في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد ١٦ حزيران ٢٠٢٤، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة الأحد الرابع بعد العنصرة، وذلك في كنيسة القديس مار اسحق الأنطاكي السريانية الكاثوليكية في مدينة ستراسبورغ Strasbourg – فرنسا.
بدايةً، قام غبطته بقصّ الشريط الأبيض، معلناً بذلك عن افتتاح هذه الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وتكريسها على اسم القديس مار اسحق الأنطاكي، وسط هتافات الفرح والتهاليل التي علت من حناجر المؤمنين تعبيراً عن اعتزازهم بهذه الكنيسة.
عاون غبطتَه أصحابُ السيادة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق، ومار يعقوب جوزف شمعي رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب أنيس شعبو كاهن الإرسالية. وخدم القداس شمامسة الإرسالية وأعضاء الجوق.
وشارك في القداس أيضاً صاحب السيادة Marc STENGER مطران أبرشية Troyes اللاتينية سابقاً، ورئيس منظَّمة Pax Christi، والأب Jean-Baptiste رئيس دير الرهبان الدومينيكان في ستراسبورغ.
كما شاركت في القداس جموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الإرسالية السريانية الكاثوليكية في ستراسبورغ، غصّت بهم الكنيسة على رحبها، وقد قَدِموا وهم ممتلئون فرحاً وسروراً، ومتلهّفون لرؤية غبطته ونيل بركته الأبوية، والمشاركة في القداس في كنيستهم الجديدة.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة البطريرك كلامه بالقول: “لا نستطيع أن نعبّر لكم عن فرحتنا في هذا اليوم المبارك، الأحد الرابع بعد عيد العنصرة وحلول الروح القدس، أن نأتي إلى كنيستكم، كنيسة القديس مار اسحق الأنطاكي، هذه الكنيسة التي استطاع الأب أنيس شعبو والمؤمنون الملتزمون في كنيسته أن يحصلوا عليها كي تكون كنيستكم، وهي، كما قلنا وكما نرى، كنيسة جميلة، وتقع في مكان مميَّز، وهي خاصّة بكم أيّها الأحبّاء. إنّها لفرحة كبيرة لنا ولإخوتنا رؤساء الأساقفة المرافقين لنا والمشتركين معنا في هذه الذبيحة الإلهية، أن نكون معكم في هذا الاحتفال المبارك وفي هذه الكنيسة التي نقدّس فيها لأول مرّة، ألف مبروك لنا جميعاً”.
ونوّه غبطته إلى أنّنا “سمعنا مقطعاً من رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، فقد كتب بولس رسالتين إلى جماعة كورنثوس، وهي مدينة لا تزال قائمة إلى اليوم في اليونان. يذكّر بولس المؤمنين بأمرٍ عشناه نحن ككنيسة سريانية في السنوات الأخيرة، ولا نزال نعيشه. كان أهل كورنثوس يعيشون أوضاعاً حسنة وجيّدة، لا ينقصهم الطعام ولا السلام، لكن، يعتبر بولس أنّ الرسل، وهو أحدهم، الذين تعهّدوا أن يكونوا تلاميذ المسيح، يبدو وكأنّهم حمقى، لأنّهم يتبعون المسيح الذي لا يريد الكثيرون أن يتبعوه. لذا، على الرسول الذي يودّ أن يبقى حقّاً أميناً للرب يسوع، ألا يقبل فقط الصعوبات ويواجه التحدّيات، إنّما عليه أن يقبل أيضاً أن يحتمل الاضطهادات”.
ولفت غبطته إلى أنّه “في نصّ الإنجيل الذي تُلِيَ للتوّ على مسامعنا، سمعنا عن أعجوبة تكثير الأرغفة الخمسة والسمكتين التي صنعها يسوع، علامةً على رحمته نحو الذين أمضوا النهار كلّه يتبعونه ويصغون إلى تعاليمه. ونحن نرى كيف أنّ التلاميذ كانوا يرغبون أن يغادر هؤلاء الناس لأنّهم تعبوا جراء وجودهم معهم النهار كلّه، ولعلّه من الأفضل لهم أن يغادروا ويجدوا لهم طعاماً. أمّا يسوع، فطلب من تلاميذه أن يعطوهم هم ليأكلوا، ولم يكن لدى الرسل حينها سوى خمس خبزات وسمكتين، فصنع يسوع هذه الأعجوبة العظيمة والباهرة علامةً لرحمته الإلهية”.
وتوجّه غبطته بالتهنئة الأبوية من المؤمنين “لأنّكم أتيتم إلى هنا رغم المعاناة في بلادنا الشرقية، وبشكل خاصّ في العراق، بعد تلك المآسي، جئتم إلى هنا في ستراسبورغ، حيث حصلتم على السلام والحياة المطمئنّة والكرامة الإنسانية والحرّية الدينية، وهذا ما نشكر الله عليه. أمّا إخوتكم وأخواتكم في الشرق، فأنتم تعرفون جيّداً أوضاعهم، وما يمرّون به من صعوبات. صحيح، نتمنّى أن يبقى الجميع في أرض الآباء والأجداد في الشرق، هذه الأرض التي ارتوت بدماء الشهداء وبعرق المؤمنين المخلصين لوطنهم ولأرضهم. لكن، من ناحية أخرى، نعرف الظروف التي تلمّ وتحيط بحياة كلّ واحد منكم، ونحترم حرّيتكم. ومن هنا نتذكّر مار بولس الذي يوصينا: عليكم أن تفكّروا بإخوتكم وأخواتكم، ليس فقط من ناحية القرابة الدموية، ولكن بشكلٍ خاصّ من ناحية الإيمان والتراث”.
وجدّد غبطته الشكر للجميع، معرباً عن “افتخارنا بكم لأنّكم أتيتم إلى هنا وأنتم تحافظون على إيمانكم المسيحي والتراث العريق لكنيستكم السريانية، كما أنّكم مستعدّون كي تجابهوا كلّ التحدّيات في هذا المجتمع الجديد، ولا سيّما في موضوع تربية الأولاد ومرافقة الشبيبة. لذا، بمعونة الرب، ستستطيعون ذلك، لأنّ الرب يسوع لا يترككم، وهو يريد أن يبقى دائماً، كما وعد، معنا إلى الأبد”.
وختم غبطته موعظته معلناً “نبأً سارّاً، هو نوع من المفاجأة: تقديراً للأتعاب والتضحيات التي قدّمها الأب أنيس شعبو، وأنتم تعرفون أنّه ليس من السهل أن يقوم كاهن بخدمة كنائس الإنتشار، أي خارج كنائسنا ومجتمعاتنا في الشرق، في هذه الظروف الأليمة الصعبة التي عشتموها وتعيشونها. لقد قدّم كلّ ما يقدر من المحبّة والإيمان الثابت والرجاء الراسخ بالرب يسوع، وأراد ويريد أن يستمرّ بخدمتكم. لذلك رأينا، بسلطاننا البطريركي الرسولي، أن ننعم عليه بلبس الصليب المقدس والخاتم، كي يتابع خدمته بالفرح والتفاني، فيلبسهما في الاحتفالات الليتورجية وفي تمثيله كنيستنا لدى الكنائس الأخرى. ألف مبروك”.
وبعد الموعظة، أقام غبطة أبينا البطريرك تشمشت (خدمة) الصليب المقدس بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، قام خلالها غبطته بإلباس الأب أنيس شعبو الصليب المقدس والخاتم، تقديراً لخدمته المتفانية، في جوّ من البهجة، ووسط التصفيق الحارّ.
وقبل البركة الختامية، ألقى المونسنيور أنيس شعبو كلمة قدّم خلالها الشكر الجزيل لغبطة أبينا البطريرك “لمجيئكم من بعيد إلى هنا في ستراسبورغ من أجل نفقُّد أبناء وبنات رعيتكم، وأشكركم خاصّةً لتثمينكم وتقديركم أعمالي وخدمتي هنا في ستراسبورغ منذ ثماني سنوات، وفي بوزانسون وبلفورت، وأنا غير مستحقّ للبس هذا الصليب والمقدس والخاتم، لستُ مستحقّاً أبداً لأيّ شيء، ولم يخطر ببالي ذلك في يوم من الأيّام أبداً، وقد تخلّيتُ عن كلّ شيء كوني راهب في الرهبانية الدومينيكية. أشكركم، يا صاحب الغبطة، من كلّ قلبي على كلّ الخدمة الباذلة والمتفانية التي تؤدّونها للكنيسة السريانية في كلّ مكان، بالرعاية الصالحة والمباركة، من أجل تمجيد اسم الرب وخلاص المؤمنين، وأسأل الله أن يديمكم ويمتّعكم بالصحّة والعافية”.
ووجّه الشكر إلى أصحاب السيادة والآباء الكهنة وجميع المؤمنين، طالباً منهم أن يصلّوا من أجله كي يعضده الرب ويبارك خدمته.
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، انتقل الجميع إلى قاعة الكنيسة، حيث التقى غبطته بالمؤمنين الذين تحلّقوا حوله في لقاء الأب بالأبناء، في جوّ من الفرح الروحي.