صباح اليوم الاثنين ترأس رئيس أساقفة يانغون بميانمار ورئيس اتحاد المجالس الأسقفية الآسيوية الكاردينال تشارلز بو القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان مفتتحاً الأسبوع الثالث والأخير من أعمال سينودس الأساقفة، الجارية في قاعة البابا بولس السادس بالفاتيكان لغاية الأحد الموافق التاسع والعشرين من الجاري.
ألقى نيافته عظة استهلها متوقفا عند قراءة اليوم من الكتاب المقدس التي تحدثنا عن آدم وحواء وكيف قررا التخلي عن الرخاء والنعمة واختارا درباً يلفها الظلام. وقال إنه منذ ذلك الزمن، بدأت الإنسانية تبحث عن معنى لها، ويأتي سفر الخروج ليحدثنا عن مسيرة بني إسرائيل، يرافقهم فيها الله الذي ظهر كمحرر لهذا الشعب المضطهد، ومنذ ذلك الحين بدأ السر الفصحي الذي يؤكد لنا أن الله لا يتخلى عن شعبه أبدا.
بعدها انتقل نافته إلى الحديث عن إبراهيم، أبينا في الإيمان، الذي دعاه الله للسير نحو المجهول، وقد قدمه لنا كمثال القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما. وأضاف الكاردينال بو أنه عندما نسلك الدروب المختلفة في حياتنا وإيماننا، غالباً ما تلف التساؤلات وجهتَنا، بيد أننا نبقى مدعوين إلى السير نحو المجهول متمسكين بإيماننا الراسخ. بهذه الطريقة تبرر إبراهيم بالإيمان، ونحن نتبرر بالإيمان أيضا عندما نثق بأن االله يفي دائما بوعوده. ولفت نيافته في هذا السياق إلى أن المسيرة السينودسية ليست رحلة في الفضاء، تمت برمجتها مسبقاً من خلال معادلات رياضية ثابتة، مشيرا إلى أنه عندما يدعونا الله يصبح هو دليلنا، وخارطتنا ورفيقَ دربنا.
تابع الكاردينال بو عظته مؤكدا أن الإيمان ينير مسيرتنا من خلال المراحل الأكثر عتمة واضطراباً في حياتنا، ويسمح لنا برؤية نعمة الله التي تلوج في الظلمات. كما فعل إبراهيم، إن الكنيسة مدعوة لأن تكون بارة، وتجسد مسيرة سينودسية من الإيمان، كلها ثقة بأن الله لا يخيّب الظن أبدا. وعلى الرغم من الشكوك والمخاوف التي يمكن أن ترافقنا في هذه المسيرة الطويلة يمكننا أن نستلهم من شخصيات كموسى، الذي اختاره الله ليكون محرراً ونموذجاً لنا جميعا. وأكد نيافته أن هذه المسيرة السينودسية هي مسيرة ما بين الأجيال أيضا، وقد أطلقتها الكنيسة مفتتحةً مسيرة من الرجاء للبشرية كلها، حتى في خضم الاضطرابات العالمية، كما تُظهر الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.
هذا ثم قال نيافته إن إنجيل اليوم يتحدث عن الجشع الذي يسكن في قلب الإنسان، ويقود إلى الأنانية، كما أن الخطية الأصلية هي ركيزة الكثير من المعاناة والآلام والصراعات البشرية. وشدد على أن الله يملك مخططاً لكل واحد منا ولكنيستنا أيضا، ولا بد أن تتلاءم مساراتنا ومشاريعنا مع مشيئته. ولفت إلى مثل الرجل الغني في الإنجيل الذي جمع لنفسه الخيرات الكثيرة، هو في الواقع صورة رمزية لعالم اليوم حيث الحروب وصناعات الأسلحة تولد أرباحاً كبيرة على حساب آلام الملايين من الأشخاص. كما أن الجشع البشري سبب جراحات عميقة لكوكب الأرض، وحرم ملايين الأشخاص من كرامتهم، وهذه مسألة سلط البابا فرنسيس الضوء عليها في وثاق عدة تطالب بتحقيق مصالحة ثلاثية من أجل إنقاذ البشرية والكوكب: مصالحة مع الله، مصالحة مع الطبيعة والمصالحة فيما بيننا.
في سياق حديثه عن المسيرة السينودسية قال الكاردينال بو إنها تتعلق بشفاء العالم ومصالحته في إطار العدالة والسلام، معتبرا أن الطريقة الوحيدة الكفيلة بإنقاذ البشرية وخلق عالم يرتكز إلى الرجاء والسلام والعدالة هي السينودسية الجامعة بين كل الأشخاص. وقال إن آباء السينودس يصبون اهتماماً كبيراً على الإرث الذي سيتركونه للأجيال القادمة، مشيرا إلى أنها تواجه مخاطر كبيرة مرتبطة بارتفاع حرارة الأرض، وهي مشكلة أثرت على مورد رزق ملايين الأشخاص حول العالم.
في ختام عظته أكد نيافته أن أساقفة آسيا يدركون تماما حجم الأضرار البيئية الناتجة عن الكوارث المناخية، مشيرا إلى أن الجماعات المحلية تسعى إلى حماية الطبيعية، لكنها تعاني من الأيديولوجيات الحديثة، والاستعمار واستغلال الموارد. لذا يريد اتحاد مجالس أساقفة آسيا، في الذكرى السنوية الخمسين لتأسيسه، أن يجذب انتباه العالم إلى تلك الأضرار وإلى التحديات الكثيرة التي تواجهها القارة. وقال الكاردينال بو إنه يصلي على نية الكنيسة الكاثوليكية كي تتمكن من حمل الشفاء إلى العالم وتقود الناس نحو سماء جديدة وأرض جديدة.