يعتبر الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، شخصية دينية مرموقة على المستوى الإقليمي والعالمي، نظرًا للدور الحيوي المميز والنشط الذي يلعبه في تعزيز التفاهم والتواصل بين المجموعات الدينية والسياسية المختلفة في الأرض المقدسة. ويشمل دور البطريرك مجموعة متنوعة من الحقول، فهو لاعب محوري بين منتسبي الأديان والطوائف المختلفة، ويسعى للتواصل والتفاهم بين الجميع، ويعمل على تخفيف التوترات وتحقيق الحوار بين المجتمعات المنقسمة، فضلا عن أدواره الروحية والإنسانية التي يؤديها من خلال إشرافه على شبكة واسعة من المؤسسات التربوية والخيرية.
ويقدّم بطريرك القدس للاتين الدعم الروحي للمؤمنين، فيشجعهم على الأمل والتسامح، ويسعى لتعزيز القيم الإنسانية والتضامن في المجتمع. كما يعمل من خلال المؤسسات التابعة للبطريركية على تقديم المساعدة للمحتاجين واللاجئين والمجتمعات المتضررة، ويسعى للحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للمجتمعات المحلية.
ويعبر البطريرك عن آرائه ومواقفه بصراحة ووضوح بشأن القضايا السياسية والاجتماعية، وذلك من خلال سعيه الموصول وجهوده الدؤوبة لتحقيق السلام والمصالحة في المنطقة. ويمثل دور البطريرك وبطريركية القدس للاتين، رمزًا للأمل والتواصل في الأرض المقدسة، وهي تلقي مسؤوليات كبيرة في تحقيق العدل والسلام.
وفي لقاء حصري أجرته معه إذاعة وموقع “نبض الحياة”، أوضح غبطته دور بطريركية القدس للاتين في تعزيز التواصل والسلام في الأرض المقدسة، وموقفه من عدة قضايا ملحة.
البابا يمدح عمله ويشجعه على الاستمرار في مهمته
أشاد البابا فرنسيس في تصريح له مؤخرًا، بالعمل الذي يقوم به الكاردينال بيتسابالا، وأعرب عن تقديره لجهوده في دعم الكنيسة في ظل الصراع المستمر في المنطقة. وقال البابا إنه يثق في قدرة الكاردينال على العمل من أجل السلام والمصالحة، وإعادة بناء الثقة في المجتمعات المنقسمة. وأضاف أنه يدعو له ولكل البطريركية اللاتينية بالشجاعة والصبر في هذا الوضع الصعب.
وفي تعليقه على كلمات البابا، قال البطريرك اللاتيني بيتسابالا، في مقابلة حصرية لـ “نبض الحياة”: كلمات الأب الأقدس كانت تشجيعًا لي بالطبع. إنها تمنحني، وتمنح كل البطريركية اللاتينية، الشجاعة في هذا الوضع الصعب، لتبقى الكنيسة فاعلة، ولكي نعمل من أجل السلام والمصالحة وإعادة بناء الثقة في مجتمعاتنا، والتي تشكل إحدى المشاكل الرئيسية التي نواجها الآن.
هل تنهي اتهامات إسرائيل دور الأونروا الإنساني في المنطقة؟
تواجه الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، اتهامات خطيرة من قبل إسرائيل، بأن بعض موظفيها شاركوا في هجمات (حماس) وأن مرافقها استخدمت لإخفاء الأنفاق. هذه الاتهامات تهدد مستقبل الأونروا ومهمتها الإنسانية في تقديم الخدمات الأساسية لملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وفي أجزاء أخرى من المنطقة.
وقد أعرب البطريرك بيتسابالا، عن رأيه وموقفه قائلًا: لم تكن الأونروا ضرورية فحسب، بل كانت أساسية لبقاء الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وفي أجزاء أخرى من المنطقة، وخاصة اللاجئين. لذلك، كان دور الأونروا حيوياً. آمل أن توضح التحقيقات الوضع، لكنني لا أستطيع تخيل المستقبل بدون دور المنظمات غير الحكومية والأونروا تحديدًا.
تحديات وفرص
تحدث البطريرك اللاتيني للقدس عن التحديات والفرص التي يواجهها في مهمته ودوره بين المجموعات الدينية والسياسية المختلفة في المنطقة. وقال: هذا تحدٍّ كبير؛ الحرب الدائرة عمقت الكراهية ورسخت عدم الثقة العميقة بين السكان. لا أحد يثق بأحد آخر. لذلك لا بد من إيجاد حلول سلمية ومستدامة. وأكد أنه يحظى بدعم البابا فرنسيس والكنيسة العالمية في مهمته الإنسانية.
الكنيسة لن تترك المسيحيين في غزة وحدهم
في ظل الحرب الدائرة في قطاع غزة، تعيش الأقلية المسيحية هناك ظروفاً صعبة وتحديات كبيرة ومستقبلا مجهولا. وأوضح البطريرك بيتسابالا: إن الكنيسة تقف إلى جانب إخوانها المسيحيين في غزة وتحاول تقديم الدعم اللازم لهم. وأوضح أن المسيحيين في غزة يتجمعون في المجمعين الكاثوليكي والأرثوذكسي، وأن الكنيسة تسعى لإيصال المواد الإنسانية والغذائية لهم رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها.
وأشار إلى أن الحرب أودت بحياة 24 مسيحياً حتى الآن، وأن الوضع يتدهور يوماً بعد يوم. وأكد أن الكنيسة لن تترك المسيحيين في غزة وحدهم، وأنها تدعو إلى وقف الحرب وإحلال السلام. وأعرب عن أمله في أن ينتهي هذا الصراع العنيف وأن يعود الأمن والاستقرار إلى الأرض المقدسة.
طالب بحل دائم في الأرض المقدسة
وحول آمال وصلوات البطريرك لمستقبل الأرض المقدسة، والتحديات والفرص الرئيسية التي يراها للوصول إلى حل دائم؟ أجاب قائلا: حتى الآن، لم يكن لدينا سوى حلول مؤقتة هنا في الأرض المقدسة بخصوص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. بعد هذه الحرب، أصبح الأمر واضحاً بالنسبة لي، كما قلت مراراً، أنه لا مجال للحلول المؤقتة. علينا أن نتناول جذر المشكلة، وهو مستقبل الدولة الفلسطينية. أعني، لا يوجد طريق آخر للفلسطينيين وأيضاً لإسرائيل. وهذا ما سيجلب الأمن لإسرائيل. لا أرى طريقاً آخر.
رمز التضامن والصداقة في الأرض المقدسة
لقد شهدت الصور التي يظهر فيها البطريرك بيتسابالا وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية تفسيرات متعددة من قبل جهات مختلفة! وفي معرض رده أوضح البطريرك قائلا: بصراحة، الذين يعرفونني يعلمون جيداً أنني لا أحب الاستعراض. أعني، وضعوا عليّ الكوفية وقبلتها كإشارة للصداقة والتضامن. وهذا هو المعنى تعبيرا عن التضامن الودي مع الشعب الفلسطيني، بالطبع. وهكذا يجب أن يفسر. هذا هو معنى هذه الإشارة. وفي هذه الأيام، عندما يشعر الفلسطينيون بالإهمال والتخلي، أعتقد أنه من المهم للكنيسة أن ترى هذا أيضاً.
تأمل في ظل الاستقطاب العالمي
ويعتقد البطريرك أن الظروف ستتغير نحو الأفضل، وقال: كتبت رسالة في شهر أكتوبر 2023. والآن حان وقت كتابة رسالة أخرى. أنا أفكر في عيد الفصح، وهو تأمل ثانٍ فيما نعيشه بمنظور أوسع. ولهذا السبب لا أتكلم كثيراً. فالوضع الحالي يجعل كل شيء يُفسر بشكل مختلف في ظل حالة الاستقطاب الحادة في العالم. لكنني أعتقد أن الظروف ستتغير. في عيد الفصح، يمكننا أن نتأمل فيما نحن عليه، ونبحث عن طرق للعيش بشكل أفضل في الأيام القادمة.