبنان في قلبه وفكره. وتمنياته للكنيسة اللبنانية لتكون من خلال التزامها وشهادتها نورا وملحا للمجتمع الذي تعيش فيه، المليء بالتحديات والحاجات الملحة”.
وأمل “لكل لبنان السلام داخل أراضيه والاستقرار السياسي والمؤسساتي فيه، والانسجام من اجل الحفاظ على هويته كبلد للتعدد والفسيفساء الدينية والخبرات المتعددة الذي لا يمكن أن يجد الانسجام الا بالالتزام الدائم لكل مواطنيه”، متمنيا ان “يتم حل الجمود المؤسساتي وانتخاب رئيس قريبا، وأن يتمكن المكون المسيحي والجماعة السياسية فيه من العمل للخير العام من خلال نشر القيم الانجيلية من سلام واحترام، وحوار، وغفران وعدل ومحبة”.
وبعد القداس استقبل المطرانان خيرالله وبورجيا المهنئين بالعيد في صالون الدير.