في تمام الساعة السادسة من مساء يوم السبت ١١ أيّار ٢٠٢٤، قام غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بزيارة إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، حيث ترأّس غبطته صلاة الرمش (المساء) ليوم الأحد الجديد بحسب التقويم الشرقي، وذلك في كاتدرائية مار توما، في لندن، المملكة المتّحدة.
بدايةً، استُقبِل غبطةُ أبينا البطريرك أمام المدخل الخارجي للكاتدرائية من قِبَل صاحب النيافة مار أثناسيوس توما دقّما النائب البطريركي للسريان الأرثوذكس في المملكة المتّحدة، وصاحب النيافة الأنبا أنجيلوس مطران لندن للأقباط الأرثوذكس، وصاحب النيافة مار أوراهام مطران المملكة المتّحدة وأوروبا الوسطى لكنيسة المشرق الآشورية، وكاهني الرعية الأب الخوري يوسف البنّا، والأب الربّان أفرام عوزان، والأب طوني من الكنيسة الآشورية، والشمامسة.
رافق غبطتَه في هذه الزيارة صاحبا السيادة مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية.
ودخل غبطته إلى الكاتدرائية على أنغام نشيد استقبال رؤساء الأحبار، حيث استقبله جمهور المؤمنين الذين حضروا لنيل بركته، ومن بينهم عدد من أبناء رعيتنا السريانية الكاثوليكية في لندن.
وترأّس غبطته صلاة الرمش (المساء) للأحد الجديد بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، ووفق التقويم الشرقي الذي تعتمده الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. وخلال الصلاة، تلا غبطته مرنّماً الإنجيل المقدس الخاصّ بهذا الأحد.
وفي نهاية الصلاة، وجّه نيافة المطران مار أثناسيوس توما دقّما كلمة ترحيبية بغبطة أبينا البطريرك، قال فيها نيافته:
“المسيح قام، حقّاً قام… سيّدنا صاحب الغبطة، في هذا المساء الجميل، حيث صلّينا بالطقس السرياني الجميل، زدتم على هذا الطقس بركةً وخشوعاً، ولا سيّما نحن ككنيسة سريانية نفتخر بكنيستنا، فأستطيع أن أقول إنّ الكنيسة السريانية هي نسر وقوية، قوية بتاريخها وأصالتها وتراثها وتقليدها وطقوسها ولغتها السريانية الحبيبة التي هي لغة السيّد المسيح، وقوية أيضاً بإيمانها وعقيدتها، فهي كنيسة النسر، تحلّق في هذا الفضاء”.
وأردف نيافته: “أستطيع أن أقول إنّ النسر لا يستطيع أن يحلّق إلا بجناحين، فالجناح الأول هو السريان الأرثوذكس، والجناح الثاني هو السريان الكاثوليك. فبهذين الجناحين كنيستنا عامرة تنشر كلمة الإنجيل وتتغنّى بتراثها في كلّ أصقاع العالم”.
ولفت نيافته إلى “أنّكم منذ يوم تسلّمكم السدّة الرسولية، صاحب الغبطة، بالنعمة والاستحقاق، على الكرسي الأنطاكي السرياني الكاثوليكي، نرى الكنيسة السريانية الكاثوليكية وقد تقدّمت وازدهرت، ولا سيّما غبطتكم تحبّون من كلّ قلبكم اللغة السريانية والطقس السرياني ولبس الإكليروس السرياني، فأنتم دائماً ثابتون وتلبسون هذا الزيّ على الدوام، فكأنّكم بهذا الزيّ تعرّفون العالم به كزيّ الكنيسة السريانية الحبيبة”.
وأشار نيافته إلى أنّه “لا يخفى عن الجميع أنّ صاحب الغبطة هو من ماردين، ولأهل ماردين والموصل الطباع نفسها والعادات نفسها والتقاليد نفسها، فغبطته من قرية تُسمَّى قلعة مرا على حدود دير الزعفران. كذلك أخبركم أمراً بأنّ غبطته هو حفيد أحد البطاركة السريان الأرثوذكس، سيّدنا صاحب الغبطة هو من عائلة آل كبسو العريقة المؤمنة، وقد كان لدينا البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثاني الذي توفّي سنة ١٨٧١ وهو عمّ جدّ سيّدنا البطريرك، فسيّدنا نحن لنا حصّة بكم، ونحن كلّنا واحد”.
وتوقّف نيافته عند “أمر آخر أفتخر به، غبطة سيّدنا البطريرك رجل وطني دافع ويدافع عن حقوق الإنسان بصورة عامّة، وعن المسيحيين بصورة خاصّة. نراه على الفضائيات يدافع ويقاوم الظالمين، ويطالب بحقوق المسيحيين في العراق وسوريا ولبنان ومصر والأراضي المقدسة والشرق وكلّ مكان. هكذا، أيّها الأحبّاء، يكون رجال الدين، نحن كخدّام، لا نخدم المذبح والكنيسة فقط، إنّما نخدم كلمة الرب أيضاً عن طريق دفاعنا عن شعبنا وأهلنا، مثلما نقرأ عن تاريخ آبائنا وأجدادنا كيف عانوا، ولكن في الوقت نفسه كانوا يدافعون ويقاومون الذي كان يقوم ضدّ الإيمان المسيحي”.
وشدّد نيافته على أنّ “زيارتكم، صاحب الغبطة، بركة كبيرة لنا، الشعب فرح، وأشكركم على زيارتكم ومحبّتكم وترؤّسكم هذه الصلاة، ونتأمّل أن تعيّنوا في القريب العاجل كاهناً للكنيسة السريانية الكاثوليكية في المملكة المتّحدة، ونحن جميعاً نخدم تحت راية الصليب، كلّنا خدّام للمسيح، وخدّام لكلمة الإنجيل”.
وتابع نيافته: “يطيب لي أن أرحّب بكم أيضاً، يا سيّدنا صاحب الغبطة، باسم قداسة سيّدنا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني الذي فرح بخبر زيارتكم، وطلب منّي أن أستقبلكم كما نستقبله في كنيستنا. فأنتم أخ له، تتعاونون دائماً في خدمة الرب وخدمة الشعب السرياني الواحد وخدمة الإنسانية بشكل عام”.
وشكر نيافته “أيضاً سيّدنا الأنبا أنجيلوس مطران لندن للأقباط الأرثوذكس الذي شاركنا بحضوره، وسيّدنا أوراهام مطران كنيسة المشرق الآشورية الذي حضر وشاركنا، وأشكر المطرانين المرافقين لكم، سيّدنا مار أفرام يوسف، وسيّدنا مار فلابيانوس رامي. وأشكر أيضاً المونسنيور حبيب أمين سرّ البطريركية الذي أعرفه منذ زمن بعيد، وقد خدم هنا في لندن لمدّة ثلاثة أشهر كشمّاس عندنا، واليوم هو السكرتير البطريركي، وهو الرجل المعروف بحكمته ومحبّته للغة السريانية وللطقس السرياني. كما أشكر الآباء الكهنة: أبونا طوني، والخوري يوسف، والربّان أفرام، والشمامسة والشمّاسات والشعب المؤمن، نشكركم جميعاً على حضوركم”.
وختم نيافته كلمته بالقول: “والآن كلّ الشعب متلهّف أن يسمع كلمة أبوية روحية من غبطتكم، وبارخمور”.
وردّ غبطة أبينا البطريرك بكلمة محبّة أبوية، بعنوان “طوبى للذين لم يروا وآمنوا”، فقال غبطته:
“سيّدنا الحبر الجليل مار أثناسيوس توما الجزيل الاحترام، من كلّ قلبنا نشكركم على كلماتكم اللطيفة التي تعبّر عن محبّتكم الأخوية وعن قناعتكم الإيمانية، بأنّنا كنيسة سريانية واحدة بجناحيها اللذين يرفعانها إلى الآب السماوي. وهذا ما نصبو إليه ونصلّي من أجله، ونبقى دوماً راجين أن تكون وحدتنا ككنيستين سريانيتين مثالاً للوحدة المسيحية، كما قال ربّنا يسوع المسيح: كونوا واحداً كما أنّي أنا والآب واحد”.
ورحّب غبطته “أيضاً بنيافة الأنبا أنجيلوس وبنيافة المطران أورواهام اللذين يشاركاننا في هذه الصلاة، وبصاحبي السيادة المرافقين لنا، مار أفرام يوسف، ومار فلابيانوس رامي، وبأحبّائنا المونسنيور حبيب والخوارنة والكهنة والشمامسة ولجنة الكنيسة وجوق الأخوات الشمّاسات الذي أتحفنا بمشاركته في صلاة الرمش هذه”.
وأكّد غبطته على أنّنا “أبناء وبنات الشهداء، نحن نمثّل هذه الكنيسة العريقة في الإيمان والشهيدة لهذا الإيمان على مدى التاريخ كلّه. كلّنا نتذكّر الأزمات والمآسي التي حلّت بنا في الشرق، ويسوع لم يَعِد التلاميذ أن يمشوا ويسيروا في طريق مليء بالورود، بل أخبرهم أنّ طريق الملكوت ضيّق. فعلينا أن نتبع يسوع مهما كانت ظروف حياتنا، فخورين بإيماننا وشهادتنا، ونحن نعرف أنّ الصعوبات والمآسي التي عشناها في بلادنا، بلاد المنشأ، لم تنتهِ لأنّنا هنا في هذا البلد المضياف الذي استضافنا وأعطانا حقوقنا الإنسانية والروحية أيضاً، هناك في هذا المجتمع وهذا البلد، كما في بلدان الغرب الأخرى، الكثير من الصعاب والتحدّيات التي علينا أن نجابهها دوماً بإيمان، محلّقين نحو السماء”.
ونوّه غبطته إلى أنّنا “نودّ أن نعبّر لكم عن جزيل شكرنا لهذا الاستقبال الرائع الذي يذكّرنا بأنّنا كنيسة واحدة. ولا بدّ لي أن أذكر باعتزاز بأنّني، ومنذ أن انتُخِبتُ للخدمة البطريركية، وأنا دوماً بالاتّصال، بدايةً مع المثلّث الرحمات قداسة البطريرك مار اغناطيوس زكّا الأول عيواص، وعندما انتُخِب قداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، كنتُ أول رئيس كنسي يقوم بتهنئته. ولا نزال نتواصل معاً دوماً بالتلفون وبالرسائل، وبشكل خاص بالزيارات الشخصية التي نقوم بها، وفي كلّ مناسبة نُظهِر أنّنا كنيسة واحدة، وهذه نعمة”.
وجدّد غبطته الشكر “لكم جميعاً على وحدتكم ومحبّتكم، أكنتم هنا في المملكة المتّحدة، وفي بلاد الشرق والغرب، فنحن على يقين بأنّ ما يجمعنا هو الكثير الكثير، وما يميّزنا عن بعضنا هو أقلّ من القليل”.
وختم غبطته كلمته سائلاً “الرب أن يبارككم، ويبارك عائلاتكم وأولادكم وصغاركم وشبّانكم وشابّاتكم، والآباء والأمّهات، فليحفظكم الرب أجمعين”.
ثمّ أهدى غبطته إلى نيافة المطران مار أثناسيوس توما، أيقونة أمّنا مريم العذراء، سيّدة النجاة، عربون محبّة وشكر، وتخليداً لهذه الزيارة.
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، توجّه غبطته بزيّاح حبري مهيب إلى قاعة الكاتدرائية، يتقدّمه الأساقفة والخوارنة والكهنة والشمامسة، حيث ألقى الأب الخوري يوسف البنّا قصيدة جميلة باللغة السريانية ترحيباً بغبطته، عبّر فيها عن المحبّة المميَّزة التي تجمع غبطته بقداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، وعن العلاقة المتينة بين الكنيستين السريانيتين الشقيقتين، ومجدِّداً الترحيب بغبطته باسم نيافة المطران توما دقّما وجميع الحاضرين.
ثمّ قدّم الخوري يوسف إلى غبطته، باسم المطران توما وأبرشيته العامرة، هدية تذكارية بمناسبة هذه الزيارة الأبوية المباركة.
وبعد جلسة محبّة وودّ في جوّ من الفرح الروحي، رنّم خلالها الشمامسة وجوق الشمّاسات الترانيم الروحية السريانية العذبة، بارك غبطته المؤمنين، ليغادر بعدئذٍ مودَّعاً من نيافة المطران توما والأساقفة والكهنة والشمامسة والمؤمنين كما استُقبِل بمجالي الحفاوة الإكرام البنوي.