الرئيس العام للرهبانية المارونية ترأس قداسا لمناسبة عيد ما ضومط في فيطرون: نطلبُ شفاعتَه لنكون ثابتين في مسعانا

ترأس الرئيس العام للرهبانية المارونية الأباتي إدمون رزق، قداسا احتفاليا في دير مار ضومط – فيطرون، بمناسبة عيد شفيعه، في المقر الصيفي للرئاسة العامة، عاونه فيه رئيس الدير الأب المدبر جان مارون الهاشم والكهنة الثلاثة الجدد، بمشاركة الأب المدبر جهاد يونس، أمين السر العام الأب جان مهنا، الوكيل العام الأب ناجي خليل، الأباتي داود رعيدي الأنطوني، ولفيف من آباء الرهبانية والإخوة الدارسين والإخوة المبتدئين، بحضور رئيس بلدية فيطرون الدكتور انطوان قسيس ومختارها والمؤمنين من البلدة والجوار، وأدت الجوقة ترانيم القداس الإحتفالي بقيادة سالم التامر.
وألقى رزق عظة قال فيها: “كلُّ عيدٍ يأتي بأبُّهةٍ عظيمة ويجلبُ معَه شهادةً بشريّةً جديدةً، تؤكِّدُ لنا أنّ الربَّ إلهَنا حيٌّ هو، وفاعلٌ هو، وعظيمٌ هو في حياتِنا! هذا ما آمنَ به القدّيسون وشهِدوا له، وكانت شهاداتُهم منارةً لنا، لتقودَنا إلى شواطئِ النعمة. أغريبٌ أن يأتي عيدُ القدّيسِ ضومط بعدَ عيدِ تجلّي الربّ؟ أقول هذا: إنّ عيدَ تجلّي الربّ يقودُنا إلى حياةِ كلِّ قدّيس، لأنَّ الربَّ لم يتجلَّ فقط كعلامةِ جبروتٍ إلهيّ ليشهدَ لهُ التلاميذ، إنّما تجلّى أمامَهم وفي حياتِهم، كمبدأ وأساس للحياةِ البشريّة الصالحة الّتي تسعى وتهدف إلى الملكوت السماويّ.
أضاف: “اليوم، في عيدِ قدّيسنا الشهيد، مار ضومط، شفيعِ هذا الدير، نتوقّفُ أوّلاً عندَ رسالةِ القدّيس بولس إلى تلميذه طيموتاوس، وفيها يتكلّم بولس عن دعوةِ الربِّ له، بالرغمِ مِن إساءتِهِ للرب وكيف تحوّلَ عند إدراك هذه الدعوة ومدى حُبِّ اللهِ له، ولهذا ائتمنَه على البشارة لخلاصِ النفوس. يقول: ” لكِنِّي ما نِلتُ الرَّحمَةَ إلاَّ لِيُظهِرَ المَسيحُ يَسوعُ طولَ صَبرِهِ فِيَّ أوَّلاً ويَجعَلَ مِنِّي مثَلاً لِلذينَ يُؤمِنونَ بِه لِيَنالوا الحياةَ الأبدِيَّةَ”. هكذا تنطلقُ سيرةُ القداسة في حياةِ كلِّ إنسان. هذا ما صارَ تمامًا في حياةِ القدّيسِ ضومط الّذي كان مضطهِدًا للكنيسة، فأصبح شهيدًا من شهدائِها الكبار، وقدّيسًا مثالاً في الإيمانِ والعملِ والشهادة للملكوت”.
وتابع: “إن اللقاءَ بالرب، يغيّرُنا من عمقِ أعماقِنا، يحوِّلنا عن مسارِ الاهتمامِ بالدنيويّات إلى مسارِ الحبِّ وبذلِ الذات، فتتجذّر كلماتُ الإنجيلِ فينا، وتحمينا من الاهتمامِ بالدنيويّات، لأنّ الربّ يعتني بنا ويـُـقيتنا ويُلبسنا ويسهر على حاجاتِنا … إن قبِلنا عنايتَهُ ووثقنا به! هكذا تحوّلَ بولسُ مضطهِدُ الكنيسة، وهكذا تـنحَّ ضومطُ الوزير، وتراجعَ عن اضطهادِ المسيحيّينَ، وخصوصاً الإكليركيّينَ والكهنةَ، ولاقى في الإيمانِ بيسوع طريقَ الخلاصِ”.
وأردف: “أردتُ اليوم، بتأمُّلي الصغير أن أشجّعكم على التسليمِ الكُلّيّ للرب، على فتحِ نافذةِ الرجاءِ في حياتِكم ودعوةِ الربِّ ليتجلّى فيها. لا تخافوا ممّا تسمعون، والأخبارِ الّتي تتناقلُ، والحروبِ الّتي تُعلَن … الربُّ قادرٌ على كلِّ شيء، قادرٌ على أن يُحوِّلَ القلوبَ القاسية إلى ينابيعَ محبّة وخدمة. إنّ هذه الحياة جميلةٌ بكلِّ ما فيها، والربُّ الّذي أعطانا إيّاها، هو يكفيها، وقد علّمنا الصلاة “أعطِنا خبزنا كفاف يومِنا”، لأنّ عطاءاتِهِ تُغنينا وتروينا وتحيينا”.
وقال: “في زمانِنا الحاضر، قد يصعَبُ علينا ألاّ نهتمَ بحياتِنا الماديّة والاجتماعيّة وحالِ بلادِنا وأمورٍ كثيرة تقلقُنا، ولكن هذه الأمور تقلقُ أيُّ إنسانٍ عاديّ، أمّا نحن الّذين تعمّدنا بالمسيح، سنتشدّدُ به وبعنايتِهِ، وإذا أردنا أن نكون مثالاً في الإيمان، لن نقلقَ إلا في سبيل الملكوت. فيسوع يطمئننا ” اطلبوا أوَّلاً مَلكوتَ اللهِ ومشيئَتَهُ، فيزيدَكُمُ اللهُ هذا كُلَّه. لا يَهُمَّكُم أمرُ الغدِ، فالغدُ يَهتمُّ بنفسِهِ. ولِكُلِّ يومِ مِنَ المتاعِبِ ما يكْفيهِ”.
وختم: “إن أردنا القداسةَ، فعلينا ألا نخافَ من دعوةِ الله لنا، ألا نعطي أمورَ الدنيا أكثر اهتمامًا من أمورِ الملكوت، فأمور الدنيا هي حقٌّ ولكنّها ليست وحدَها الغاية. إنّ السلامَ الّذي نرجوهُ، يبدأ بتسليمنا ذواتِنا وعائلاتِنا بكلِّ ثقةٍ إلى العنايةِ الإلهيّة. وإن وصلنا لهذاالسلام، ستتراجعُ فينا أمورًا كثيرة: كالخوف والأنانيّة، والحزن، والحسدِ، ستُلغى فينا مشاعرَ الكرهِ والحقدِ … وسنفرحُ بالرغمِ من كلِّ مآسينا… وهكذا يبدأ الملكوت وتذوُّقُه في قلوبنا، هكذا عاش القديس ضومط، فكان مستعدًّا لخسارة كل شيء ما عدا نفسِهِ في سبيل ملكوت الله. واليومَ، نحن نطلبُ شفاعتَه لنكون ثابتين في مسعانا وصادقين في اختيارنا الله وطُرُقهِ”.