ألقى مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة المطران غابريالي كاتشا مداخلة يوم أمس الاثنين أمام المشاركين في لقاء عقدته اللجة الثالثة للجمعية العامة الثامنة والأربعين للمنظمة الأممية حول موضوع: إلغاء العنصرية والتمييز العنصري والكزينوفوبيا (أو كره الأجانب) وعدم التسامح.
استهل الدبلوماسي الفاتيكاني مداخلته مشيرا إلى أن العنصرية هي شر يتواجد باستمرار في مجتمعنا وواقعه يبقى على الرغم من التقدم الظاهر الذي تحقق والتعديلات الهامة التي طرأت على التشريعات. من هذا المنطلق اعتبر أن النقاش بشأن العنصرية والتمييز العنصري يكتسب أهمية كبرى اليوم، بسبب التوترات الناجمة عنهما داخل مختلف البلدان وعلى الصعيد الدولي أيضا. هذا ثم لفت إلى أن الجماعة الدولية تندد وتنبذ التشريعات المستوحاة من الأحكام المسبقة التي تحمل صبغة عنصرية، مؤكدا أن أعضاء العائلة البشرية كلهم يتقاسمون الحقوق الأساسية والواجبات نفسَها بما أنهم ينعمون بالكرامة التي منحهم إياها الله. وبالتالي يتعين على جميع الأشخاص أن ينعموا بأبعاد الحياة الاقتصادية والثقافية والمدنية والاجتماعية، وأن يستفيدوا من التوزيع العادل والمنصف لموارد البلاد، وأن يُعاملوا على قدم المساواة تحت سيادة القانون.
بعدها أكد المطران كاتشا أن العنصرية ترتكز إلى الاعتقاد الخاطئ أن شخصاً ما هو متفوق على شخص آخر استنادا إلى صفات معينة. وهذا المفهوم يشكل انتهاكاً للكرامة التي يتمتع بها كل إنسان. وتوقف في هذا السياق عند الأفعال العنصرية وممارسات التمييز التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء، وذلك عندما يُنظر إليهم على أنهم لا يتمتعون بالكرامة نفسها أسوة بباقي الأشخاص، وبالتالي يتم نبذهم. كما أن الهجرة يمكن أن تحمل معها الخوف والقلق، وغالبا ما يتم استغلال المسألة لأهداف وغايات سياسية. وهذا يولد ذهنية الكزينوفوبيا، عندم يخاف الإنسان من الشخص الآخر المختلف عنه. وقال إن الكرسي الرسولي مقتنع تماماً بضرورة معالجة هذه المشكلة بطريقة حازمة، مشددا على أنه لا يمكن اعتبار المهاجرين مشكلة سياسية بل ككائنات بشرية يتقاسمون مع كل شخص آخر الكرامة والقيم نفسها.
لم تخل مداخلة المسؤول الفاتيكاني من الإشارة إلى ظاهرة انعدام التسامح الديني والتمييز والاضطهاد الدينيين. ولفت إلى ارتفاع مقلق في عدد الأشخاص الذين يتعرضون لهذه الممارسات على أساس دينهم أو معتقداتهم، متحدثا عن وجود أفراد وجماعات يواجهون قيوداً ويتعرضون للاضطهاد بسبب إيمانهم، وذلك في المجالين الخاص والعام. وباعتبار أن الحريات الدينية تخضع لقيود في العديد من مناطق العالم يحث الكرسي الرسولي حكومات الدول على القيام بواجبها والدفاع عن هذا الحق الخاص بمواطنيها لكونه الحد الأدنى المطلوب لضمان العيش بكرامة.
تابع سيادته مداخلته متطرقا إلى الخوف من الآخر الأمر الذي يمكن أن يقود إلى العمل على تحقيق تجانس يزيل الاختلافات والتقاليد بحجة السعي في سبيل الوحدة. وقال إن هذا النوع المزيف من الكونية يقود إلى حرمان العالم من ألوانه وجماله وإنسانيته، وهذا ما شدد عليه البابا فرنسيس في رسالته العامة Fratelli Tutti. واعتبر المطران كاتشا أن الترياق لذلك يوجد في ثقافة الحوار التي تقر بالعطايا الغنية وفرادة كل إنسان وكل شعب، وهذا يسمح بازدهار الصداقة الاجتماعية الحقيقة والتي تقود بدورها إلى الانفتاح الكوني الحقيقي.
في الختام عاد مراقب الكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة ليذكر بكلمات البابا فرنسيس الذي كتب في الرسالة العامة المذكورة آنفا أن العنصرية هي فيروساً يتبدل بسرعة، وعوضا عن الاختفاء، يختبئ وينتظر متربصا. وشدد كاتشا على أن العنصرية هي شر مقيت ينكر كرامة الإنسان ويقسم العائلة البشرية، قائلا: ينبغي ألا يتعرض أي شخص للتمييز استنادا إلى عرقة، لونه، جنسه، لغته، دينه وآرائه السياسية وغيرها، أو استنادا إلى انتمائه القومي والاجتماعي وأي وضع آخر. وختم سيادته مؤكدا أن الكرامة المتساوية لدى كل شخص تتطلب منا ألا نغض الطرف عن العنصرية والإقصاء، وأن نتعامل مع كل واحد بانفتاح وتضامن ومحبة.