في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد 22 أيلول 2024، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة الأحد الثاني بعد عيد الصليب، وخلاله أقام غبطته الذكرى السنوية الأولى لفاجعة العرس في قره قوش، وذلك على مذبح كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
شارك في القداس المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان، والأب طارق خيّاط الكاهن المساعد في إرسالية العائلة المقدسة. وخدم القداس الشمامسة، وجوق الإرسالية، بحضور ومشاركة جموع من المؤمنين، وفي مقدّمتهم من أعضاء إرسالية العائلة المقدسة.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة البطريرك كلامه بالقول: “نقرّب هذه الذبيحة الإلهية من أجل راحة نفوس الضحايا الذين فقدناهم في مأساة فاجعة العرس في قره قوش قبل سنة. نعم، كانت كارثة كبرى حلّت علينا، على المدينة المحبوبة بغديده قره قوش، لا سيّما وأنّنا كنّا دائماً ننشد الرجاء والاستقرار في تلك المدينة، وفي تلك الأبرشية المباركة”.
وقدّم غبطته “لكم جميعاً أحبّاءنا، ولأبرشية الموصل ولقره قوش، لصاحب السيادة راعيها أخينا المطران مار بنديكتوس يونان حنّو الجزيل الاحترام، ولكهنتها ولجميع المؤمنين فيها، نقدّم تعازينا القلبية، مع دعائنا أن يلملم الرب الإله الجراح، ويعزّي قلوب المصابين، ويقبل المتوفّين في سمائه، الملكوت الأبدي”.
ونوّه غبطته إلى أنّ “القديس بولس الرسول يذكّرنا، كما ذكّر أهل كورنثوس، أنّنا لا نستطيع أن نتّكل على قوّتنا وعلى حكمتنا وعلى مفاهيمنا وعلمنا البشري، لأنّ الحكيم والقوي في هذا العالم، إذا لم يكن يتبع وصايا الرب الإله، وصايا المحبّة والتسامح والمصالحة، فهو الجاهل، وهو الضعيف، وهو الذي ينكر حقيقة الإله الخالق والمدبّر للكون، بأنّه يدعو الجميع إلى أن يعيشوا المحبّة الصادقة فيما بينهم، كما علّمنا الرب يسوع وأعطانا وصيته. وهذا الأمر ليس سهلاً كي نعيشه، وأنتم أحبّاءنا، نعرف جيّداً المآسي التي تجتازونها، والتي تعرّضتم لها”.
ولفت غبطته إلى أنّه “حتّى هنا في لبنان، هذا البلد – الملجأ، نعيش مآسي العنف والحرب والبغض، للأسف إن كان بسبب قومي، طائفي أو ديني. فنحن الذين كنّا نأمل أن يستطيع هذا البلد الصغير، لبنان، أن يكمل رسالته الحضارية ويستقبل المضطهَدين والذين يتألّمون ويعانون في بلادهم الأصلية، فيأتون إليه كي يجدوا بعض الراحة والاستقرار، للأسف، كما تعلمون، كما يحدث في هذه الأيّام، فهذا الأمر ليس حقيقياً ولا ممكناً”.
وأشار غبطته إلى أنّ “هذه الكنيسة البطريركية بُنِيَت قبل تسعين سنة على يد المثلَّث الرحمات البطريرك الكردينال مار اغناطيوس جبرائيل الأول تبّوني، الموصلي الأصل، والذي مرّ بصعوبات كثيرة، حتّى أنّه أصبح من المعترفين بالإيمان حين كان مطران ماردين، إذ سُجِن وتعرّض للقتل. لكن بنعمةٍ وبتحنُّنٍ إلهي، أُنقِذَ وأصبح مطراناً لحلب بعد الحرب العالمية الأولى، وعام 1929 انتُخِب بطريركاً للكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية”.
وأردف غبطته: “هذه الكنيسة بُنِيَت على اسم مار اغناطيوس الأنطاكي، من أواخر القرن الأول، وقد كان رئيس كنيسة أنطاكية، واستشهد بقتله في الكوليسيوم في روما، وهو يُعتبَر أحد كبار الآباء الكنسيين، ليس فقط في الشرق، لكن حتّى في الغرب أيضاً. فالكنيسة الجامعة تعترف به كأحد الآباء، تلاميذ الرسل، وقد ترك لنا رسائل مليئة بالتقوى وبالتأمّل بدعوتنا المسيحية وباستعدادنا جميعاً كي نقبل الرب يسوع، ليس فقط بالكلام، ولكن حتّى إذا تعرّضنا أيضاً للاضطهاد وللاستشهاد”.
وأكّد غبطته على أنّنا “سنبقى دائماً صامدين في إيماننا، هذا الإيمان الذي أتانا من آبائنا وأجدادنا على مدى العصور، صحيح من الصعب أن نعيشه هذه الأيّام في بلادنا الأصلية، لكن مع ذلك نعتبر أنفسنا كرسل ننطلق إلى العالم حتّى نُظهِر للعالم أنّنا أبناء وبنات شهداء ومعترفين بالإيمان، وأبنات وبنات المؤمنين الذين صمدوا ورسّخوا إيمانهم بالرب يسوع المصلوب. فعندما نجدّد إيماننا بيسوع المصلوب، لا نجدّد قبولنا بما نسمّيه الألم بطريقة سلبية، أي لا نستطيع احتماله فنتألّم، لا، إنّما نحن نقبل الألم لأنّه بالألم يأتينا الخلاص. ولا بدّ أن يمنح الرب الإله أؤلئك الذين يتألّمون من أجل إيمانهم نعمةَ التعزية والخلاص”.
وختم غبطته موعظته ضارعاً “إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة النجاة، كي يرافقنا في سُبُل هذه الحياة الصعبة التي نمرّ فيها، ويعطينا دائماً هذه النعمة، نعمة الرجاء، بأنّ الذي يؤمن بالرب يسوع يتمجّد معه في القيامة”.
وقبل البركة الختامية، أقام غبطة أبينا البطريرك صلاة الجنّاز راحةً لنفوس الضحايا الذين فقدوا حياتهم في فاجعة العرس في قره قوش، سائلاً الله أن يرحمهم ويسكنهم في ملكوته السماوي مع الأبرار والصالحين. كما رفع غبطته الصلاة من أجل الشفاء الكامل لجميع المصابين.
وبعد نهاية القداس، استقبل غبطته المؤمنين الذين نالوا بركته الأبوية.