في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الجمعة 13 أيلول 2024، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد الصليب المقدس، وذلك على مذبح كنيسة العائلة المقدسة، في سدّ البوشرية – المتن، لبنان.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان. وخدم القداس شمامسة الإرسالية، وأعضاء الجوق، بحضور ومشاركة جمع غفير من المؤمنين من أعضاء الإرسالية.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ البطريرك كلامه “بنشيد من فرض الليل لعيد الصليب المقدس بحسب الطقس السرياني: ܥܰܠ ܩܰܝܣܳܐ ܕܰܨܠܺܝܒܳܐ ܐܶܬܬܪܺܝܡ ܐܰܠܳܗܳܐ ܘܰܫܦܰܪ ܠܶܗ܆ ܠܶܗ ܬܶܫܒܘܚܬܳܐ ܗܰܘ ܕܰܠܥܶܠ ܡܶܢ ܓܳܓܽܘܠܬܳܐ ܣܰܝܒܰܪ ܚܰܫ̈ܶܐ ܒܨܶܒܝܳܢܶܗ܆ ܟܽܠܰܢ ܢܶܣܓܽܘܕ ܘܰܕܠܳܐ ܫܰܠܘܳܐ ܢܪܰܡܪܶܡ، وترجمته: على خشبة الصليب ارتفع الرب الإله لأنه حَسُنَ لديه، له المجد، هو الذي احتمل الآلام بإرادته فوق الجلجلة، له نسجد كلّنا ونعظّمه بلا انقطاع”.
ونوّه غبطته إلى أنّ “اليوم ليلة عيد الصليب، هذا العيد الذي احتفلت به الكنيسة منذ 1400 سنة بحادثة مهمّة تمّت في أوائل القرن السابع، حين أنقذ الأمبراطور المسيحي خشبة الصليب، وأعاده بعد أن كان قد أُخِذَ عنوةً إلى بلاد فارس. ومنذ ذاك الحدث، كانوا يحملون خشبة الصليب، ويطوفون المدن والقرى، وكان المسيحيون يحتفلون بالبهجة والفرح، لأنّ الصليب الذي هو علامة خلاصنا أُنقِذَ من أيدي الناس الذين لم يكونوا بعدُ مؤمنين. من هنا تُقام حادثة إشعال النيران على الأسطحة احتفالاً بعودة خشبة الصليب”.
ولفت غبطته إلى أنّنا “نفتخر بالصليب، كما قال مار بولس، فصحيحٌ أنّنا ضعفاء ومسالمون، لكنَّ الغلبة هي للرب يسوع الذي رضي وارتفع على الصليب، أي الذي قَبِلَ الآلام والموت على الصليب. وها هو سرّ الحياة المسيحية يتجلّى بشكل خاص في قول يسوع: من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه، وذلك ليس فقط بالكلام والمظاهر، بل بعيش الصليب، صليب الآلام على درب الصليب، على غرار الرب يسوع”.
وأشار غبطته إلى أنّنا “كنّا، منذ شهرين، كما تعلمون، في زيارة راعوية إلى أستراليا، وهناك التقينا بأولادنا، وكانت فرصة لنفرح، لأنّ أولادنا أخيراً وصلوا إلى ميناء الخلاص، أكان في أستراليا أو في نيوزيلندا. لكنّ هذا الفرح يشوبه أيضاً نوع من الحزن، لأنّ أرض آبائنا وأجدادنا تفرغ”.
وتوجّه غبطته إلى المؤمنين بالقول: “أنتم، أحبّاءنا، تأتون إلى الكنيسة لأنّكم أبناء وبنات لمؤمنين صالحين، أكانوا آباءً أو أمّهاتٍ، أجداداً أو جدّاتٍ، أعطوكم هذا الإيمان الذي هو قوّة ونعمة لكم، كي تستطيعوا أن تتحمّلوا الصعوبات التي لا يعيشها كثيرون من المؤمنين في هذه البلدان، أكان في لبنان والعراق وسوريا، ولكنّكم أنتم تعيشونها، لا نقول منذ أشهر، بل حتّى منذ سنوات، تعيشونها ونعيشها معكم. لكن، مهما كانت الآلام والضغوطات، نعيشها بالرجاء، كما سمعنا من الإنجيل المقدس، لأنّه مهما عصفت الرياح، ومهما كَثُرَت المآسي في عالمنا وفي أرضنا، ومهما كان، سنبقى شعب الرجاء، وسنقدّم لربّنا كلّ تضحياتنا وآلامنا، وحتّى أحياناً شعورنا باليأس، كي يقوّينا لنبقى أمناء له ولكنيسته”.
وتضرّع غبطته “إلى الرب يسوع، هو المصلوب الذي خلّصنا بصلبه وموته وقيامته، كي يمنحنا هذه النعمة، نعمة الثبات بمحبّته وبمحبّة الكنيسة. ولا تنسوا أنّ كنيستنا السريانية تكرّم الصليب، فَنَسِمه على وجوهنا وصدورنا، ونفتخر به على الدوام، حتّى عندما نرنّم ܩܰܕܺܝܫܰܬ ܐܰܠܳܗܳܐ (التقديسات الثلاثة)، كان آباؤنا وأجدادنا يذكرون عبارة ܕܶܐܨܛܠܶܒܬ ܚܠܳܦܰܝܢ ܐܶܬܪܰܚܰܡ ܥܠܰܝܢ يا من صُلِبتَ لأجلنا ارحمنا. فالصليب هو حقيقةً علامة الغلبة والتأكيد على خلاص المؤمنين، مهما اشتدّت عواصف الحياة”.
وختم غبطته موعظته سائلاً “الرب يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا العذراء مريم، وجميع القديسين والشهداء، أن يرافقنا في حياتنا ويشدّدنا ويثبّتنا على الإيمان به، مهما عصفت الرياح، حتّى نستطيع أن نصل إلى ميناء السلام”.
وقبل نهاية القداس، وجّه الأب كريم كلش كلمة شكر بنوي إلى غبطته، معرباً عن الفرح الكبير بالبادرة الأبوية الرائعة التي قام بها غبطته بترؤّس الاحتفال بهذا العيد المبارك، ممّا أضفى بهاءً وجمالاً على هذا الاحتفال، مغتنماً الفرصة لتقديم التهنئة إلى غبطته، باسم إرسالية العائلة المقدسة، بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة والخمسين على سيامته الكهنوتية، والتي تمّت في 12 أيلول 1971، داعياً لغبطته بالصحّة والعافية والعمر المديد في رعاية الكنيسة وأبنائها في كلّ مكان، بما حباه الله من مواهب ثمينة ومحبّة أبوية ورعاية صالحة.
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، انتقل بزيّاح حبري مهيب إلى الساحة الخارجية، حيث أقام تشمشت (خدمة) الصليب، وأوقد الشعلة المُعَدَّة بمناسبة عيد الصليب المقدس، وبارك المؤمنين في جوّ من الفرح الروحي بهذه المناسبة المباركة.