ترأس راعي ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم ؤتبة جناز السيد المسيح في كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة بمشاركة النائب الأسقفي العام الأرشمندريت نقولا حكيم وبحضور مدير عام وزارة الزراعة المهندس لويس لحود، رئيسة الكتلة الشعبية السيدة ميرام سكاف وحشد كبير من المؤمنين ضاقت به ارجاء الكاتدرائية.
وكان للمطران ابراهيم عظة تحدث فيها عن حب السيد المسيح لنا وتواضعه، ومما قال:
” إلى كاتدرائية سيدة النجاة أتينا نحمل على بأيدينا جسد المسيح الذي أنزلناه عن الصليب لنطيبه بدموعنا ونرثيه بتنهداتنا ونهتف نحوه قائلين: المجد لك أيها المعلّم الصالح” الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه، آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب.” (فيليبي 2/6-8)”
واضاف” تجرد المسيح لأنه أحبنا بدون حدود فبذل ذاته على الصليب كأحد متعدي الشريعة. لكن شرائعَ ضُعفنا أوقعتنا في فخِّ الخيانة لمن بيديه الطاهرتين جبلنا.
خيانتُنا آلمته أضعاف آلام الجلدِ والسياط، والبصق والإهانات، الخيانة سمَّرته قبل المسامير والحربة وإكليل الشوك، لأن الخيانة أتته ممن أحبهم وأحسن إليهم وبذل نفسه لأجلهم.
لا، لا تبدو الخيانة منطقيةً؛ تماما كما لا يمكنُ للشر أن يكون منطقياً. لماذا نفعل بشكل متعمد شيئًا نعلم أنه شر، وأنه قادرٌ أن يُدمِرنا؟ يقول الكتاب المقدس: ” حَافِظُ الْوَصِيَّةِ حَافِظٌ نَفْسَهُ، وَالْمُتَهَاوِنُ بِطُرُقِهِ يَمُوتُ.” (أمثال:16:19).”
وتابع ” جادل علماء الكتاب المقدس لقرون الأسباب التي دفعت يهوذا إلى الخيانة والانقلاب على يسوع. ربما أدرك في النهاية أن يسوع لم يكن ليصبح ملكاً على الأرض؛ شيء أراده يهوذا، لأنه اعتقد أنه يمكن أن يستفيد منه. أو ربما كان مقتنعاً بأن السلطات كانت على وشك قتل يسوع – فلماذا يظل وفياً لخاسر؟
لكن مشكلة يهوذا الحقيقية كانت أنه كان مهتمًا فقط بنفسه، وبما يمكنه أن يكسبه من خلال اتباعه يسوع. بدلاً من أن يكرس حياته ليسوع، سمح للطمع والحسد بأن يحكما قلبه وعقله. قدم أعداء يسوع ثلاثين قطعة من الفضة لأي شخص يكشف أين يقيم يسوع حتى يستطيعوا اعتقاله سراً، وافق يهوذا بسرور.
سيبقى يهوذا إلى الأبد تحذيراً من خطورة العناد في الكفر. ففي النهاية، فقد يهوذا كل شيء، حتى حياته. إن أكثر الكلمات مأساوية في الكتاب المقدس هي هذه: “فطرح يهوذا الفضة في الهيكل وانصرف، ومضى وشنق نفسه” (متى ٢٧:٥).”
وقال” لذا أتينا إليه هذا المساء كي يغفر المسيحُ لنا وهو ملكُ الغفران، لكي يغفِر لطبيعتنا البشرية الضعيفة الصارخة إليه: أنا أؤمن يا رب فأعن قِلة إيماني. نعم! نحن نؤمن يا رب فأعن قِلة إيماننا. نحنُ نؤمن يا سيّد لكنَّ قوتنا تخور وتضعُف أمام شدة الشر المحيط بنا. نحنُ نؤمن يا من باسمك تعمّدنا ومُسحنا لنصير لكَ إخوةً بالتبني. وأمامك نعترف بزلاتنا راجين منكَ الصفحَ عن كل تقصيرنا وجهلنا وضياعنا عن طريق الحق التي رسمتها لنا. نحنُ نؤمن يا سيّد أنَّكَ أنتَ مَن تقرِّبُ لنا ذاتك في سرّ الشكر المقدس فننغمس في الرجاء النابع من كؤوس مذابحنا علّنا نتطهر بطُهركَ، ونتقوى بعزمكَ ونشفى بقوة كمالِكَ. نحنُ نؤمن يا سيّد بأننا أعضاءٌ كريمةٌ في جسدك الكريم تلهوا مِراراً ومراراً عن جوهرك لتنشغِلَ بالزائلات.”
واردف” نحنُ نؤمن يا سيّد بأنكَ النور الذي فينا والذي نطفئه عندما نشاء لننتقل من درب اشعاعاتِكَ الإلهيّة إلى أنفاق الموت المظلمة. نحنُ نؤمن أيها السيّد أنكَ بقدر ما اخترتَنا رفضناكَ وبقدر ما أحببتنا أهملناك وبقدر ما سالمتنا جرّحناك وأسلمناك. كلُّ ذلك لأننا بأنانيتنا رفضناك وبطمعنا سرقنا ميراثَك وبضلالنا أسقطنا وعودك. نحنُ يا رب تُغيِّرُنا كلَّ يومٍ مصالحُنا ونتلونُ بلون حاجاتنا وتتقاذفُنا أمواجُ التجارب وتغيِّرُ اتجاهاتِنا رياحُ الفرح الآنيّ، أما أنت فلم ولن تتغيّرْ، فأنتَ أنتَ اليومَ وأمس وغداً، إلهٌ لا تُصغِّرُهُ “صغائرُنا” ولا تكبِّرُهُ “عظائمنا”. نحنُ نؤمن أيها السيّد بأنكَ أنتَ أنتَ ملكٌ مدى الدهور. ونحنُ نحنُ في حاجة متواترة لمعجزاتك واحساناتك وغُفرانك ووعودك وشريعتك، كي نُنْزَلَ نحنُ عن صليبنا ونشفى من جراحنا فلا نعودُ أبناء خشبتنا، بل أبناءَ صليبك المحيي. فيكون لألمنا نهايةٌ ولأوجاعنا برُّ أمانٍ ولأحزاننا بهاءُ معنىً.”
وتابع ” لقد صَلبنا أنفُسنا أكثر بكثير مما صلبناك ولأجل ذلك تقبّلت أنتَ صليبنا وحملت خطايانا لكيلا تعودَ لنا يدٌ مجرمةٌ بها نقتُلُ ذاتَنا والقريب.
فالمجد لطول أناتِكَ معنا يا رب، علنا نُطيلُ نحنُ أيضاً صبرنا على ذواتِنا وعلى إخوتنا وأخواتنا.
جرّحناك، أيها السيد، فَبلسِمْنا، صلبناكَ فحرِرْنا، أمتناك فأقمنا لكي نصير لكَ شركاءَ في مجدِكَ وقيامتِكَ. وليكن موتك قيامةَ لكل الأحباء الحاضرين مراسم التجنيز في هذه الكاتدرائية البهية، كي يشتركوا جميعُهم في نور قيامتك باتحاد دائم نرجوه بين كل المسيحيين، شرقيين وغربيين، شهادة لحبهم لك ولبعضهم البعض.”
وختم سيادته ” احمِ، أيها السيد، وطننا لبنان، الذي زرتَهُ فأحببته وأجريتَ فيه العجائب. في لبنانك هذا يا يسوع، تتلاقى الأزمات كالموجات المتلاطمة في بحر هائج، تتراكم الصعوبات والتحديات بشكلٍ يُخيم على الحياة اليومية للناس بظلالٍ كثيفة. هناك حزنٌ ويأسٌ عميق يخيم على القلوب وضجرٌ يسكن الأرواح، فالواقع المرير الذي يعيشه اللبنانيون يثقل كاهل الأمل ويجعل كل نفسٍ تتنهد. لقد عدنا مئة سنةٍ إلى الوراء، لكن على الرغم من هذه الظروف القاسية، يتمسك اللبنانيون بشجاعةٍ وإصرارٍ بالبقاء أقوياء. فقد تعلّموا منك كيف يستمرون في قلب العواصف، وكيف يَتَحدّون الصعاب بروح الصمود والثبات.
وهكذا، يبقى الأمل شرارةً تتأجج في أعماق النفوس، ينتظر اللحظة المناسبة لتشعل شعلة النور من قبرك الخالي كي نبني مستقبلًا أفضل للبنان.
أعاد الله عليكم، أيتها الأخوات والإخوة، هذا الموسم الخلاصي لسنين كثيرة مليئةٍ بالصحة والسلام والنجاح، ولتحلَّ بركات الرب عليكم كل حين الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين، آمين.”
وفي ختام الرتبة اقيم تطواف بنعش السيد المسيح في ارجاء الكاتدرائية وتبارك منه المؤمنين.