يُعقد المؤتمر الدراسي “البعد الجماعي للقداسة” الذي تنظمه دائرة دعاوى القديسين في معهد الأغوسطينيانوم في روما. الكاردينال سيميرارو: أن ننظر إلى الكنيسة كالموطن الذي تزهر فيه القداسة. الكاردينال دي ميندونسا: “قداسة الله تطلب منا المحبة والتفاهم والمصالحة والسلام. أما الحرب فهي العكس تمامًا”
القداسة ليس فقط كالتزام ثابت بكمال حياة أخلاقية، وإنما كديناميكية علاقة، وخبرة “ملموسة” لحياة الله. هذا هو جوهر مداخلة الكاردينال خوسيه تولينتينو دي ميندونسا، عميد دائرة الثقافة والتربية الذي افتتح أمس ١٣ تشرين الثاني/نوفمبر، في معهد الأغوسطينيانوم في روما، المؤتمر الدراسي الذي يستمر ثلاثة أيام بعنوان “البعد الجماعي للقداسة” الذي تنظمه دائرة دعاوى القديسين.
وإذ أدار جلسة بعد ظهر الاثنين اليساندرو جيسوتي، نائب مدير دائرة الاتصالات، قدّمها الكاردينال مارسيلو سيميرارو، عميد دائرة دعاوى القديسين، الذي شرح روح المنظور الذي اعتمده لقاء هذا العام: أن ننظر إلى الكنيسة كالموطن الذي تزهر فيه القداسة. وقال الكاردينال سيميرارو لموقع فاتيكان نيوز: “هناك عبارة لمؤلف من القرون الوسطى، فولخينسيوس دي روسبي، الذي كان يقول إننا في الكنيسة متحدون مع بعضنا البعض وإذا انفصلنا عن بعضنا البعض فلن نكون شيئًا. وهذا الأمر ينطبق أيضًا على القداسة”. وجهة نظر تُشبه تلك التي انبعثت من السينودس. في الواقع، يؤكد الكاردينال سيميرارو أن “السينودس” يعني التلاقي، والتواجد معًا على العتبة عينها، واللقاء ببعضنا البعض في الاتحاد الزوجي مع المسيح. ويصر الكاردينال سيميرارو على أن العائلة هي المكان المميز الذي يمكن أن تنمو فيه القداسة. وفي هذا الصدد، ذكّر بإعلان تطويب عائلة أولما بأكملها في بولندا، وقال هناك يمكنك أن ترى كيف عملت نعمة الزواج حقًا. إن كتابهم المقدس لا يزال محفوظًا، وقد رأيته، ورأيت حيث لا تزال محفوظة الملاحظات أيضًا. كذلك ذكّر بالمفاجأة السارة التي عاشها في إسبانيا، عندما زار بيت القديس يوحنا الأفيلي، ملفان الكنيسة وقال لقد دهشت عندما رأيت صور العديد من القديسين الآخرين: القديس إغناطيوس دي لويولا، القديس فرنسيس بورجيا… كان هناك سبعة، أو ثمانية. كانوا جميعاً أصدقاء. وبالتالي القداسة تخلق الصداقة.
أما الكاردينال البرتغالي تولينتينو دي ميندونسا فقد توقّف في مداخلته عند تحليل الفصل ١٩ من سفر اللاويين، الذي يعتبر “حجر الزاوية في التوراة بأكملها”. وبشكل خاص، قام عميد دائرة الثقافة والتربية بدراسة الآية الثانية: “كونوا قديسين لأني أنا الرب إلهكم قدوس”، وسلط الضوء على الطابع العالمي للقداسة. ولاحظ أيضًا كيف تتجلى القداسة في السلوك الأخلاقي ولكنها لا تُستنفد، ولا يمكنها أن تقتصر على مستوى “طقوس” وحسب. وقال الكاردينال ميندونسا إن ما يطلب منا الله أن نفعله ينير سر الله نفسه، في دائرة سريّة. وهنا، إذن، نجد نقطة ارتكاز القداسة: “القداسة ليست كمالًا أخلاقيًا ثابتًا، بل هي ديناميكية علاقة حرة. فهي ليست مجرد “أن نكون أشخاصًا صالحين”. وهذا له علاقة بصدى عالمي لدعوة الله إلى القداسة. وفي صيغة سفر اللاويين، يأتي الـ “أنا” بعد الـ “أنت”. وأوضح الكاردينال ميندونسا في هذا السياق أن هذا الأمر مهم إذا أخذنا في عين الاعتبار أن قداسة الله ليست اللامبالاة أو المناعة. يتم التعبير عن القداسة من خلال فئة الغيريّة والعلاقة. إن مفهوم القديس هو امتداد الإلهي في البشري. لأن القداسة هي شموليّة تمدّديّة”. وأضاف الكاردينال ميندونسا يقول إن القداسة ليست إيديولوجية، بل هي خبرة “ملموسة” في حياة الله عينها، وتشمل بُعد العلاقة الحميمة، والصمت، وحتى العبث الذي يسكن الوجود البشري. إن القداسة تعني أن نخاطر في عيش التحول الذي يحدثه المسيح فينا، وإلا فسيكون الإيمان شغفًا عديم الفائدة.
وعلى هامش المؤتمر التقى موقع فاتيكان نيوز الكاردينال تولينتينو دي ميندونسا الذي تحدّث عن القداسة في سيناريو تجرحه الحرب بشكل مؤلم وقال القداسة هي اقتراح من الله لكي نكون قادرين على تحقيق ماهية الله بشكل ملموس. القداسة ليست شيئًا مختلفًا عن طبيعة الله، بل هي سر الله نفسه الذي يشاركنا فيه. وبالتالي من الجميل جدًا أن نرى، على سبيل المثال، في سفر اللاويين، كيف أن هذه الدعوة إلى القداسة ليست موجهة إلى الكهنة فقط، بل إلى الجماعة بأسرها: الصغار والكبار، الرجال والنساء… وبالتالي فهي ليست مجرد تمسك بسر سامي نناضل لكي نفهمه بشكل كامل، لا. إنها شيء نعرفه لأنه الخير الذي يمكننا القيام به، ذلك العهد الملموس مع الحب، مع العدالة، مع التضامن، مع الصداقة الاجتماعية التي يمكننا تفعيلها في الحياة اليومية. وبالتالي وفي ضوء ذلك، “تصبح الحرب عكس القداسة. إنَّ قداسة الله تطلب منا المحبة والتفاهم والمصالحة والسلام”. لذلك يدعو الكاردينال دي ميندونسا علينا جميعًا أن نصلي في هذا السياق، لأنه ليس وضعًا سهلاً لأي شخص. ويجب علينا أن نصر، كما يفعل الأب الأقدس، ونقول كفى للعنف ونكون قادرين، من خلال دروب اللقاء والحوار، أن نظهر أنفسنا حقًا على صورة الله ومثاله.