تستعرض الوثيقة النهائية للدورة الثانية من الجمعية العامة العادية السادسة عشرة للسينودس وتعيد إطلاق خبرة كنيسة تجمع بين “الشركة والمشاركة، والرسالة”، مع اقتراح رؤية جديدة تقلب الممارسات التقليدية رأسًا على عقب.
تم التصويت عصر السبت على الوثيقة النهائية ونُشرت مباشرة بدون أن تصبح موضوعًا لإرشاد رسولي: فقد قرر البابا فرنسيس نشرها فورًا لكي تلهم حياة الكنيسة. “إنَّ العملية السينودسيّة لا تنتهي مع انتهاء الجمعية العامة بل تشمل مرحلة التنفيذ (٩)، حيث يشارك الجميع في “المسيرة اليومية بمنهجية سينودسيّة للتشاور والتمييز، بتحديد وسائل ملموسة ومسارات تنشئة لتحقيق ارتداد سينودسي ملموس في مختلف الوقائع الكنسية” (٩). وتحديدًا، يُطلب من الأساقفة في الوثيقة الالتزام بالشفافية والمساءلة، بينما – وكما أشار الكاردينال فرنانديز، عميد دائرة عقيدة الإيمان – هناك جهود جارية لإعطاء النساء فسحة أكبر وسلطة أكبر.
كلمتان أساسيّتان تبرزان من النص – الذي يتخلله منظور واقتراح للارتداد – وهما “العلاقات”، وهي أسلوب لكوننا كنيسة، و”الروابط” التي تعبر عن “تبادل للمواهب” بين الكنائس يعاش بشكل ديناميكي، من أجل ارتداد في العمليات. إنَّ الكنائس المحلية بالتحديد هي في المحور، في الأفق الإرسالي الذي هو الأساس لخبرة تعددية السينودسيّة، مع جميع الهيكليات التي تخدم الرسالة حيث يكون العلمانيون المحور والرواد بشكل أكبر. ومن هذا المنظار، تبرز بقوة من الوثيقة النهائية واقعية أن نكون متجذِّرين في “المكان”. مهمٌّ أيضًا الاقتراح الوارد في الوثيقة بأن تقوم دوائر الكرسي الرسولي بإجراء استشارات “قبل نشر الوثائق التنظيمية الهامة” (١٣٥).
تتألف الوثيقة النهائية من خمسة أجزاء (١١). الجزء الأول – بعنوان “قلب السينودسيّة” – يتبعه الجزء الثاني – “معًا، على قارب بطرس” – “وهو مخصص لإرتداد العلاقات التي تبني الجماعة المسيحية وتشكّل الرسالة من خلال تشابك الدعوات والمواهب والخدمات”. الجزء الثالث – “من أجل كلمتك” – “ويحدد ثلاث ممارسات مرتبطة بعمق: التمييز الكنسي، عمليات القرار، وثقافة الشفافية، والمحاسبة والتقييم”. الجزء الرابع – “صيد وفير” – “يوضح كيف يمكن تعزيز تبادل المواهب وتشابك الروابط التي توحدنا في الكنيسة بأشكال جديدة، في زمن يشهد تغييرات جذرية في خبرة التجذُّر في مكان معين”. وأخيرًا، الجزء الخامس – “وأنا أيضًا أرسلكم” – “يسمح بالنظر إلى الخطوة الأولى التي يجب القيام بها: العناية بتنشئة الجميع على السينودسيّة الإرسالية”. ويتضح بشكل خاص أن تطور الوثيقة مستوحى من روايات القيامة الإنجيلية (١٢).
توضح مقدمة الوثيقة (١-١٢) على الفور جوهر السينودس كـ”خبرة متجددة لذلك اللقاء مع القائم من بين الأموات الذي عاشه التلاميذ في العلية مساء عيد الفصح” (١). “إذ تأمَّلنا في القائم من بين الأموات” – كما نقرا في الوثيقة – “رأينا أيضًا علامات جراحه (…) التي لا تزال تنزف في جسد العديد من الإخوة والأخوات، بسبب أخطائنا أيضًا. إنَّ النظر إلى الرب لا يبعدنا عن مآسي التاريخ، بل يفتح أعيننا للكي نتعرّف على الألم الذي يحيط بنا ويخترقنا: وجوه الأطفال المذعورين من الحرب، دموع الأمهات، الأحلام المحطمة للعديد من الشباب، اللاجئون الذين يواجهون رحلات قاسية، ضحايا التغير المناخي والظلم الاجتماعي” (٢). كذلك تذكر الوثيقة “الحروب العديدة” المستمرة وتؤكد على تأييدها لنداءات البابا فرنسيس المتكررة من أجل السلام، فيما تدين منطق العنف والكراهية والانتقام (٢). كذلك يتّسم مسار السينودس بطابع مسكوني – “ويوجّه نحو وحدة كاملة ومرئية بين المسيحيين” (٤) – ويعد “فعلاً حقيقياً لقبول إضافي” للمجمع الفاتيكاني الثاني، إذ يمدِّد “إلهامه” ويعيد إطلاق “قوته النبوية لعالم اليوم” (٥). لم يكن من السهل أبدًا، يتمُّ الاعتراف في الوثيقة: “لا نخفي أننا اختبرنا بالتعب والمقاومة للتغيير وتجربة تغليب أفكارنا على الاصغاء إلى كلمة الله وممارسة التمييز” (٦).
يبدأ الجزء الأول من الوثيقة (١٣-٤٨) بتأملات مشتركة حول “الكنيسة شعب الله، سر الوحدة” (١٥-٢٠) و”الجذور الأسرارية لشعب الله” (٢١-٢٧). ويظهر أنه “بفضل خبرة السنوات الأخيرة”، تم فهم وعيش مصطلحي “السينودسيّة” و”السينودسي” بشكل أكبر” (٢٨). وأصبحا يرتبطان أكثر فأكثر بالرغبة في كنيسة أقرب إلى الأشخاص وأكثر علائقية، تكون بيت وعائلة لله” (٢٨). “بعبارات بسيطة وموجزة، يمكن القول إن السينودسيّة هي مسيرة تجديد روحي وإصلاح هيكلي لجعل الكنيسة أكثر مشاركة وإرسالية، لجعلها قادرة على أن تسير مع كل رجل وامرأة، وتشعَّ نور المسيح” (٢٨). وفي الإدراك بأن وحدة الكنيسة ليست تطابقًا، فإن “تقدير السياقات والثقافات والاختلافات، والعلاقات فيما بينها، هو مفتاح لكي ننمو ككنيسة سينودسيّة إرسالية” (٤٠). مع إعادة إطلاق العلاقات أيضًا مع التقاليد الدينية الأخرى، لاسيما “من أجل لبناء عالم أفضل وفي سلام” (٤١).
“إنَّ المطالبة بكنيسة أكثر قدرة على تغذية العلاقات: مع الرب، وبين الرجال والنساء، وفي العائلات، وفي الجماعات، وبين جميع المسيحيين، وبين المجموعات الاجتماعية، وبين الأديان، ومع الخليقة” (٥٠) هي التأكيد الذي يفتح الجزء الثاني من الوثيقة (٤٩-٧٧). كما أن هناك “من شارك أيضًا ألمه بالشعور بالاستبعاد أو بالحكم عليه” (٥٠). “وبالتالي لكي نكون كنيسة سينودسيّة، هناك حاجة إلى ارتداد علائقي حقيقي. علينا أن نتعلم مجدّدًا من الإنجيل أن العناية بالعلاقات والروابط ليست استراتيجية أو أداة لتحقيق فاعلية تنظيمية أكبر، وإنما هي الطريقة التي كشف بها الله الآب عن نفسه في يسوع وفي الروح القدس” (٥٠). وتكشف “التعبيرات المتكررة عن الألم والمعاناة من قبل النساء من كل منطقة وقارة، سواءً كن علمانيات أو مكرسات، أثناء العملية السينودسيّة، عن مدى فشلنا أحيانًا في القيام بذلك” (٥٢). وبشكل خاص، “تردد صدى الدعوة لتجديد في العلاقات في الرب يسوع في تعددية السياقات” المرتبطة “بتعددية الثقافات” التي تحتوي، أحيانًا، على “علامات لعلاقات مشوهة ومخالفة أحيانًا لمنطق الإنجيل” (٥٣). ويأتي التشديد بشكل مباشر: “في هذه الديناميكية تجد جذورها الشرور التي تصيب عالمنا” (٥٤)، ولكن “الإغلاق الأكثر جذريةً ومأساوية هو تجاه الحياة البشرية نفسها، والذي يقود إلى إقصاء الأطفال، منذ الرحم، والمسنين” (٥٤).
“المواهب، الدعوة والخدمات من أجل الرسالة” (٥٧-٦٧) تشكل جوهر الوثيقة التي تسعى إلى مشاركة أوسع للعلمانيين والعلمانيات. إنَّ الخدمة الكهنوتية هي “في خدمة الانسجام” (٦٨) ولاسيما “خدمة الأسقف” التي تهدف إلى “جمع مواهب الروح القدس في وحدة” (٦٩-٧١). ومن بين القضايا المختلفة التي تمت ملاحظتها، ورد أن “العلاقة الأساسية للأسقف مع الكنيسة المحلية لا تظهر اليوم بوضوح كافٍ في حالة الأساقفة الحائزين على ألقاب فخرية، مثل الممثلين البابويين والذين يخدمون في الكوريا الرومانية”. مع الأسقف، هناك “كهنة وشمامسة” (٧٢-٧٣)، من أجل “التعاون بين الخدمات داخل الكنيسة السينودسيّة” (٧٤). مهمّة أيضًا خبرة “الروحانية السينودسيّة” (٤٣-٤٨)، مع التأكيد على أنه “إذا غاب العمق الروحي الفردي والجماعي، تصبح السينودسيّة مجرد وسيلة تنظيمية” (٤٤). لذلك، فإن “ممارسة الأسلوب السينودسي بتواضع يمكنه أن يجعل الكنيسة صوتًا نبويًا في عالم اليوم” (٤٧).
في الجزء الثالث من الوثيقة (٧٩-١٠٨)، يتم التأكيد على أنه “في الصلاة والحوار الأخوي، أدركنا أن التمييز الكنسي، والعناية بعمليات اتخاذ القرار، والالتزام بالمحاسبة وتقييم نتائج القرارات المتخذة، هي ممارسات نجيب من خلالها على الكلمة التي تدلنا على دروب الرسالة” (٧٩). وتحديدًا “هذه الممارسات الثلاث هي مترابطة بشكل وثيق. فعمليات اتخاذ القرار تحتاج إلى التمييز الكنسي، الذي يتطلب الاصغاء في جوٍّ من الثقة، الذي تعززه الشفافية والمساءلة. يجب على الثقة أن تكون متبادلة: فالذين يتخذون القرارات يحتاجون إلى الثقة والاصغاء إلى شعب الله، الذي بدوره يحتاج إلى الثقة في الذين يمارسون السلطة” (٨٠). “إنَّ التمييز الكنسي من أجل الرسالة” (٨١-٨٦) في الواقع “ليس تقنية تنظيمية، بل ممارسة روحية تُعاش في الإيمان”، و”ليس أبدًا تعبيرًا عن وجهة نظر شخصية أو جماعية، ولا يتمثل في مجرد جمع الآراء الفردية” (٨٢). “إنَّ بنية عمليات اتخاذ القرار” (٨٧-٩٤)، و”الشفافية، والمساءلة، والتقييم” (٩٥-١٠٢)، و”السينودسيّة وهيئات المشاركة” (١٠٣-١٠٨) هي نقاط مركزية في المقترحات الواردة في الوثيقة، وقد انبثقت عن خبرة السينودس.
“في زمن تتغير فيه خبرة الأماكن التي تتجذر فيها الكنيسة وتحجّ، يجب تعزيز تبادل المواهب وتشابك الروابط التي تجمعنا بأشكال جديدة، بدعم من خدمة الأساقفة في شركة مع بعضهم البعض ومع أسقف روما”: هذا هو جوهر الجزء الرابع من الوثيقة (١٠٩-١٣٩). إنَّ تعبير “متجذرون وحجاج” (١١٠-١١٩) يذكرنا بأنه “لا يمكننا أن نفهم الكنيسة بدون تجذّرها في إقليم محدد، في مكان وزمان يتشكل فيهما لقاء مشترك مع الله الذي يُخلص” (١١٠). مع الانتباه لظواهر “التنقل البشري” (١١٢) و”الثقافة الرقمية” (١١٣). من هذا المنطلق، يشكل “السير معًا في الأماكن المختلفة كتلاميذ للمسيح في تنوع المواهب والخدمات، وكما في تبادل المواهب بين الكنائس، علامة فعالة على حضور محبة الله ورحمته في المسيح” (١٢٠). “إنَّ أفق الشركة في تبادل المواهب هو المعيار الملهم للعلاقات بين الكنائس” (١٢٤)، ومن هنا تنشأ “الروابط من أجل الوحدة: المجالس الأسقفية والجمعيات الكنسية” (١٢٤-١٢٩). وفي هذا السياق تعد ذات أهمية خاصة التأملات السينودسيّة حول “خدمة أسقف روما” (١٣٠-١٣٩). ووفقًا لنهج التعاون والاصغاء، “وقبل نشر الوثائق التنظيمية المهمة، تمَّ حثُّ الدوائر الفاتيكانية بالبدء في استشارة المجالس الأسقفية والهيئات المقابلة لها للكنائس الشرقية الكاثوليكية” (١٣٥).
و”لكي يتمكن شعب الله المقدّس من أن يقدم للجميع شهادة لفرح الإنجيل، من خلال النمو في ممارسة السينودسيّة، هو يحتاج إلى تنشئة مناسبة: أولاً على حرية أبناء وبنات الله في اتباع يسوع المسيح، الذي نتأمّله في الصلاة ونعترف به في الفقراء”، تؤكد الوثيقة في جزئها الخامس (١٤٠-١٥١). “إنَّ إحدى المطالب التي برزت بقوة من كل مكان خلال العملية السينودسيّة هي أن تكون التنشئة شاملة، ودائمة ومشتركة” (١٤٣). وفي هذا المجال أيضًا تعود الحاجة إلى “تبادل المواهب بين الدعوات المختلفة (الشركة)، بنظرة إلى خدمة يُفترض القيام بها (الرسالة) وبأسلوب إشراك وتربية على المسؤولية المشتركة المتمايزة (المشاركة)” (١٤٧). “مجال آخر ذو أهمية كبيرة هو تعزيز ثقافة الحماية في جميع البيئات الكنسية، لجعل الجماعات أماكن أكثر أمانًا للأطفال والأشخاص الضعفاء” (١٥٠). وأخيرًا، “يجب أن تحظى مواضيع العقيدة الاجتماعية للكنيسة، والالتزام من أجل السلام والعدالة، والعناية بالبيت المشترك، والحوار بين الثقافات والأديان، بمزيد من الانتشار بين شعب الله” (١٥١).
“من خلال عيش العملية السينودسيّة –تختتم الوثيقة (١٥٤) – اكتسبنا وعيًا جديدًا بأن الخلاص الذي علينا أن نناله ونعلنه يمر عبر العلاقات. وعلينا أن نعيشه ونشهد له معًا. إنَّ التاريخ يبدو لنا مطبوعًا بالمآسي بسبب الحروب، والتنافس على السلطة، وألف ظلم واستغلال. ولكننا نعلم أن الروح القدس قد وضع في قلب كل إنسان رغبة عميقة وصامتة في علاقات حقيقية وروابط صادقة. والخليقة نفسها تتحدث عن الوحدة والمشاركة، وعن التنوع والترابط بين أشكال الحياة المختلفة”. ويختتم النص بصلاة إلى العذراء مريم لكي نوكل إليها “نتائج هذا السينودس: “ولكي تعلمنا أن نكون شعبًا من التلاميذ المرسلين الذين يسيرون معًا: كنيسة سينودسيّة” (١٥٥).