غبطة البطريرك يونان: “خلاص لبنان أولاً يتمّ بالخطوة الأولى، والتي هي وجوب أن يكون المسيحيون متّحدين، ويعتبروا أنّ الله وضع هذا البلد الصغير أمانةً بين أيدينا. لذا علينا أن نترفّع عن كلّ شيء خاصّ بنا، كي نسعى كلّ جهدنا للمحافظة على مركز رئيس الجمهورية المسيحي، ولا سيّما وأنّ لبنان هو البلد الوحيد بين بلدان الشرق الأوسط حيث هناك مجال لانتخاب رئيس مسيحي للجمهورية”
في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد 31 آذار 2024، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس عيد القيامة المجيدة ورتبة السلام، في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان، بمشاركة الأب سعيد مسّوح نائب مدير إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية بدير الشرفة وقيّم الدير. وخدم القداس جوق إرسالية العائلة المقدسة، بحضور ومشاركة جموع غفيرة من المؤمنين من أبناء مختلف الرعايا في أبرشية بيروت البطريركية، ومن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين، ضاقت بهم الكنيسة.
بدايةً، أعلن غبطته بشرى قيامة الرب يسوع من بين الأموات. ثمّ أقام رتبة السلام التي يتميّز بها احتفال عيد القيامة، مانحاً السلام إلى الجهات الأربع. وطاف غبطته في زيّاح حبري داخل الكنيسة، حاملاً الصليب المزيَّن براية بيضاء علامةً للنصر الذي حقّقه الرب يسوع بقيامته الظافرة وغلبَتِه على الموت، ليحتفل غبطته بعد ذلك بقداس العيد.
وفي موعظته في نهاية رتبة السلام، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بتحيّة المعايدة التقليدية “المسيح قام حقّاً قام”، متأمّلاً “بعيد القيامة الذي هو أعظم أعيادنا كلّ السنة. ففيه نحتفل بقيامة الرب، وانبعاثه حيّاً من القبر، وانتصاره على الموت، وثمرة الموت الخطيئة، كما أنشدنا وصلّينا. نعم، في رتبتنا في كنيستنا السريانية في عيد القيامة، ننشد يسوع النور المنبعث من القبر، ونمجّده ونشكره، ونصلّي أيضاً من أجل السلام الذي أعطانا إيّاه”.
ونوّه غبطته إلى أنّ “الكلمة الأولى التي قالها يسوع للتلاميذ: السلام معكم. في كنيستنا السريانية نخصّص رتبة القيامة للصلاة من أجل السلام، السلام في داخل الإنسان المؤمن، السلام مع الله تعالى، السلام مع القريب، السلام للبيعة، السلام للقريبين والبعيدين. كما نفهم أنّنا مهما صلّينا وتأمّلنا، فندرك أنّ السلام عطيّة من الله، وإذا ظلّ الإنسان أنانيّاً ويفكّر بمصلحته وبما يريد أن يحقّقه في العالم من مادّيات فقط، سيكون إنساناً بعيداً عن السلام، وسيستغلّ القريبَ لمصالحه الشخصية”.
ولفت غبطته إلى أنّه “هكذا للأسف، فالبعض، حتّى بين المسيحيين، يفكّرون فقط بمصلحتهم بدل أن يفكّروا بمصلحة الغير أيضاً، والمثال كما نعرف في لبنان، حيث كان يجب على المسيحيين أن يكونوا متّحدين، ويقرّوا أنّ خلاص لبنان هو بوحدة المسيحيين، ويسبّقوا مصلحة وخير البلد على مصالحهم، أكانت شخصية أو عائلية أو حزبية. فلا نغشّ نفسنا، ليس هناك من وجود في بلاد الشرق لما يُسمَّى ديمقراطية بحسب الطريقة المفهومة في الغرب. لا تزال الطائفية هي التي تحكم، والبرهان هو الأحداث التي تحصل، كما في الأراضي المقدسة، وبشكل خاصّ في قطاع غزّة، وللأسف نعلم جيّداً أنّ الطائفية هي التي تتحكّم بنفوس الكثيرين من الشعوب والحكومات”.
وشدّد غبطته على أنّ “خلاص لبنان أولاً يتمّ بالخطوة الأولى، والتي هي وجوب أن يكون المسيحيون متّحدين، ويعتبروا أنّ الله وضع هذا البلد الصغير أمانةً بين أيدينا. لذا علينا أن نترفّع عن كلّ شيء خاصّ بنا، كي نسعى كلّ جهدنا للمحافظة على مركز رئيس الجمهورية المسيحي، ولا سيّما وأنّ لبنان هو البلد الوحيد بين بلدان الشرق الأوسط حيث هناك مجال لانتخاب رئيس مسيحي للجمهورية. هذه هي الأولوية، كما نعلم جميعنا، فوق كلّ ما نفكّر ونعتقد به، فيما نجد كلَّاً من المسؤولين يقول إنّ الدستور معه، أي هل أنّ الدستور سيكون مع الجميع؟ بالطبع لا، فهذا يعني أنّه ليس مع أيٍّ منهم”.
وأشار غبطته إلى أنّ “المسيح حمل إلينا السلام، ومن هنا، أيّها الأحبّاء، فإنّنا فخورون بأبنائنا وبناتنا المهجَّرين من العراق الذين جمعوا بعضهم وأتوا كي يشتركوا معنا ومع إخوتهم وأخواتهم في رعايا أبرشية بيروت البطريركية في قداس ورتبة السلام في عيد القيامة. ونحن جميعنا نعرف المعاناة التي يعيشونها، لأنّ هذا الانتظار والانتقال من أرض الآباء والأجداد إلى حيث لا ندري، ليس بالأمر السهل، لذا يجب أن نجدّد ثقتنا دائماً بالرب يسوع القائل: ثقوا، أنا قد غلبتُ العالم”.
وأكّد غبطته على أنّنا “نحتاج إلى الرجاء النابع من الرب كي نتابع حياتنا ونتمكّن من أن نُفهِم أولادنا الصغار والشباب أنّه لا يجب أن نستسلم لليأس، وأنّه مهما حدث في حياتنا، سنبقى أبناء وبنات الله. صحيح الكلام سهل، ولكن، كي نعيشه، نحتاج إلى تضحيات وإلى رجال ونساء وآباء وأمّهات وأزواج وزوجات يعرفون أن يضحّوا، وأن يلتقوا مع بعضهم البعض بالصبر والتسامح، كي يعطوا نوعاً من الرجاء لأولادهم، فلا يجب أن يخاف الأولاد أمام المستقبل”.
وتضرّع غبطته إلى الرب يسوع “ملك السلام، كي يباركنا جميعاً، ويحلّ أمنه وسلامه في العالم أجمع. نسمع بالأخبار المؤلمة التي تحدث، أكان في جنوب لبنان، أو في الأراضي المقدسة وقطاع غزّة، أو في سوريا وبعض البلدان العربية، كما أيضاً في أماكن بعيدة عن منطقتنا، في روسيا وأوكرانيا، حيث نجد شعبين مرتبطين بالإيمان واللغة والإتنية، ورغم ذلك فَهُما يتقاتلان منذ أكثر من سنتين. أيّ مثلٍ نعطي عندما نستسلم إلى هذه السياسة الهدّامة؟ خاصّةً عندما نسمع ونقرأ أنّ البلدان الغربية التي تبغي بيع السلاح، تقوم بتغذية هذه الحرب، ولا تسأل عن الآلاف من القتلى والملايين من النازحين والمهجَّرين الذين تتسبّب بهم هذه الحرب”.
وختم غبطته موعظته مجدِّداً “ثقتنا بالرب يسوع، وإليه نبتهل: يا رب، صحيح ليس من السهل أن يحلّ الأمن والسلام في العالم، لكنّنا نثق أنّه ليس عندك أمر مستحيل. قوِّنا نحن أيضاً كي نظلّ هذه العائلة الروحية التي تفتخر بكَ، أنتَ الإله المنبعث من القبر، أنتَ إله السلام الذي يجمعنا، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، والقديس مار اغناطيوس النوراني الشهيد، وجميع القديسين الشهداء”.
وقبل البركة الختامية، تكلّم المونسنيور حبيب مراد، فوجّه التهاني البنوية باسم جميع الحاضرين إلى غبطته بمناسبة عيد القيامة المجيدة، سائلاً الله أن يديمه ويحفظه بالصحّة والعافية، ويغزر فيضَ البركات على خدمته البطريركية ورعايته الصالحة للكنيسة في كلّ مكان، مهنّئاً أيضاً جميع الحاضرين بهذا العيد العظيم، وضارعاً إلى الرب يسوع كي يباركهم، ويؤهّلنا جميعاً لننشر فرح القيامة حولنا كلّ حين.
وفي نهاية القداس، هنّأ غبطةُ أبينا البطريرك الأساقفةَ والكهنةَ والإكليروسَ والمؤمنين في كلّ أنحاء العالم بعيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات. ثمّ منح غبطته الجميعَ البركة الرسولية عربوناً لمحبّته الأبوية.
وبعدئذٍ استقبل غبطته الإكليروس والمؤمنين في الصالون البطريركي، وفي مقدّمتهم صاحب السيادة مار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، والأب ديفد ملكي كاهن رعية مار بهنام وسارة – الفنار، ووفود من مختلف الرعايا، فنالوا بركته الأبوية، مقدّمين التهاني بمناسبة عيد القيامة المجيدة.