البطريرك يونان يحتفل بقداس أحد تقديس الكنيسة (تقديس البيعة) في كنيسة مار اغناطيوس في الكرسي البطريركي، بيروت

في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد 3 تشرين الثاني 2024، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة أحد تقديس الكنيسة (تقديس البيعة)، وهو رأس السنة الكنسية الطقسية السريانية، وذلك في كنيسة القديس مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، وجمع من المؤمنين.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة البطريرك كلامه بالإشارة إلى أنّه “عندما يبتعد أعضاء العائلة عن بعضهم البعض ثمّ يعودون ويلتقون، يلتقون بالفرح. لذلك نحن فرحون لأنّنا عُدنا لنلتقي معاً في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، بعد غيابنا طوال الأسابيع الماضية، حيث شاركنا في أعمال الدورة الثانية من الجمعية العامّة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة الروماني الذي عُقِد برئاسة قداسة البابا فرنسيس في الفاتيكان، ونحن نعيش دائماً الإيمان المسيحي رغم كلّ التجارب التي تمرّ علينا في هذا البلد العزيز لبنان”.
ونوّه غبطته إلى أنّ “اليوم هو أحد تقديس البيعة، والأحد الأول من الآحاد الثمانية التي تسبق عيد الميلاد، ثماني آحاد تفصلنا عن عيد ميلاد الرب يسوع الذي نعيّده في 25 كانون الأول من كلّ عام. تقديس البيعة، كلمة تذكّرنا أنّ الكنيسة هي مقدسة، ونحن عندما نفتتح كنيسة جديدة، نباركها وندشّنها ونقدّسها. نعم، الكنيسة هي مكان معيَّن يلتقي فيه المؤمنون للصلاة، أمّا تقديس البيعة اليوم فيعني أنّ الجماعة المسيحية هي مقدسة، لماذا؟ لأنّ الرب يسوع هو الذي أسّس هذه الجماعة، وهو الذي طلب من أعضائها أن يكونوا أولاداً لهذه الكنيسة، لهذه البيعة المنتشرة في العالم. لذلك عندما نحتفل بتقديس البيعة، نتذكّر أنّنا كلّنا مدعوون إلى القداسة من خلال عيش دعوتنا المسيحية كما يرضي قلب الرب”.
ولفت غبطته إلى أنّنا “استمعنا منذ قليل إلى نصّ الرسالة إلى العبرانيين، وهذه الرسالة كانت موجَّهة إلى أبناء العهد القديم، إلى اليهود، حيث يذكّرهم الكاتب أنّ الرب الإله قطع عهداً مع شعبه أن يحفظه ويحميه ويجعله قريباً منه بالتقوى والقداسة أكثر فأكثر. ومن الإنجيل المقدس الذي سمعناه بحسب القديس متّى، هذا المقطع حيث يعلن بطرس، أحد الإثني عشر، بوحيٍ من الله، أنّ هذا الشخص، يسوع، الذي يسمّونه معلّماً، هو ابن الله المتجسّد، وهو المسيح المنتظَر. ويسوع يؤكّد له بأنّ هذا الإقرار والإعتراف ليس من فضل بطرس كإنسان، لكنّ الآب السماوي هو الذي ألهمه إيّاه. وهكذا فالإعلان هو أنّ المولود من مريم العذراء في بيت لحم هو حقيقةً ابن الله الذي جاء ليخلّصنا، لأنّ المسيح المنتظَر لدى العبرانيين هو المُرسَل من الله، والذي سيخلّص شعبه”.
وذكّر غبطته أنّ “الكنيسة في العالم تمرّ بصعوبات كثيرة، كما هو واقع الحال اليوم في بلادنا في الشرق، وقد كنّا في العراق الخميس الماضي، حيث احتفلنا بالذكرى السنوية الرابعة عشرة للمجزرة الرهيبة التي حلّت بنا في كاتدرائيتنا، كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد، وراح ضحيتها 48 شهيداً وشهيدةً، ومن بينهم كاهنان شابّان، وأطفال ونساء وبنات وأمّهات وأجداد وجدّات، وأكثر من 80 إلى 100 جريح وجريحة. لذا ذهبنا إلى هناك كي نقوّي إيمان أولادنا وأهلنا الباقين في تلك الأبرشية العزيزة، ويرعاهم سيادة أخينا الحبر الجليل مار أفرام يوسف عبّا، مع الآباء الخوارنة والكهنة الذين يعاونونه، ونشكر الله أنّ أوضاع أبنائنا في تحسُّن، وهناك نوع من الاستقرار والأمان أكثر من قبل. وكانت لنا مناسبة أيضاً كي نلتقي في بغداد مع فخامة رئيس الجمهورية العراقية، الدكتور عبداللطيف جمال رشيد، حيث شكرناه على الاهتمام بجميع المواطنين العراقيين، وبشكل خاص بالمكوِّن المسيحي، كما شكرناه أيضاً لتعاطُف العراق مع لبنان في هذه الظروف الأليمة التي يمرّ بها”.
وأكّد غبطته على أنّه “لدينا صعوبات من الخارج، ونعرف ذلك جيداً، ففي كلّ بلدان العالم، وللأسف الشديد، المسيحيون مضطهَدون من بلد إلى آخر. لكنّ الصعوبات هي أيضاً من الداخل، حيث وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي تجعل البعض يقعون في هذه التجربة، حتّى من بين المؤمنين، وأحياناً من الإكليروس أيضاً، فيبدأون بتناقُل الأخبار السلبية، وفي بعض الأحيان يتخاصمون على وسائل التواصل، ما يخلق نوعاً من البلبلة والشكوك”.
وشدّد غبطته على أنّنا “نحن إذاً أمام تحدّيات كبيرة، نسأل الرب يسوع أن يكمل وعوده لكنيسته بأن يبقى معها رغم كلّ الشرور التي تجابهها في العالم، لأنّها هي عروس الروح القدس، وقد أسّسها على الصخرة، بطرس، الذي استشهد هو وبولس في روما، حيث أسّس بطرس كرسيه الثاني، بعدما أسّس كرسي أنطاكية، لينتقل بعدها إلى روما ويستشهد صلباً مثل معلّمه الإلهي”.
وختم غبطته موعظته ضارعاً “إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، أن يحمي لبنان وشعبه، لا سيّما الذين يتعذّبون بالنزوح والتهجير، وكذلك الثكالى بين النساء، والأيتام بين الأولاد، بسبب الحرب التي لا معنى لها، والتي يجب أن تنتهي على الفور، ويعود إلى لبنان الأمن والسلام، وإلى شعبه الطمأنينة والاستقرار، كي يستطيع جميع اللبنانيين أن يتلاقوا بالإيخاء الصحيح، وبروح المواطنة الحقيقية، ليكملوا مشروع بناء لبنان المدني، حيث الجميع متساوون، وحيث الحرّيات الحقيقية مُصانة ومضمونة”.
وبعد انتهاء القداس، استقبل غبطته المؤمنين الذين نالوا بركته الأبوية.