السينودس، على الكنيسة أن تكون لا مركزيّة وعليها أن تستثمر في المجالات الرقميّة

في المؤتمر الصحفي المعتاد في دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي، تمت الإشارة إلى اللامركزية والجماعات الكنسية “الخاصة”. مداخلات الكرادلة أفلين ورويدا أباريسيو ومولا والمونسنيور مارين دي سان مارتين حول حماس الأعمال في عالم لا يزال “مليئًا بالمآسي”.
تكون “اللامركزية” “سليمة” إذا استوحت من معايير ثابتة؛ وهكذا تجد “كنيسة الكنائس” تناغمها إذا تأسست على بعض المبادئ التي تضمن كفاءة عملها. من بين هذه المبادئ: “تبادل المواهب”، و”تنسيق عملي بين المحلي والعالمي”، و”المساعدة”، وتعزيز الوحدة بين “الكنائس المستقلة”. افتتح المؤتمر الصحفي اليومي حول أعمال السينودس عصر ١٨ تشرين أكتوبر، كما هو معتاد عند الساعة ١:٣٠ وقد بدأه باولو روفيني، عميد دائرة الاتصالات ورئيس لجنة الإعلام في السينودس، ثم تابعت شيلا بيرس، أمين سر اللجنة، بتقريرها.
تناولت المناقشات، وخاصة في يوم أمس، بحضور ٣٣٢ عضوًا، الجزء الثالث من وثيقة أداة العمل المخصص لـ”الأماكن”. في هذا السياق، قال روفيني إن عدة مداخلات شددت على “أهمية الكنائس الخاصة، التي لا تؤذي الوحدة، بل تخدمها”، وأبرزت أن “خصوصية كل كنيسة” ليست تهديدًا، بل “عطيّة خاصة”. ومن الأمثلة على ذلك “الكنائس الكاثوليكية الشرقية”، التي يجب حماية تقاليدها، لأنها “كنز للكنيسة الكاثوليكية الجامعة”، وهي “جزء لا يتجزأ ولا غنى عنه”. وأضاف روفيني أن العديد من المداخلات قد أكدت على ضرورة “ضمان” ليس فقط “البقاء الفعلي” للكنائس الشرقية الكاثوليكية، بل “ازدهارها” سواء في أراضيها الأصلية أو في الشتات. وأشار بعض المتحدثين إلى أنه “في تاريخنا كان هناك فهم خاطئ للوحدة”، وأن الكنيسة اللاتينية تصرفت أحيانًا “بشكل غير عادل تجاه الكنائس الشرقية المستقلة، معتبرة لاهوتها ثانويًا”. وأكد النقاش أنه من التحديات اليوم “إعادة تعريف مفهوم الإقليم”، الذي “لا يقتصر على المكان الجغرافي فقط”، حيث أن “الشتات أدى إلى وجود شرقيين يعيشون في أراض يغلب فيها الطقس اللاتيني”.
وفيما يتعلق بموضوع الاحتفال بعيد الفصح في نفس اليوم من قبل “الكنائس الشقيقة”، تم التأكيد على الاتفاق لإجراء ذلك في العام المقبل. كما طُرحت في الجمعية دعوة، لاقت ترحيبًا واسعًا، لرسالة من السينودس بأكمله تدعو إلى “تحديد تاريخ مشترك دائم”. كذلك كان موضوع اللامركزية بين روما والضواحي محورًا للعديد من التأملات في أعمال السينودس خلال هذه الأيام، مما أثار فضول الصحفيين في المؤتمرات الصحفية المختلفة. وأوضحت بيرس أنه تم تحليل المعايير اللازمة لـ”تحديد لامركزية سليمة”، بما في ذلك “القرب والأسرارية، أي الأسرار”. كما حظيت “الجماعات الأساسية الصغيرة كمكان مميز للكنيسة السينودسية” بالاهتمام، إذ تم التأكيد على أهمية البيئة الرقمية لها، لأنها تساعد في الحفاظ على وحدة تلك الجماعات على الأرض “وليس فقط افتراضيًا”. من جهتها، يمكن للبيئة الرقمية أن تكون مفعمة بشكل مثمر بالصلاة، الضرورية “للتمييز بين ما هو خير وما هو شر”. وأضافت بيرس، مستعرضة بعض التأملات من الجمعية وقالت: “إنها أساسية بالنسبة لنا جميعًا، لكي نتمكن من أن نصبح تلاميذًا رقميين”.
وأشارت بيرس إلى أن عدة مداخلات قد حثت على “عدم الخوف من السينودسية، لأنها لا تضعف المواهب المختلفة أو الخدمات المتنوعة ولا حتى خصوصية الأماكن”. وفيما يتعلق بهذا، تم التأكيد على ضرورة تطوير موضوع الرعية بشكل أكبر، حيث أن “المهام الإدارية تخنق الحماس والدافع الرسولي، لذا من الضروري التفكير بطريقة إبداعية”. وبشكل خاص، يجب “الاصغاء إلى صرخات المتألمين، لأن سينودسية الكنيسة المحلية” تتجلى أيضًا “في واقع مطبوع بالألم”. لمحاربة معركة الإيمان الصالحة في المجتمعات المعلمنة، كما قال القديس بولس، من المهم “أن نشارك المسيرة مع العلمانيين”، وتم التذكير بأن “لامركزية سليمة للكنيسة يمكنها أن تعزز من مشاركة الشعب المؤمن”، بشرط أن تكون دائمًا في الوحدة، “في الأمانة لتعليم الكنيسة، وفي الشراكة الكنسية مع خليفة بطرس، مع احترام الكنائس المحلية، في إطار المساعدة والسينودسية”. يجب أن يتجسد الإنجيل “في كل ثقافة وفي كل مكان، وأن يعيش فيها، مع تعزيز البعد الجماعي للحركات والوقائع الكنسية الجديدة”. وأشارت بيرس إلى أن مداخلة لاقت تصفيقًا كبيرًا شددت على دعوة الكنيسة إلى “الوحدة في التنوع”، موضحة أنها “كائن حي قلبه المسيح ويعيش كجسد من خلال حياة الأشخاص”.
فيما يتعلق بموضوع الشماسية النسائية، أوضحت بعض المداخلات أن “الكنيسة لا ينبغي أن تكون “شيئًا مخصصًا للذكور”، وأنه حتى لو طلبت النساء المشاركة في العمليات القيادية، فإن هذا لا يكفي”. وبالنسبة للشباب: إذا كانوا “يقولون إنهم روحانيون لكنهم غير متدينين”، يجب أن يدفع ذلك الكنيسة إلى “أن تكون راعية حتى في البيئات الرقمية”، التي يرتادها ويعيش فيها الشباب. وفي الختام، أعلن روفيني أن بعد ظهر اليوم، بالإضافة إلى اجتماع مجموعات العمل، ستُعقد جلسة للجنة القانونية وأخرى للجنة الأساقفة الأفارقة (سيكام)، المكلفة بعملية التمييز اللاهوتي والرعوي حول تعدد الزوجات. وذكّر بأن الأسبوع القادم سيكون حاسمًا في مناقشة مسودة الوثيقة الختامية. ولهذا السبب، كما “صرح الكاردينال ماريو غريتش هذا الصباح”، ينبغي أن يُعاش في جو من التأمل والصلاة العميقة. “ولهذا”، قال روفيني، ستبدأ فعاليات يوم الاثنين عند الساعة ٨:٣٠ بقداس مخصص للروح القدس، يحتفل به في بازيليك القديس بطرس.
من البحر الأبيض المتوسط إلى إفريقيا، مرورًا بأمريكا اللاتينية، مناطق جغرافية متباعدة لكنها تتشارك في مشاكل متشابهة، وكذلك في وحدة الأهداف التي ظهرت خلال أعمال السينودس بهدف حلها. كان هذا هو الخيط الذي ربط بين المداخلات والأسئلة التي طُرحت على الضيوف في المؤتمر الصحفي. وكان أول من تحدث هو الكاردينال الفرنسي جان-مارك أفيلين، رئيس أساقفة مرسيليا، الذي استعرض دوره في تنسيق العمل الكنسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط بتفويض من البابا فرنسيس. وأشار الكاردينال إلى الخط الزمني لالتزامه الذي بدأ في عام ٢٠٢٠ مع حوالي أربعين أسقفًا واستمر عبر لقاءات أخرى حتى أيلول سبتمبر ٢٠٢٣، عندما “أعرب البابا فرنسيس عن رغبته في المضي قدمًا في هذا العمل، وتنسيقه ودعمه”. وتركز هذا التوجه بشكل خاص على الاصغاء إلى صعوبات الجماعات الكنسية المختلفة. وأضاف أفيلين أن “بحرنا” ليس مجرد موضوع دراسة، بل هو منطقة يعيش فيها الأشخاص أوضاعًا مأساوية: حروب، حريات غير محترمة، فساد، إلى جانب قضايا الهجرة، التي تم إنشاء شبكات دعم خاصة من أجلها. ومع ذلك، تناولت القضايا التي نوقشت أيضًا مسائل لاهوتية وأخرى تتعلق بالمزارات المريمية التي تظهر كـ”واحات” يجتمع فيها الأشخاص من مختلف أنحاء القارة الأوروبية. كما أن اللقاءات تشمل شخصيات مؤسساتية، طلاب شباب وأشخاص من ديانات مختلفة عن المسيحية. وشدد أفيلين على أنه “يجب أن نفهم كيف يمكن للكنيسة أن تساهم في الجهود التي يتم بذلها لتحقيق العدالة والسلام في هذه المنطقة”، مشيرًا إلى اقتراحه لعقد سينودس مخصص للبحر الأبيض المتوسط.
بعد ذلك، تحدث الكاردينال الكولومبي لويس خوسيه رويدا أباريسيو، رئيس أساقفة بوغوتا، الذي استعرض خبرة الإيمان في بلده وفي أمريكا اللاتينية بأسرها، وهي “قارة شابة” مع “آلام وآمال”. وأكد أن الكنيسة المحلية تسعى إلى “روحانية تكون أقرب إلى الفقراء”. وأضاف أن معاناة أمريكا اللاتينية تتفاقم بسبب الهجرة نحو شمال القارة، بالإضافة إلى قضايا تتعلق بالاتجار بالمخدرات. وفي هذا السياق الصعب، “تمكنت الكنيسة من أن تتحد وتجد أساليبًا لكي تقترب من الواقع، وتسعى لرؤيته بواسطة عيون الإيمان والرجاء”. ورأى رئيس أساقفة بوغوتا أن النتيجة هي “حضور ملموس للملكوت” يسعى للتوسع، بهدف الوصول إلى “بشارة شاملة” تتماشى مع القارة بأسرها.
بعدها تناول الكاردينال ستيفن أمييو مارتن مولا، رئيس أساقفة جوبا، التحديات التي تواجهها بلاده وجارتها السودان. وأوضح أنه شعب “فقير” خاض حروبًا بحثًا عن الحرية، لكنه لا يزال بعيدًا عن تحقيق السلام، ويعاني من العديد من “القضايا العالقة”. فالحرب في السودان تُضاف إلى التحديات التي تواجه جنوب السودان، الذي رغم استقلاله الذي كان يؤمل أن يحل جميع المشكلات، وجد نفسه أمام مشاكل أكبر. وأشار الكاردينال مولا إلى أن اتفاقيات السلام الموقعة في جنوب السودان لم تُنفذ بالكامل بعد؛ وهي قضية أثارها وفد رفيع المستوى أمام البابا فرنسيس في اللقاء التاريخي عام ٢٠١٨. وعلى الرغم من زيارة البابا للبلاد، لم يتغير الوضع كثيرًا. وأضاف رئيس أساقفة جوبا: “لهذا السبب نعتقد أن السينودس يمكنه أن يساعدنا في الحوار لحل المشاكل الاجتماعية والسياسية التي نواجهها”. كما تطرق إلى إحدى المصائب التي تعاني منها البلاد وهي التغير المناخي، مشيرًا إلى مدينة بنتيو التي غمرتها الفيضانات. ومع ذلك، تنمو الكنيسة المحلية في ظل هذه الآلام، مع إنشاء أبرشية جديدة في شهر تموز يوليو الماضي. وفي سياق عالمي مترابط، يرى رئيس أساقفة جوبا أن “لا أحد في مأمن”، وأن الاهتمام بهذه الأوضاع يشكل ضرورة دولية.
كان آخر من تحدث المطران لويس مارين دي سان مارتين، نائب الأمين العام للأمانة العامة للسينودس وعضو في لجنة الإعلام، الذي إذ استند إلى المداخلات السابقة، أشار إلى التحديات التي يواجهها العالم وأوضح كيف يجيب السينودس عن هذه التساؤلات من خلال تعزيز كنيسة منفتحة، تتحدث بلغة مفهومة، وقادرة على معالجة القضايا الهامة والملحة. وأكد أن “حمل جواب المسيح على مآسي اليوم” هو المفهوم الأساسي لرسالته، محددًا أربعة أركان يجب أن تستند عليها الكنيسة: مركزيتها حول المسيح، أخويتها، شموليتها وأخيرًا ديناميكيتها. وقال: “نتمنى أن نتمكن من مشاركة حماسنا في عالم مليء بالمآسي”. وقد دارت الحوارات داخل السينودس حول بعض التناقضات: السينودسية والاصغاء إلى علامات الأزمنة، الوحدة والتنوع، المحور والضواحي. وكانت دعوته النهائية ألا نترك أنفسنا فريسة للتشاؤم الذي “يقبض علينا أحيانًا”.
وخلال المؤتمر الصحفي، تم تخصيص الوقت المعتاد لأسئلة الصحفيين. فيما يتعلق بتطبيق مفهوم “الوحدة في التنوع”، لاحظ الكاردينال رويدا أباريسيو أنه يمكن رؤيته في “أسلوب السينودس” المختلف والمبتكر، حيث تمثل الأمهات السينودسيات الدليل الأكثر وضوحًا على “التجديد والتطور”. وفيما يتعلق بتقديم إجابات لمن يتوقع ردودًا فورية من السينودس، أجرى المونسنيور مارين دي سان مارتين مقارنة مع الإيمان المسيحي نفسه: “الإيمان هو اختبار المسيح. وإذا لم نعشه، لن نتمكن أبدًا من التعمق فيها. ومع ذلك، وفي هذا الأمر تكمن “النقطة المحورية” أو “التغيير”، شدد المونسنيور مارين دي سان مارتين على ضرورة أن لا يبقى السينودس مجرد فكرة مجردة، بل أن ينغمس في الواقع. ولهذا السبب تبقى الرعايا مهمة ومحورية: “لأنها الجماعات الأولى”.
كذلك سُئل الحاضرون بشأن المناقشات المتعلقة بدور وسلطة الأساقفة. وأقر الكاردينال الكولومبي أنه “تم الحديث عن هذا الموضوع كثيرًا”، مشيرًا إلى فكرة القديس يوحنا الثالث والعشرين الذي كان يرى أن وديعة الإيمان “تبقى دائمًا هي نفسها”. ومع ذلك، أوضح رئيس أساقفة بوغوتا، “يجب أن يتم تكييفها مع كل حالة”. ثم عاد الكاردينال ليتناول مجددًا المشاكل التي تواجه بلاده، ومن بينها “الاستقطاب السام”، الذي يمكن أن يحول الجماعات المتشابهة إلى “أعداء” لبعضها البعض.
وأخيرًا، قدم الكاردينال أفيلين بعض الأفكار المتعلقة بصياغة الوثيقة النهائية للسينودس. وأشار إلى أن لجنة التوليف التي يشرف عليها “تهدف إلى التحقق من أن ما يُقترح كنص للتصويت لا يبتعد كثيرًا عن الآراء التي تم التعبير عنها خلال أسابيع العمل هذه”. وفيما يتعلق بمسألة تعدد الزوجات، أشار أحد الصحفيين إلى زيارة ملك إسواتيني اليوم “مع إحدى زوجاته” إلى البابا فرنسيس. وذكر الكاردينال مولا أن هذه القضية، شأنها شأن قضايا أخرى تثير الجدل، تتعلق أساسًا بأفريقيا، لكن يجب معالجتها بطريقة “شمولية”.