في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف من ليل يوم الثلاثاء 24 كانون الأول 2024، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس منتصف ليل عيد ميلاد الرب يسوع، وذلك على مذبح كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه في القداس المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، بمشاركة المونسنيور ميشال حموي الكاهن المساعد في رعية سيّدة البشارة. وخدم القداس بعض طلاب إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية – الشرفة، وجوق الرعية، وبعض أعضاء حركة مار شربل، بحضور ومشاركة جموع من المؤمنين من أبناء الرعية.
في بداية القداس، أقام غبطته الرتبة الخاصّة بعيد الميلاد بحسب الطقس السرياني الأنطاكي. وفي نهايتها، رنّم غبطته الإنجيل المقدس، وخلاله أشعل ناراً في موقدة، وزيّح فوقها الطفل يسوع. ثمّ قام بتطواف في الكاتدرائية حاملاً الطفل يسوع، يتقدّمه الإكليروس، فيما الجوق ينشد تسبحة الملائكة “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر”، وترانيم الميلاد. وبعد ذلك، وضع غبطتُه الطفلَ يسوع في المكان المُعَدّ كمذود داخل المغارة التي نُصِبَت بجانب المذبح.
وبعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة البطريرك موعظته بالتحيّة الميلادية “وُلِدَ المسيح، هللويا”، وجاءت الموعظة بعنوان: “كانت مريم تفكّر وتحفظ كلّ ذلك في قلبها”، معبّراً عن “الفرح الروحي الذي يعمّ العالم في هذا العيد المجيد، عيد تجسُّد كلمة الله كطفل بيننا، وكلّنا نحتاج أن نفكّر ونتأمّل بهذا السرّ العظيم. إنّ قدومكم اليوم إلى هذه الكاتدرائية كي تشاركوا بالقداس وفرحة العيد دليل وتعبير عن إيمانكم الراسخ بأنّ الرب صار مثلنا إنساناً حتّى يرفعنا إليه ويذكّرنا أنّنا أبناء وبنات الله”.
ونوّه غبطته إلى أنّه “قبل 600 سنة من ولادة يسوع، تنبّأ النبي إشعيا عن مجيئه، عن ولادته كنور يشرق في الظلمة، مثلما تنبّأ أيضاً عن آلامه وموته على الصليب. النور هو الرب يسوع ذاته، وعندما يضيء النور، يزيل عنّا الخوف والقلق والشكّ، وينير قلوبنا كي يذكّرنا أنّنا لم نُخلَق لهذه الأرض الفانية حيث تنتشر كلّ الأزمات والقلاقل والاضطرابات والظلمة، لكنّنا خُلِقْنا لنور السماء. ومار بولس يعبّر في رسالته إلى أهل غلاطية، والتي تُلِيَت على مسامعنا في هذا القداس، أنّ الرب كلّم البشر، وكلّمنا في آخر الزمان، أي عندما حان الوقت، بابنه. لذلك نسمّي يسوع كلمةَ الله، الكلمة التي تكشف لنا عن حقيقة الله الخالق والمدبّر”.
ولفت غبطته إلى أنّنا “سمعنا جميعنا هذا الحدث العجيب، كيف تمّت ولادة الطفل يسوع في بيت لحم اليهودية، عندما ذهب يوسف ومريم كي يكتتبا في هذه المدينة حيث عائلتهما مسجَّلة، وهما من بيت داود. وسمعنا كيف بشّر الملاكُ الرعاةَ البسطاءَ الذين كانوا يسهرون على قطعانهم في الليل، معلناً: وُلِدَ لكم اليوم مخلّص، ومع الملاك ظهر ملائكة ينشدون النشيد الذي نردّده في مناسبات كثيرة وفي صلواتنا الطقسية كلّ صباح: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر”.
وأكّد غبطته على أنّه “مهما قلنا لا نستطيع أن نُبرِز هذه الحاجة الماسّة التي نتوق إلى الحصول عليها في هذه الأيّام خاصّةً، وهي السلام. فنحن نعلم جيّداً ما يجري هنا في لبنان، وفي منطقة الشرق الأوسط، لا سيّما في سوريا. كلّنا نحنّ ونشتاق إلى السلام، لكنّ السلام لن يمنحنا إيّاه البشرُ، ونحن نجاهر بذلك بألم وحزن، لأنّ السياسيين غالباً ما يفكّرون بمصالحهم الخاصّة. السلام هو عطيّة من الله، عطيّة من السماء. المجد لله في الأعالي، وهو الله الذي يعطينا على الأرض السلام، ومع السلام يفيض فينا بفضيلة الرجاء التي نحتاجها كثيراً، وهي فضيلة إلهية تعني أنّنا نضع كلّ ثقتنا بالرب يسوع الإله المتأنّس الذي يعطي معنى لحياتنا ويساعدنا كي نتحمّل أوجاعنا وآلامنا، ويقوّينا حتّى نقبل الأزمات، أكانت نفسية أو عائلية أو اجتماعية، أو وطنية.
وختم غبطته موعظته ضارعاً “إلى الرب يسوع، رئيس السلام، أن يملأ قلوبنا جميعاً بهذا الرجاء، كي نستطيع أن ننشر الرجاء حولنا على الدوام، ونمنحه لأولادنا وشبابنا، حتّى يتذكّروا أنّ الرب صار مثلنا إنساناً. فلنقبله نحن أيضاً إلهاً ومخلّصاً، ولنتبعه مهما كانت الصعوبات في الحياة، بشفاعة أمّنا مريم العذراء ومار يوسف وجميع القديسين”.
وبعدما منح غبطة البطريرك البركة الختامية، تقبّل التهاني بالعيد من المؤمنين في جوّ من الفرح الروحي.