رئيس الأكاديمية الحبريّة للحياة يصف خيار الأمس لمؤسسة الاتحاد الأوروبي بأنه “تراجع ثقافي”، يدل على “مفهوم فردي للحياة”، يدافع عن “الأنا” وليس عن الـ “نحن”
يظهر الإجهاض في ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية. إن تصويت الأمس في البرلمان الأوروبي -في أعقاب ما أقرته فرنسا سابقًا، أول دولة في الاتحاد تدرج حق إنهاء الحمل في الدستور الفرنسي- يقسم الدول الـ٢٧، وإذ يأخذ في عين الاعتبار أن هذا الحق يتطلب الإجماع لكي يتمَّ إدراجه في الميثاق، يضمن بقاء هذا التصويت رمزياً. معارضة وحزن تمَّ التعبير عنهما فورًا بعد التصويت من قبل لجنة اتحاد مجالس الاساقفة التابعة للجماعة الأوروبية، التي أعادت التأكيد على أن الحياة هي حق أساسي وليس الإجهاض، الذي ينكر الحياة عندما تكون ضعيفة وهشّة. مفهوم تناوله ودافع عنه المطران فينتشنزو باليا، رئيس الأكاديمية الحبريّة للحياة، الذي يرى أن خيار البرلمان الأوروبي “يتناقض” مع احترام حقوق الأشخاص الأشدّ ضعفًا مثل الطفل الذي لم يولد بعد.
في جوابه على سؤال حول حكمه على تصويت البرلمان الأوروبي هذا قال المطران باليا أنا أعتبره خيارًا أيديولوجيًا تمامًا بالمعنى السلبي للكلمة، لأنه هل يعقل ألا نأخذ النساء في عين الاعتبار، ونساعدهن، وندعمهن، وكذلك لأن الكثير منهن اللاتي يُجهضنَ هنَّ يقمن بذلك بدافع اليأس. المشكلة هي: الغياب التام لحقوق الطفل الذي لم يولد بعد. في رأيي، هذا أمر خطير للغاية من الناحية الثقافية والاجتماعية. وبهذا المعنى، يبدو لي أنه خيار يعود إلى الوراء، وليس إلى الأمام، ويتناقض مع احترام جميع الحقوق، حتى حقوق الأشخاص الأشدَّ ضعفًا، وفي هذه الحالة يكون الطفل الذي لم يولد هو الأضعف، لأنّه لا يستطيع الكلام، ولا يستطيع المطالبة بأي شيء، ومن المنطقي، ومن السهل جداً، تأكيد حقوق الأقوى ونسيان الأضعف. ومن الخطأ المطالبة بالحق لطرف واحد فقط، وليس لكليهما.
أضاف المطران باليا مجيبًا على سؤال حول نوع العقلية التي تحددها نتيجة تصويت البرلمان الأوروبي هذا وقال إنه يوضح عقلية هي في رأيي عقلية فردية جدًّا ولا تأخذ في عين الاعتبار واقع الحياة. لا ننسينَّ أنه عندما تكون المرأة حامل هناك حقيقتان. وبهذا المعنى، فإن الدفاع الكامل عن الحقوق الفردية على حساب الواجبات تجاه الآخرين يقودنا إلى انحراف حزين، إلى الانجراف الذي يمكن أن يكون فيه كل شخص قاضيًا على نفسه. وهذا يمكن أن يكون فردًا أو مجموعة أو أمة. وبهذا المعنى هناك ثمالة للفردية. وأكرر أن هذا الأمر يشمل أيضًا القرب التام من النساء اللاتي يحملن. هناك حاجة إلى عدالة فعالة تساعد المرأة على الدفاع عن كرامتها، وحقها في العمل، وحقها في التعبير عن نفسها بشكل كامل مثل أي إنسان.
تابع رئيس الأكاديمية الحبريّة للحياة مجيبًا على سؤال حول إن كان الاتحاد الأوروبي يفرض إيديولوجية معيّنة من خلال هذا التصويت وقال أكيد، وليس هناك أدنى شك. كذلك، أود أن أشير إلى أن معارضة الإجهاض ليست مجرد قضية كاثوليكية. لدي العديد من الأصدقاء، على سبيل المثال أنجيلو فيسكوفي، رئيس لجنة الأخلاقيات الحيوية الإيطالية، الذي يعارض الإجهاض على الرغم من أنه ليس مؤمنًا وليس كاثوليكيًا. وهنا المشكلة بسيطة جداً: هل الذي حُبل به هو حياة أم لا؟ وإذا كان حياة فبأي حق أستبعدها أو أقضي عليها؟ لذلك أفهم أنه من الممكن أن تكون هناك صراعات، وفي بعض الأحيان يكون هذا، لا سمح الله، جزءًا من الجدل العام. لكن التجاهل التام لحقوق الذين عليهم أن يولدوا لصالح حقوق الآخرين، خاصة إذا لم يكن بإمكانهم بعد أن يأخذوا قرارًا بشأن أي شيء، يبدو بوضوح وكأنه تراجع ثقافي بالنسبة لي. ليس لدي أدنى شك في هذا، بل يجب أن ينمو في الاتجاه المعاكس. وفي هذه النقطة، يبدو لي مثيرًا للاهتمام أيضًا الإعلان الأخير لدائرة عقيدة الإيمان، وهو أن الكرامة اللامتناهية هي ملك للجميع، دون استثناء. لهذا السبب يجب على الكنيسة أن تدافع عن الحياة: نحن ضد عقوبة الإعدام، ضد الحرب، ضد الإجهاض، ضد الظلم، ضد غياب الحقوق في العمل، وغياب الدفاع عن الحياة حتى بالنسبة للذين يعملون في ظروف رهيبة. وهذا ما يجب علينا تعزيزه بالتأكيد: الدفاع الشامل عن الحياة بدءًا من حياة الأشخاص الأشدَّ ضعفًا.
وختم المطران باليا حديثه لموقع فاتيكان نيوز مجيبًا على سؤال حول إن كان هذا التصويت الذي لم يتمَّ التصديق عليه بالإجماع من قبل الدول الـ ٢٧ هو علامة لشيء ما وقال إنها علامة سيئة بالتأكيد. إنَّ المشكلة الآن ليست مشكلة تشريعية على الفور، لأنني أعتقد أنه سيكون من الصعب الموافقة عليها. إن القضية ثقافية وعميقة جدًّا، وذلك على وجه التحديد لأنني أعتقد أن التركيز المبالغ فيه على الحقوق الفردية يجعلنا ننسى أننا جميعًا مترابطون. إن سر الأمومة والولادة هو أحد الأسرار التي تميِّز معنى الحياة والإنسانية ذاته، وهو أننا منذ البداية متعددون: فإذا قررت المرأة بنفسها دون أن تأخذ في عين الاعتبار أي شيء فإنَّ ذلك جرح لمفهوم “نحن” منذ البداية. وبهذا المعنى، يجب علينا أيضًا إعادة اكتشاف المسؤولية المشتركة في مواجهة الحياة التي تولد. ومن له الحق في قمعها؟ ولهذا السبب أعتقد أنها مشكلة ثقافية أعمق بكثير من مجرد مشكلة سطحية، كما أسميها، ثمالة الحقوق الفردية. وأكرر مرة أخرى أنه يجب علينا أن نأخذ في عين الاعتبار حياة النساء بشكل كبير. لقد أنشأت الأم تريزا مركزًا للنساء الحوامل وكانت تقول لهنَّ: دعوهن يولدون، وسآخذهم أنا، لأن الكثير من النساء يجهضن لأنَّ لديهنَّ مشاكل، ربما اقتصادية أو حتى نفسية أو ذات طبيعة أخرى، أو لأنهن وحيدات ولا تتمُّ مساعدتهنَّ. ولهذا السبب أعتقد أنه بالمقارنة مع الثقافة التي تستمر في تمجيد “الأنا”، علينا أن ندفع نحو ثقافة الـ “نحن”. لأن “نحن” هي جوهر الإنسان، إنها جوهر التضامن والأخوة وبالتالي العدالة أيضًا. باختصار، يذهب هذا التصويت إلى ما هو أبعد من مجرد خيار سياسي بسيط. إنه يشير إلى مفهوم فردي للحياة ليس هو الذي نراه ونلاحظه جميعًا، أي ذلك الـ “نحن” الذي يجب علينا أن نحافظ عليه منذ البداية.