شارك رئيس الأكاديمية البابوية للحياة المطران فنشنسو باليا في ندوة عُقدت هذا الثلاثاء بروما تحت عنوان “من “كن مسبحاً” إلى Fratelli Tutti: لا توجد عدالة اجتماعية بدون عدالة مناخية”، وألقى نيافته مداخلة سلط فيها الضوء على أهمية الرسالتين العامتين للبابا فرنسيس وارتباطهما بموضوع العدالة بكل أبعاده.
استهل المسؤول الفاتيكاني كلمته لافتا إلى أنه لا يسعنا ألا ننطلق من الحروب الدائرة اليوم حول العالم، لاسيما في أوكرانيا وغزة وجنوب السودان بالإضافة إلى ستة وخمسين صراعاً مسلحا آخر، في وقت يبدو فيه أن أوروبا تقف موقف المتفرج، تعاني من الانقسامات، وهي عاجزة عن التصرف إزاء حرب تدور على أراضيها، وهي الثانية بعد حرب البلقان عام ١٩٩٢. ولفت سيادته إلى أن عالمنا اليوم يعيش حرباً عالمية ثالثة مجزّأة كما يسميها البابا فرنسيس، ويبدو المستقبل قاتماً جداً. وذكّر بكلمات البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الذي كان يقول إن الإنسان يتألم بسبب غياب الرؤية، هذا الحلم الذي عاشه الجميع عام ١٩٨٩ وتبدد اليوم، الحلم بعالم موحد وكوني.
بعدها ذكّر المطران باليا بالتغيير الذي يشهده عصرنا وقد تحدث عنه البابا فرنسيس في أكثر من مناسبة، لافتا إلى أن الإنسان يبدو قادراً وللمرة الأولى في التاريخ البشري على أن يقضي على نفسه وعلى الخليقة. وقد بدأ كل شيء مع استخدام القنبلة الذرية في العام ١٩٤٥، ثم ظاهرة التغيير المناخي التي تدفع بنا إلى حافة الهاوية كما يقول هانس جوناس. وتُضاف أيضا التكنولوجيات الحديثة الناشئة القادرة على التحكم بالإنسان.
في هذا السياق أكد رئيس الأكاديمية البابوية للحياة أن الرسالتين العامتين للبابا فرنسيس “كن مسبحاً” وFratelli Tutti تكتسبان أهمية كبرى في خضم الأوضاع التي نعيشها اليوم لأنهما تملآن الفراغ الذي سببه انعدام الرؤية، لذا لا بد أن نصب الاهتمام على المخاطر المحدقة اليوم بكوكب الأرض وبالإنسان ونسعى إلى إنقاذهما. وأضاف سيادته أن هذه الرؤية واضحة إذ تتحدث عن بيت مشترك واحد، ألا وهو كوكب الأرض، الذي ينبغي أن نعتني به، وعن عائلة واحدة، ألا وهي عائلة الشعوب، التي لا بد أن نكون مسؤولين عنها.
هذا ثم لفت المطران باليا إلى أن الرسالتين العامتين تدفعان نحو نظرة أنتروبولوجية جديدة للإنسان، مع الحفاظ على الأبعاد المرتبطة بقيم وكرامة كل كائن بشري، أيا كان وأينما وُجد. وشدد سيادته على أهمية السعي إلى تعزيز عولمة جديدة للإنسانية، ترتكز إلى احترام حقوق الإنسان، وتعزيز حقوق المرأة وإرساء مبادئ الحرية والمساواة والأخوة، وتعزيز الديمقراطية والتضامن العالمي. وهذا ما يتحدث عنه أيضا البابا فرنسيس في رسالته العامة “كن مسبحا” إذ يشير إلى ترابط الأمور فيما بينها، ما يحملنا على إنضاج روحانية للتضامن العالمي تنبعث من سر الثالوث الأقدس.
ويذكّر الحبر الأعظم في هذا السياق أيضا أننا خُلقنا من قبل آب واحد، ولذا تربطنا علاقة غير مرئية ونشكل عائلة واحدة كونية، ما يدفعنا إلى الاحترام المقدس والمُحب والمتواضع. ولا بد أن ندرك أننا نحتاج إلى بعضنا البعض وإلى جميع الخلائق. وهذا الأمر، كما كتب البابا في الرسالة العامة، يتطلب تغييراً في المسار وإطلاق حوار يساعد في الحفاظ على التنوع الثقافي الذي هو كنز بالنسبة للبشرية.
تابع المطران باليا مداخلته مؤكدا أن التنوع ضمن الوحدة هو كنز البشرية، وهذه هي الأنسنة الجديدة في الألفية الثالثة. وأوضح أن هذه الأنسنة الكونية تولد من إدراك أهمية العلاقات البشرية، وعلاقة الإنسان مع الطبيعة. ومن هذا المنطلق يعتبر البابا فرنسيس أن الأزمة الإيكولوجية الراهنة هي في الواقع تعبير خارجي عن الأزمة الخلقية والثقافية والروحية التي يعيشها عالمنا المعاصر، ولذا لا نستطيع أن نصحح علاقتنا بالطبيعة والبيئة بدون تصحيح كل العلاقات البشرية الأساسية.
وشدد باليا على أن هذا التحول يتطلب تطوراً أنتروبولوجياً يسير نحو التعايش المشترك والسلام العالمي، ثم ختم المسؤول الفاتيكاني مداخلته بالقول إن هذا التحدي يقتضي شجاعة وقوة للتجديد الذهني والروحي، وللعمل من أجل بناء أنسنة جديدة ترتكز إلى الأخوة التي طالماً شكلت مصدر أمل بالنسبة للإنسانية.