المطران ابراهيم في ذكرى رقاد الأب بشارة ابو مراد: لنتعلم منه كيف نقدّم العطاء دون انتظار المقابل

ترأس راعي ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم قداساً احتفالياً في كنيسة مار الياس المخلصية في زحلة، في ذكرى رقاد المكرّم الأب بشارة ابو مراد المخلصي، ابن زحلة وابن حارة مار الياس، بمشاركة رئيس دير مار الياس المخلصية الأرشمندريت نقولا الصغبيني، الأرشمندريت انطوان سعد ومدير دار الصداقة الأب جوزف جبور، بحضور جمهور كبير من المؤمنين ضاقت به ارجاء الكنيسة، وخدمت القداس جوقة وتر بقيادة فادي نحاس.
بعد الإنجيل المقدس كان للمطران ابراهيم عظة تحدث فيها عن فضائل الأب بشارة ابو مراد ومما قال:
” أيها الأحباء في المسيح،
في هذا اليوم المبارك، نجتمع لنتذكر ونحتفي بحياة وإرث الفخر والعطاء، المكرم بشارة أبو مراد، ابن الرهبانية الباسيلية المخلصية، ونجم الكنيسة الملكية الكاثوليكية، وابن مدينة زحلة الجميلة، الذي حمل من ارثها الجمال الذي كان فيه، والتقوى والقداسة. الأب بشارة ابو مراد كان يتسم بروح التواضع العميق والتفاني في خدمة الله وخدمة الإنسانية، كل من عاش في هذه المدينة يرى ان التواضع والتفاني هما فضيلتين متجذرتين في حياة الناس، فالزحلي انسان متواضع ومتفانٍ، وهذا ما تتوارثونه جيلاً بعد جيل، والأب بشارة حملها معه من منزله ومدينته الى ديره. إنها فرصة لنا لنتأمل في القداسة الباهرة التي عاشها هذا الرجل العظيم، فقد كان قدوةً تتلألأ في طريق الفضيلة والغفران والتسامح. كانت حياته مثالاً يُحتذى به للإيمان الراسخ والعمل الخيري الذي لا يعرف حدودًا، الذي يحرم الذات لكي يمنح الآخر، الذي ينقّص ما لنا لكي يزيد ما لغيرنا.”
واضاف” في هذا الزمن الذي نعيش فيه، يبحث العالم عن الأبطال، وخصوصاً شبابنا وصغارنا، يريدون ان يروا ابطالاً ومثالاً يقتدون به، العالم يبحث عن ابطال لذلك من الصعب ان نجد بطلاً يخسر في نهاية الفيلم، لأنه لو حصل لا يعود بطلاً، عادة البطل هو شخصية تقدم للناس لكي يقتدي بها الناس، ولكن نحن نعلم أن الأبطال الحقيقيين هم أولئك الذين يعيشون حياة التضحية من أجل الآخرين، كما فعل المكرم بشارة أبو مراد، وكما فعل كل القديسين. من منا لا يرى في الأم تيريزا بطلاً؟ من منا لا يرى في القديس شربل بطلاً؟ حتى لو عاش في النسك يبقى بطل النسك وبطل الصلاة، وابونا بشارة كان بطل الرعاية والتبشير والخدمة والتفاني. لا ينفع اليوم ان نتأمل فقط في مسيرة حياتهم بقدر ما يجب علينا ان نعيش على مثالهم، وان نتبنى فضائلهم: نعيش بمحبة وتواضع، ونتعلم منهم كيف نقدّم العطاء دون انتظار المقابل. العالم يتمحور حول العطاء والأخذ، حتى في العمل، لكن في المسيحية العمل هو صلاة لا ينتظر مقابلاً، لا أحد منا يصلي لأولاده وينتظر منهم مقابلاً في نهاية الشهر! الأب بشاة كان معلم العطاء دون مقابل. كانت تلك الروح التواضعية تتجلى في تعامله مع الجميع، والتواضع ليس عضواً من اعضاء الجسد، لدينا قلب لكنه محصور في الداخل، العطاء ليس فضيلة محبوسة، العطاء والتواضع هي فضائل تخرج من الصدر والقلب، من الفكر والحياة الى الآخرين، وتكون مجالاً مشتركاً لنا وللآخرين، وعلّمنا اهلنا ان نجيب عندما يمدحنا أحد بأننا آخر الناس، لكي لا يدخل الى فكرنا الكبرياء، الذي قد ينتقل الى داخلنا ويخرّب علينا سلامنا، لذلك ابونا بشارة انطلاقاً من هذا التواضع، كان يعتبر ذاته الأقل من الناس مستعيناً بتوجيهات الكتاب المقدس التي تعلمنا كما يقول القديس بولس أن “التواضع قبل المجد”، وأن “الذي يتواضع يرتفع”. إنها الصفة الجامعة بين القديسين: التواضع. المسيح أخلى ذاته آخذ صورة عبدٍ، والعذراء مريم أعلنت أن الله حط المقتدرين عن عروشهم ورفع المتواضعين.”
وتابع سيادته ” سمعنا في الإنجيل يسوع المسيح يقول ” طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض” وتصبح الأرض كلها ملكاً للمتواضعين، وبالتالي السماء ايضاً تصبح ملكهم من التواضع الذي يُنبت القداسة.
هذه الصفة الجميلة تتجلى في تفاعل الأب بشارة مع المحتاجين والضعفاء، حيث كان يقدم نفسه خادمًا للجميع بروح المحبة والعطاء، دون أن يطلب شيئًا مقابل ذلك.
اتذكر عندما كنا طلاباً، كنا نقف امام قبر ابونا بشارة، هذا الذي كان متواضعاً فرُفِع وصار محط انظار كل الناس. اما قبر ابونا بشارة تشعر بأن التواضع يخرج منه، يتخطى ويخترق البلاطة الموجودة على باب القبر، لأن ابونا بشارة لا ينحصر في قبر، القديسون لا يحبسون داخل القبور، هم بيننا أحياء اكثر منا.
من خلال تواضعه، نجد أنه كان يجذب الناس إليه بكل صدق وإخلاص، فقد كان مصدر إلهام للجميع بسبب بساطته وتواضعه اللذين كانا يعكسان عمق إيمانه وقوة روحه.”
واردف المطران ابراهيم ” فلنتأمل جميعًا في هذا المثال النبيل للتواضع، ولنحاول أن نتبع خطاه في حياتنا اليومية، بأن نكون أكثر تواضعًا في تعاملاتنا مع الآخرين، وأن نخدم بقلوبٍ متواضعة خالصة، دون أن نطلب أي مكافأة أو تقدير.
فلنكن كما وصف الرسول بولس في رسالته إلى أهل فيلبي: ” لَا يَكُنْ بَيْنَكُمْ شَيْءٌ بِرُوحِ التَّحَزُّبِ وَالاِفْتِخَارِ الْبَاطِلِ، بَلْ بِالتَّوَاضُعِ لِيَعْتَبِرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ غَيْرَهُ أَفْضَلَ كَثِيراً مِنْ نَفْسِهِ” (فيليبي 2: 3).
انا سعيد ان ارى الكنيسة ممتلئة بوجوه بهذه الوجوه الطيبة، وجوه ترى في الأب بشارة ابو مراد منارة للخلاص في زمن صعب، ترى فيه شفيعاً لهذه المدينة زحلة وكل احيائها وكل عائلاتها، زحلة التي تنمو ليس فقط في هذا السهل وفي هذا السفح، لكن تنمو في السماء عبر قلب ابونا بشارة لأنه يحملها معه اينما كان.”
وختم ” لقد طَبعت زحلة شخصيةَ المكرم بشارة أبو مراد وزرعت فيه بصماتِ السلام والإيمان، وها هو إرثه يبقى خالدًا في قلوبنا وتاريخنا. لنستمد القوة من روحه النبيلة ونتعهد أن نكمل مسيرته في خدمة الإنسانية ونشر رسالة المحبة والتسامح.
لنعش بتطلعاته وهدفه النبيل في بناء عالم أفضل، حيث يسود السلام والمحبة والمساواة، ويعم العدل والتسامح بين البشر، وهذه صفات نفتقدها كثيراً في لبنان اليوم، وكأننا اليوم في لبنان نواجه خطة مبرمجة، تطبق بشكل دقيق من اجل هدم هيكلية الدولة وزرع الفوضى مكانها، الفوضى الهدّامة التي ستنعكس سلباً على كل اللبنانيين. لذلك نصلي اليوم الى الأب بشارة من اجل زحلة ومن اجل لبنان لكي يستعيد عافيته، اي يستعيد ضميره، فالضمير قد يُخدّر ويغيّب لكنه لا يموت، فاذا تعود احد على الرذيلة واعتقد ان لا خلاص له، فليعرف دائماً ان الأب بشارة بانتظاره في كرسي الإعتراف التي كان يقضي فيها ساعات طويلة جداً، وكرسي الإعتراف هي الآلة الحيّة التي تعيد احياء الضمير الى النقاء التام.
اشكر الأب نقولا على هذه الدعوة ، واجمل ما يمكن ان افعله في هذا الوقت هو ان احتفل بالذبيحة الإلهية معكم، وان نكرّم ونتشفّع سوياً بقديسنا الكبير الأب بشارة ابو مراد.