في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد 23 حزيران 2024، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة الأحد الخامس بعد عيد العنصرة، وذلك في كنيسة مار أفرام السريانية الكاثوليكية في مدينة باريس Paris – فرنسا.
عاون غبطتَه أصحابُ السيادة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق، ومار يعقوب جوزف شمعي رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب بيار النادر كاهن الرعية. وخدم القداس شمامسة الرعية وأعضاء الجوق.
وشارك في القداس صاحب السيادة المطران بيتر كرم المدبّر الرسولي لأبرشية سيّدة لبنان في فرنسا للموارنة، والأب Jean-Marie HUMEAU مساعد النائب العام لشؤون الكاثوليك الشرقيين في فرنسا.
وتقدّم المشاركين في القداس سعادة السفير العراقي في فرنسا السيّد وديع بطّي وعائلته، كما شاركت جموع غفيرة من المؤمنين غصّت بهم الكنيسة وساحتها، وقد حضروا بفرح وشوق لنيل بركة غبطته والمشاركة في هذا الاحتفال الروحي المبارك.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان “الذي يريد أن يكون الأول بينكم، فليكن خادماً لكم”، نوّه غبطة أبينا البطريرك إلى أنّنا “كبشر نحن ميّالون إلى الإعتداد بالنفس وإظهار ذواتنا أمام الآخرين، وقد أعلن مار بولس للكورنثيين، بأنّ ملكوت الله ليس بالكلام بل بالأفعال، ونحن أتباع الرب يسوع مدعوون كي نعيش إيماننا، وليس أن نتكلّم عنه فقط. علينا أن نعيش إيماننا بالرب يسوع – الإله المتجسّد، وألا نشعر أبداً بالخجل من الإعتراف به ربّاً ومخلّصاً. فالله تعبده عشرات بل مئات وآلاف الديانات، لكن نحن المسيحيين، نحن أتباع الرب يسوع، إله المحبّة، والذي تجسّد بالمحبّة وخلّصنا، وافتدانا بموته على الصليب وقيامته بالمجد”.
ولفت غبطته إلى أنّنا “بفرح كبير نأتي لنزوركم مرّة أخرى، ونحن ممتنّون لصاحب السيادة المطران بيتر كرم الذي يشارك معنا في هذا القداس اليوم، والآباء الكهنة. لقد دعَوْنا إخوتنا الأساقفة وطلبنا منهم أن يرافقونا في زيارتنا هذه، كي يكونوا ملمّين بأحوال الكنيسة في كلّ مكان، لا سيّما في بلاد الانتشار، وخاصّةً هنا في فرنسا. لقد زرنا منذ عشرة أيّام خمس إرساليات سريانية كاثوليكية في فرنسا: في ستراسبورغ وبوزانسون وبلفورت ومرسيليا وليون، وسنتابع في الأيّام القادمة زياراتنا الراعوية إلى إرساليات تور ونانت وبواتييه وليلّ، لننتهي مع زيارة رئيس أساقفة باريس”.
وأشار غبطته إلى أنّنا “كما ترون، لقد تشتَّتْنا، وتعرفون لماذا، فالمؤمنون لم يتركوا بلادهم لأنّهم بحاجة للغذاء أو للخبز اليومي، بل كانوا يعيشون بالولاء والأمانة لبلادهم، إلى أن اقتُلِعوا وطُرِدوا من أرضهم الأمّ. لذلك نطلب منهم أن يجدّدوا ثقتهم الكاملة بالرب يسوع، فهو الذي يرافقهم، وهو الذي يمنحهم دائماً نعمة البقاء أمناء له”.
وعبّر غبطته عن فرحه “بلقاء قرابة عشرين طفلاً من أطفال الرعية لدى وصوله، وكما سمعنا من الإنجيل المقدس بحسب القديس مرقس، أنّ الرب يسوع حمل طفلاً بين يديه، وأظهر لتلاميذه أنّ عليهم أن يحبّوا الأطفال كما يحبّونه هو. وهذا هو معنى العائلة المسيحية التي يجب أن تكون مؤلَّفة من أب وأمّ وأولاد، وهذا ما علينا نحن ككنيسة من واجب أن ننشره ونلفت انتباه المؤمنين إليه. العائلة مهمّة جداً كي تنمو الكنيسة وتبقى شاهدةً للإنجيل”.
وأعرب غبطته عن سروره الكبير “أن نلتقي بكم مرّة أخرى هنا في كنيسة مار أفرام السرياني في باريس، وسنحتفل في العام القادم 2025، إن شاء الله، بالمئوية الأولى على تأسيس كنيسة مار أفرام، وهي من أولى الكنائس الشرقية الكاثوليكية التي تأسّست في باريس، بمساعٍ من المثلَّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني رحماني آنذاك، وبمتابعة من المثلَّث الرحمات البطريرك الكردينال مار اغناطيوس جبرائيل الأول تبّوني، والذي كان صديقاً لفرنسا، حتّى أنّه، قبل أكثر من سبعين سنة، احتفل البطريرك تبّوني بالقداس عام 1950 في ال Invalid، وشارك حينها المونسنيور جبرائيل الخوري سركيس والأب شمعون جرجي الذي كان يختصّ بالموسيقى، وقد أنشدا وخدما القداس، وشارك أيضاً أعضاءٌ من الOpera de Paris أدّوا الأناشيد السريانية”.
وقدّم غبطته الشكر “لفرنسا عامّةً، ولإخوتنا وأخواتنا الكاثوليك الفرنسيين خاصّةً، والذين استقبلوا أبناء كنيستنا السريانية القادمين إلى فرنسا، وتضامنوا معنا بروح مسيحية أظهروها باستقبال الكثيرين منّا في عائلاتهم، ومساعدتهم للتأقلم بالحفاظ على كرامتهم وعلى تراثهم العريق والقديم، بكامل الحرّية الإيمانية والكرامة الإنسانية”.
واعتبر غبطته “أنّ الكاهن مدعوٌّ للخدمة، كما سمعنا من الإنجيل المقدس: الذي يريد أن يكون الأول، عليه أن يحسب نفسه الأخير والخادم. فإنّ الأب بيار النادر خدم كنيسته بحبّ وأمانة، سواء في لبنان، وفي بلجيكا، وحالياً في رعية مار أفرام السرياني في باريس. لذا قرّرنا بسلطاننا البطريركي الرسولي أن نمنحه إنعام لبس الصليب المقدس والخاتم في الاحتفالات الليتورجية وفي المناسبات الرسمية. ألف مبروك، مع التمنّيات له بخدمة مثمرة بالمزيد من العطاء والتفاني”.
وختم غبطته موعظته ضارعاً “إلى الرب يسوع كي يباركَنا جميعاً، ويبارك صغارنا وشبابنا وعائلاتنا، ويبارك هذه الرعية العزيزة، برعاية أبونا بيار والمجلس الراعوي الذي يعاونه، وأن يجعلنا جميعاً تلاميذ حقيقيين له على الدوام”.
وكان الأب بيار النادر قد ألقى كلمة استهلّها بالتعبير عن “الفرح الكبير والمتجدِّد باستقبال غبطتكم وأصحاب السيادة والآباء الكهنة، باسمي الشخصي، وباسم أعضاء الرعية، والذين يعتزّون جميعاً بوجود غبطتكم بينهم”، لافتاً إلى أنّ “رعية مار أفرام في باريس هي بمثابة محطّة تاريخية للسريان الكاثوليك، بسبب عراقتها في القِدَم، سواء بالنسبة لكنيستنا السريانية في فرنسا، أو في أوروبا الغربية، وهي ستبقى دائماً أمينةً لتقليدها الكنسي وتراثها السرياني، وشاهدةً للغنى الروحي والفكري للعالَم السرياني، وقد جرى التعبير عن ذلك من خلال مجلّة الفكر السرياني L’Orient Syrien التي كان يديرها المونسنيور جبرائيل الخوري سركيس”.
وتناول “الأحداث الأليمة التي حلّت بالشرق الأوسط، وغيّرت حياة رعية مار أفرام في باريس، فازداد عدد المؤمنين، بانضمام عدد من العائلات المقتلَعة من أرضها. وكثرت الاحتياجات الروحية والراعوية، وتعدّدت النشاطات والفعاليات، لا سيّما التعليم المسيحي للأولاد، ودروس اللغتين السريانية والعربية، بجهود عدد من الغيارى من أعضاء الرعية. فأضحت رعية مار أفرام فاعلةً ومليئةً بالرجاء، بما فيها من طاقات، إضافةً إلى شمامستها وجوقتها الأمينة على التراث وصاحبة الخبرة، ويعضد الكاهنَ أعضاءُ المجلس الراعوي الذين يعملون بتفانٍ وإخلاص من أجل ازدهار الرعية”.
وثمّن “حضورَ غبطة أبينا البطريرك بيننا اليوم، ورعايته الأبوية ودعمه المطلَق ومتابعته الحثيثة وعنايته المستمرّة برعيتنا، بالرغم من مشاغله الكثيرة والتحدّيات الكبيرة التي يجابهها، وهذا ما يزيد من عزمنا ونشاطنا وثمارنا الراعوية. وسنتابع مسيرة رعيتنا بالرجاء، تحت إشرافكم ورعايتكم وسهركم، يا صاحب الغبطة. ولا يسعنا أن نعبّر لكم عن عميق عرفاننا وامتناننا، لكن ثقوا أنّنا نستمدّ قوّتنا من يقيننا أنّكم معنا، وترعوننا وتشملوننا ببركتكم ورضاكم. أهلاً وسهلاً بكم، ليس فقط بما لكم علينا من حقّ، كونكم البطريرك والرأس، ولكن أيضاً بالشعور البنوي تجاهكم، كونكم الأب والراعي، أدامكم الرب”.
وقبل البركة الختامية، أقام غبطة أبينا البطريرك تشمشت (خدمة) الصليب المقدس بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، قام خلالها غبطته بإلباس الأب بيار النادر الصليب المقدس والخاتم، تقديراً لخدمته المتفانية، في جوّ من البهجة، ووسط التصفيق الحارّ.
ثمّ ألقى الأب Jean-Marie HUMEAU كلمة أثنى فيها على هذه الزيارات الراعوية الاستثنائية التي يقوم بها غبطته حالياً إلى الإرساليات السريانية في فرنسا، حيث لاحظ غبطته بفرح التقدّم الذي الحاصل فيها، مثمّناً ما يتمتّع به غبطته من ديناميكية ورعاية أبوية، وسائلاً الله أن يمتّعه بالصحّة والعافية.
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، التقى بالمؤمنين في لقاء جمع الأب بأبنائه وبناته، في جوّ من الفرح الروحي.