الكاردينال لويس روفائيل ساكو :
من بين اللحظات الأكثر تأثرًا في الرسامة الكهنوتية، هي عندما أدعو الشاب المتقدّم لنيل سرّ الكهنوت، ليُجيب بحسب تعبير الكتاب المقدس: “هاءَنَذا” (صموئيل 3/ 4). انها تعبير عن حبه للرب بشغف، واتباعه ايّاه بامانة. وقصُّ خصلةٍ من شعر رأسه، رمز للفرز، يتبع ركعة سجود في نهاية كل مزمور وترتيلة كإعلان حرّ عن أنه خادم الرّب، بولاء مطلق، والتمسك بالطاعة له، ولن يتنازل عنه من أجل منصب، أو صداقة دنيوية، أو مالٍ كما فعل يهوذا الاسخريوطي!
الكهنوت دعوة ربانيّة، لتكريس الذات للرب، تأخذ كلّ كيان الكاهن: فكره وقلبه ومشاعره واهتمامه، وليس مقاولة اقتصادية أو بيزنس بمنطق الربح والخسارة. إنها ميثاق أبدي! من يريد أن يكون كاهنًا حقًا، عليه أن يكون شجاعًا ليبرز ذلك في حياته.
تهدف دعوة الكاهن إلى إعلان كلمة الله التي لا تزال تحمل معنى للناس اليوم، بالتعليم اللاهوتي القويم، والوعظ والكتابة وشهادة الحياة. يسعى طوال حياته لتسكنه الكلمة ليحملها بقوتها وزخمها إلى البشر اخوته، نورًا ورجاءً، وتعزيةً كبيرة، لاسيما في الاوقات الصعبة.
الكاهن مدعوّ إلى أن يكون المسيح على الأرض، بالتخلي عن الذات، ومتميزًا بسلطة الخدمة، بقلب رحوم وأيادٍ مفتوحة، والعناية الراعوية ببساطة وبشاشة، مجسدًا الافخارستيا التي يحتفل بها كل يوم، فيعزّز إيمان الناس ويرسّخ ثقتهم به. الخلاص يأتي من الله وليس من الكاهن، الذي ليس سوى خادم له.
هذه الدعوة لا يعيشها الكاهن (هكذا الأسقف) بحسب اختياراته الشخصية ومزاجياته، ويُفصّل الكهنوت على مقاسه كما يفعل البعض، إنما ضمن توجيهات الكنيسة ورعايتها، يعمل ويتصرف ككاهن للمسيح في الكنيسة. أولئك الذين يتناقض تصرفهم وكلامهم مع رسالتهم، ليسوا الشجرة الطيبة التي تعطي ثمارًا طيبة (متى 7/ 17).
وهنا أؤكد على أهميّة التجديد بنظرة ناقدة للاصيل والدخيل، لأن من دون التجديد سنفقد الارتكاز على ايماننا والتواصل مع مجتمعنا وسط التحولات الحالية المتسارعة. اعرف ان احد الاساقفة يتكلم عن كنوز طقسنا ويتباكى عليها، بينما يتمسك بالقشور!
ليكن المسيح مثالاً لنا جميعًا. لنتعرف عليه بشغف ونحبه، ونصير تلاميذه ونتمثل به. لهذا السبب استرجعنا في رتبة الرسامة الكهنوتية مسح يدي المرشح بزيت الميرون، اي للامتلاء من روح الله، ليكون “مسيحًا”. اننا سنعيش معه بشكل يومي، ونتقاسم تفاصيل حياتنا معه. تكفي نظرة يقظة الى المسيح، حتى يهتدي الكاهن إليه في وقت الصعوبات، لأن الكهنوت ليس طريقًا مفروشًا بالزهور ولا نهرًا من السعادة!
الكاهن هو رجل الصلاة الشخصية والليتورجيا الجماعية المُعدّة والمنسجمة وهي في صلب دعوته. لا نقدر أن نكبر من دون الالتزام بهذه العلاقة، وهذا الحبّ وهذه الصلاة.
إخوتي تمسَّكوا بالشفافية تجاه المال “لن تقدروا أن تعبدوا الله والمال” (لوقا 16/ 13).