في تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الأحد ٢٤ آذار ٢٠٢٤، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي الحبري والتطواف بمناسبة عيد الشعانين، وهو عيد دخول الرب يسوع إلى أورشليم، وذلك على مذبح كنيسة مار بهنام وسارة، الفنار – لبنان.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب ديفد ملكي كاهن رعية مار بهنام وسارة – الفنار، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان. وخدم القداس شمامسة الرعية، وجوق التراتيل. وأشرف على تنظيم القداس والتطواف حركة مار بهنام وسارة. وشاركت بهذه المناسبة جماهير غفيرة من المؤمنين من أبناء رعية مار بهنام وسارة ومن إرسالية العائلة المقدسة، ضاقت بهم الكنيسة وساحاتها.
في بداية الإحتفال، أقام غبطة أبينا البطريرك رتبة تبريك الأغصان التي يتميّز بها عيد الشعانين. فبارك غبطته الأغصان التي وُضِعت على منبر خاص في وسط الخورس، وسط الترانيم السريانية الشجيّة، كي يأخذ المؤمنون لاحقاً من هذه الأغصان، بركةً لهم، وصوناً لمنازلهم، وحمايةً من كلّ خطر وشدّة وضرر.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، عبّر غبطة أبينا البطريرك عن عميق فرحه “بالاحتفال بعيد الشعانين في هذا اليوم الجميل والرائع بشمسه، في هذه الكنيسة، كنيسة مار بهنام وسارة، ونحن نعرف جيّداً أنّ هذا العيد هو بشكل خاص عيد الصغار، عيد الأطفال، عيد أولادنا الأحبّاء. لذلك نأتي مع الصغار الذن يلبسون الثياب الجميلة مع الشموع وأغصان الزيتون والنخيل، نأتي إلى الكنيسة لكي، مع الذين استقبلوا يسوع في أورشليم، نصيح ونهتف معاً: أوشعنا لابن داود، أوشعنا للرب الآتي إلى مملكته أورشليم، المملكة الروحية”.
ونوّه غبطته إلى أنّ “البارحة السبت ذكرنا هذا الحدث الرائع جداً والفريد من نوعه، معجزة إقامة لعازر من القبر بعد أربعة أيّام من وفاته، والحاضرون في بيت عنيا، القرية القريبة من أورشليم، جميعهم مجّدوا الله لأنّ يسوع يستطيع أن يحيي الموتى، هذا الأمر الذي لم يحدث أبداً، إذ لم يكن أحد يستطيع أن يقول إنّه يقيم الموتى من بين الأموات”.
ولفت غبطته إلى أنّ “الرب يسوع يتوجّه نحو أورشليم، والموجودون والذين سمعوا بهذه الآية والأعجوبة الفريدة من نوعها، خرجوا لاستقباله. ويخبرنا الإنجيل المقدس أنّ الأطفال والأولاد كانوا يصيحون صيحات وهتافات الفرح لقدوم يسوع، هذا القدوم المتواضع، كما جاء في العهد القديم، إذ يدخل يسوع أورشليم ملكاً للشعب، آتياً على جحش بن أتان. فهو ليس ذاك القويّ والمتكبّر الذي يأتي على الخيول بأسلحة ويرعب الناس، بل جاء بالتواضع الذي يُذهل الجميع. إنّه ابن الله المتجسّد، يدخل بالتواضع إلى أورشليم، كي يعلّمنا أنّ الله هو المحبّة والوداعة والتواضع، كما سمعنا من القراءات، سواء من العهد القديم ومن العهد الجديد”.�وخَلُصَ غبطته إلى أنّ “الرب يسوع يأتي بهذا التواضع كي يعلّمنا أنّه لا يمكن لأحد أن يتكبّر أمام الله، فقد خلقنا الله كلّنا حتّى نكون أولاده المطيعين والمتواضعين والودعاء، كي ندرك كيف ننقل بشارة الخلاص إلى إخوتنا وأخواتنا الذين نعيش معهم، بكلّ محبّة ووداعة”.
وتناول غبطته “الأوضاع الراهنة في لبنان وفي منطقة الشرق الأوسط، نسمع الأخبار التي تكون غالباً أخباراً مرعبة، نسمع بحرب من هنا، وانفجار من هناك، وتعدٍّ على أبرياء من هنالك. علينا اليوم أن نعود إلى ذواتنا، معتبرين أنّه، مهما حصل معنا في حياتنا، فسنبقى أولاد الله الذي يعرف مصائبنا وتحدّيات زماننا التي نعيشها، ويعرف خوفنا وقلقنا أمام المستقبل، ويعرف أيضاً أنّنا نسأله دائماً أن يدافع عنّا وعن الأبرياء، وبشكل خاص أن يحفظ أولانا، أطفالنا وشبابنا، كي يعوا أنّ أمامهم مستقبلاً ليعيشوه من كلّ قلوبهم مع الله، ولينشروا المحبّة والسلام حولهم، وهم يتقدّمون بالعلم والنشاطات الاجتماعية والروحية، فيبقوا أبناء وبنات الكنيسة”.
وأشار غبطته إلى “أنّنا، في السنوات الأخيرة الماضية، كما تعلمون، احتفلنا بعيد الشعانين والتطواف التقليدي في شمال العراق، خاصّةً في قره قوش بسهل نينوى حيث أكبر تجمّع لكنيستنا السريانية الكاثوليكية. لقد قاسى شعبنا هناك الكثير بسبب إرهاب داعش منذ عشر سنوات عام ٢٠١٤، فقد اقتلعوهم من أرضهم بالآلاف، وذهبوا مسبيين ومنفيين إلى كوردستان وباقي المناطق في العراق، وإلى أقطار العالم الأربعة. ونحن نشارك هؤلاء الأهل والأحبّاء في قره قوش التي عانت فواجع كثيرة، كانت آخرها كارثة حريق العرس في أيلول الماضي، والتي ذهب ضحيّتها المئات بين متوفّين وجرحى. نعتزّ بهم جميعاً لأنّهم لا يزالون يحافظون على إيمانهم، ويتواجد معنا اليوم قسم من أولادنا من سهل نينوى، قره قوش، برطلّة، الموصل، ومن بغداد، ونحن نشاركهم الرجاء بعيش حياة كريمة أينما سهّل لهم ربنا الدربَ، في بلاد تحافظ على إيمانهم المسيحي وكرامتهم الإنسانية.
وشدّد غبطته على أنّنا “سنبقى الشعب الذي يرفع أيديه وقلوبه إلى السماء، ويتضرّع إلى الرب ليتحنّن علينا لأنّنا نمرّ بصعوبات كثيرة، ولم نكن نتوقّع أبداً أن تحصل هذه الصعوبات هنا في لبنان، بعدما حصلت في العراق وفي سوريا، واليوم أيضاً الفوضى والقلق والحرب في الأراضي المقدسة، لا سيّما في قطاع غزّة”.
وختم غبطته موعظته سائلاً الله “أن يقوّي إيماننا، ويثبّتنا راسخين بالرجاء، ويجعلنا ناشرين رسالته، رسالة المحبّة والوداعة والسلام أينما كنّا، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة النجاة، وبشفاعة جميع القديسين والشهداء، وبشكل خاص الشهيدين بهنام وسارة، شفيعَي هذه الرعية، كي نبقى دائماً شهوداً للرجاء الذي فينا”.
وفي نهاية القداس، طاف غبطته بزيّاح حبري مهيب داخل الكنيسة ثمّ في ساحاتها، وهو يحمل صليباً مزداناً بأغصان الزيتون، ويسير أمامه الكهنة والشمامسة، يحيط بهم المؤمنون، وبخاصّة الأطفال الذين يحملون الشموع المضاءة احتفالاً بعيد دخول الرب يسوع إلى أورشليم.
بعدئذٍ منح غبطته البركة الختامية بالصليب المزيَّن بأغصان الزيتون من أمام مدخل الكنيسة، وتحلّق حوله الكهنة والشمامسة والمؤمنون، وسط فرح الجميع وسرورهم وهم يحتفلون بهذا العيد العظيم.