يواصل بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي زيارته الراعوية للاردن وترأس امس الاحد الليتورجيّا الإلهيّة في الكنيسة الكاتدرائيّة – عمّان بمشاركة مطارنة السينودوس وحضور رسميين وممثلين عن الطوائف والكنائس اضافة. الى الوفد المرافق وكهنة الرعايا وحشد من المؤمنين.
وبعد الانجيل المقدس القى العبسي كلمة قال فيها : “ايّها الأبناء والبنات والإخوة والأخوات المحبوبون،”نعمة لكم وسلام من الله أبينا والربّ يسوع المسيح” (1كور 1: 3). بهذه التحيّة التي من القدّيس بولس حيّا بها أهل مدينة كورنثس في ذلك الزمان، نحيّيكم اليوم أنا وإخوتي السادة المطارنة أعضاء السينودس الدائم لكنيستنا الملكيّة الذين لم ينقطعوا عن الوقوف على أحوالكم ومتابعتها خطوة خطوة، والذين يحدوهم الشوق لرؤيتكم وسماعكم والتحدّث إليكم وجهًا إلى وجه لتطمئنّ قلوبنا جميعًا، والذين يحملهم الرجاء بأنّ “الله [كما يعلّمنا القدّيس بولس] أمين فلا يدعنا نجرّب فوق طاقتنا بل يجعل مع التجربة مخرجًا” و”أنّ هذه الأمور كلّها عَرضت لنا لتكون عِبرة” (1كور 10: 11-13)، ولِنعلم بالتالي أنّ كلّ شيء يمكن أن يُصلَح ويرمَّم وأنّ المستقبل مشرق على الدوام لأنّ المسيح أمامنا وأنّ الكنيسة أيًّا كانت حالها تبقى مقدَّسة وأبوابُ الجحيم لن تقوى عليها لأنّ الربّ يسوع هو بانيها وهو الذي خطبها لنفسه كنيسة مقدّسة لا عيب فيها ولا غضنَ ولا شيء مثل ذلك كما يعلّمنا أيضًا القدّيس بولس”.
اضاف:”يُثلج قلبنا أن نلتقي معًا في هذه الليتورجيّا الإلهيّة رافعين لله تعالى قبل كلّ شيء ذبيحة الشكر “على كلّ شيء وفي كلّ حين” كما يوصينا القدّيس بولس الرسول، لأنّ “الله، يردف بولس، قادر أن يغمرنا بكلّ نعمة بحيث يكون لنا في كلّ حين وفي كلّ شيء الكفايةُ ويَفيض عنّا لكلّ عمل صالح” (2كور 9: . وشكرًا لكم ثانيًا على الاستقبال الكنسيّ البنويّ الحارّ الصادق الذي استقبلتمونا به والذي نرى من خلاله إيمانكم الثابت بالله ومحبّتكم القويّة للكنيسة ورجاءكم الراهن بمستقبلها ومستقبلكم أنتم أبناءَها. والشكر للمسؤولين المدنيّين والأمنيّين الذين سهّلوا لنا القدوم إلى هذا البلد الحبيب الذي نتمنّى له الخير والاستقرار والازدهار والأمان ونسأل الله تعالى أن يحفظ أبناءه”.
وتابع:”يعلّمنا القدّيس بولس أنّنا كلّنا معًا من دون استثناء أعضاء في جسد المسيح الواحد وأنّه إذا ما تألّم عضو من هذه الأعضاء أو فرح فكلّ الأعضاء تتألّم أو تفرح. الكنيسة كلّها تشعر بقوّة بما تشعر به أبرشيّة بترا وفيلادلفيا وشرق الأردنّ. أن يأتي البطريرك مع السينودس الدائم للوقوف إلى جانبكم هي خطوة تدلّ على محبّتنا لكم وعزمنا على بذل أقصى الجهود والتضحيات ليكون لأبرشيّة الأردنّ مطران رئيس كهنة على هوى قلب يسوع يحفظ أبناءه في الإيمان والرجاء والمحبّة ويقودهم إلى الخلاص والحياة الأبديّة”.
وقال:”بداية الطريق أن نؤمن نحن أبناء هذه الأبرشيّة بها وأن نريدها بالرغم ممّا فيها من نقص وضعف وهشاشة وأن نحبّها فوق كلّ شيء وأن نبذل كلّ طاقاتنا من أجل أن تكون كما شاءها الربّ بسوع مقدّسة لا عيب فيها ولا غضن ولا شيء مثل ذلك. ليست الكنيسةُ المطرانَ ولا الكهنة ولا الرهبان ولا الراهبات. الكنيسة هي أنتم وهؤلاء معًا. مسؤوليّة الكنيسة مسؤوليّةٌ مشتركة والكلّ مسؤول ولو بقدر قليل.لكن إذا كانت الكنيسة كنيستنا جميعًا فذلك لا يعني أنّه في مستطاع كلّ واحد منّا أن يصوّرها أو يتصوّرها كما يحلو له أو كما يرى. الكنيسة لها هيكليّتها وقوانينها وأنظمتها وأعرافها وتاريخها وتقاليدها المقدّسة ممّا لا يسمح لنا بأن نحاول أن نكيّفها على صورتنا وبحسب رغبتنا أو مشيئتنا. قبل أن نرسم أوصافًا للمطران الآتي أو نضع شروطًا فلنكن أوّلًا متطلّبين نحن من أنفسنا، لنكن عائشين بمقتضى الإنجيل. أمامنا مسيرة بدايتها الإصلاح على مستوى الصلاة والسلوك والعلاقات والعلم وأشياء أخرى. لذلك نحن مدعوّون أوّلًا إلى أن نخرج من ذواتنا من أنانيّتنا من حساباتنا الصغيرة. عندئذ نستطيع أن نقول إنّنا أبناء هذه الكنيسة إنّنا شعب الله الذي يضمّ المتفرّقات ويضمّ كلّ أمّة على الأرض، نستطيع أن نقول إنّنا نريد أن نبني كنيسة”.
واضاف:”اتوجّه إلى أبنائي الكهنة الأحبّاء. أخاطبكم بصراحة ومحبّة ودالّة ومن باب المسؤوليّة وصوت الضمير معًا. نجاح الأبرشيّة والكنيسة ونموّها وازدهارها وحسن صيتها قائم عليكم أوّلًا كأفراد وكجماعة. أنتم القدوة، أنتم الملح، أنتم النور للأبرشيّة والكنيسة. أنتم عين الجسد التي تكلّم عنها السيّد المسيح، إذا ما أنطفأت أظلم الجسد كلّه. حال الرعيّة من حالكم، فرح الرعيّة من فرحكم، حزن الرعيّة من حزنكم، تعب الرعيّة من تعبكم. خلاص الرعيّة بيدكم. علينا أن نتحمّل المسؤوليّة التي ارتضيناها يوم وعدنا الربّ يسوع بأن نحافظ على الوديعة. ليكن هذا محطّ تفكيرنا لا سيّما في هذه الأيّام. من هنا يبدأ ما نحلم به ونتمنّاه لأبرشيّتنا. لا يحصل الانطلاق من المطران مهما كان عظيمًا بل من الذين مع المطران.أتوجّه أيضًا إليكم أنتم أيّها الأبناء والبنات والإخوة والأخوات المحبوبون وأطلب منكم أن تحبّوا كهنتكم وأن تحوّطوهم بعناية وأن تساعدوهم على عيش كهنوتهم كما يليق. الأبرشيّة والكنيسة من مسؤوليّتكم أيضًا. أنتم مسؤولون عن أبنائكم الكهنة كما أنّهم هم مسؤولون عنكم. إسعوا لتحافظوا على وحدتهم لكي تحافظوا على وحدتكم أنتم وعلى وحدة الأبرشيّة. اجتهدوا في أن تحافظوا على كرامتهم لكي تحافظوا على كرامتكم كأبناء للكنيسة. لا تدعوا الأمور تصل إلى حدّ القول أنا لفلان وأنا لفلان، إلى حدّ تمزيق جسد المسيح. “لأنّ الجسد واحد والروح واحد […] والربّ واحد والإيمان واحد والمعموديّة واحدة والآب واحد للجميع” (أف 4:4-5).
وقال:”اليومَ، الأوّلُ من شهر أيلول، تبتدئ في كنيستنا الملكيّة السنة الطقسيّة الجديدة، يبتدئ عام جديد في الرزنامة الطقسيّة. في بداية هذه السنة تذكّرنا الكنيسة الغاية التي جاء يسوع من أجل تحقيقها والتي سبق وتنبّأ عنها النبيّ أشعيا قائلًا: “روح الربّ عليّ لأنّه مسحني لأبشّر المساكين وأرسلني لأنادي للمأسورين بالتخلية وللعميان بالبصر وأطلقَ المرهقين أحرارًا وأعلن سنةَ نعمة للرب” (لوقا 4: 18-19). وفي بداية هذا العام المقدّس نعلن لكم نحن أيضًا أنّنا ما جئنا لكي ندين أو نحكم أو نحاكم أو نُنحي باللوم على أحد. جئنا ندعوكم إلى أن تكون سنتنا الجديدة “سنة نعمة للربّ”، سنةً يكون روح الربّ على كلّ واحد منّا، حتّى تكون أبرشيّتنا محرّرة ممّا يرهقها وما يحرمها النور البصر وما يسلبها الحرّية والكرامة، مؤمنين مع بولس في رسالته اليوم إلى أهل كورنثس بأنّ الذي أقام الربّ يسوع سيقيمنا نحن أيضًا مع يسوع، بالرغم من الضيقات والحيرة والقلق والخوف وحتّى الموت”.
وتابع:”أمسِ، حالَ داست أقدامنا هذه الأرض المقدّسة، أرض الأردنّ، كانت أوّل زيارة لنا إلى موقع المغطس، زيارة حجّ وصلاة. أردنا أن نأتي إليكم من تلك البقعة التي اعتمد فيها السيّد المسيح ودَفن في مياه الأردنّ أخطاءنا وخطايانا كلّها وجَدّدَنا وجَدّد الكون كلّه والطبيعة كلّها. أردنا أن نبدأ زيارتنا بدفن أخطائنا وخطايانا بما فيها أيضًا مشاكلنا وصعوباتنا و”قصصنا” وخلافاتنا وأحكامنا المسبقة وأفكارنا المتحجّرة لنأتي إليكم اليوم أنقياء لابسين المسيح حاملين إليكم السلام والفرح والمحبّة متسلّحين بالرجاء ومشاهدين منذ الآن في هذه الأبرشيّة سماء جديدة وأرضًا جديدة. وكان موقع المغطس أوّل ما زرنا في هذا البلد العريق الذي وطئته قدما السيّد المسيح وأقدام الرسل القدّيسين لكي نعبّر أيضًا لجلالة الملك المعظّم عبدالله عن شكرنا الجزيل على أنّه قدّم لكنيستنا تلك الأرض لكي نشيد عليها كنيسة تُرفع فيها الصلوات من أجل السلام والأمان والتآخي والمحبّة والقيم الإنسانيّة الشاملة في الأردنّ وفي منطقتنا وفي العالم أجمع، ولكي نعبّر له كذلك عن شكرنا على المحبّة والتقدير والعناية التي يحوّط بها أبناءنا والتي نلمسها في كلّ لحظة. هناك صلّينا البارحة ونصلّي اليوم هنا على نيّة جلالته داعين له بالعمر الطويل وبأن يمتّعه الربّ الإله بالصحّة الكاملة وينعم عليه ببركاته السماويّة لكي يقود هذا البلد العزيز إلى الازدهار والسلام والرفاهيّة والسؤدد ولكي يبقى ضامًّا تحت جناحيه أبناء الوطن كلّهم. ومع صلاتنا نقدّم لجلالته تهانينا القلبيّة الحارّة بمناسبة اليوبيل الخامس والعشرين لجلوسه على سدّة العرش وكذلك بمناسبة المولود الجديد لوليّ العهد سموّ الأمير الحسين بن عبدالله الثاني سائلين للعائلة المالكة وافر النعم والخيرات من لدن الله تعالى. والشكر الخاصّ لسمو الأمير غازي بن محمد على جهوده ومحبّته”.
وقال :”في ما يتعلّق الأيّام القادمة، لـمّا كان عمل المدبّر البطريركيّ يتطلّب منه أن يكون مقيمًا في الأبرشيّة لكي يتابع مسيرتها عن كثب ويكون أكثر نفعًا وفائدة، ولـمًا كان سيادة المتروبوليت إلياس الدبعي المدبّر البطريركيّ الذي كنّا عيّناه غير قادرر على الإقامة الدائمة في الأبرشيّة الأردنيّة ولا سائر المطارنة، قرّرنا، بعد استشارة السينودس الدائم ونيل موافقته، وبعد وضع تصوّر لشخص المدبّر الملائم، قرّرنا تعيين قدس الأرشمندريت بولس نزها الرئيس العامّ السابق للرهبانيّة الباسيليّة الشويريّة، مدبّرًا بطريركيًّا لأبرشيّة بترا وفيلادلفيا وسائر شرق الأردنّ. إذ نتمنّى له التوفيق في خدمته بمؤازرة جميع أبناء الأبرشيّة من كهنة ورهبان وراهبات ومؤمنين، نشكر سيادة المتروبوليت إلياس الدبعي على الخدمة التي أدّاها خلال الأشهر السابقة داعين له بالتوفيق والصحّة الكاملة والعمر الطويل”.
وختم:”وبعد، أيّها الأبناء والبنات والإخوة والأخوات المحبوبون، يقول لنا القدّيس بولس: “أيّها الإخوة، فكلّ ما هو حقّ وكرامة وعدل ونقاوة ولطف وشرف، وكلّ ما هو فضيلة وكلّ ما يُمتدَح، كلّ هذا فليكن محطّ أفكاركم” (في 4: . لننطلق مع بداية السنة الجديدة بتفكير جديد بعقليّة جديدة برؤى جديدة بأحلام جديدة. لنجعل كلّ شيء جديدًا. العتيق ما عاد صالحًا. فلندَعْه وراءنا. لنطرح عنّا، كما يطلب الرسول بولس أيضًا، الخمير العتيق لنكون عجينًا جديدًا ولنعيّد لا بالخمير العتيق بل بفطير العفّة والحقّ (1 كور 5: 7-8). لا روح فئويّة ولا روح حزبيّة ولا روح قبليّة ولا أنانيّة بل انفتاح وتقبّل ونظرة إلى الجديد الأبعد والأوسع، لا عصبيّة بل انتماء. هذه هي كنيستنا وهذه هي أبرشيّتنا وهؤلاء هم نحن وأنتم. نكرّر شكرنا لجلالة الملك عبدالله الثاني على العناية الجميلة التي أحاطنا بها وتهنئتنا له بالمولود الجديد. نشكر نورسات الأردنّ على التغطيّة الإعلاميّة وكلّ وسائل الإعلام. نشكر لكم من جديد حضوركم واستقبالكم ومشاركتكم في هذه الليترجيّا الإلهيّة، داعيًا لكم مع القدّيس بولس وقائلًا: “ربُّنا يسوعُ المسيح نفسُه والله أبونا الذي أحبّنا وآتانا بنعمته تعزية أبديّة ورجاء صالحًا، يعزّيان قلوبكم ويثبّتانكم في كلّ عمل وقول صالح” .