ظهر يوم الإثنين ١٢ شباط ٢٠٢٤، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، برتبة الشوبقونو (المسامحة) التي تقام في بداية زمن الصوم الكبير، وذلك في كنيسة مار بهنام وسارة، الفنار – المتن، جبل لبنان.
خلال الرتبة، تُلِيَت القراءات والصلوات والترانيم السريانية الخاصّة بالتوبة والمسامحة والمحبّة المتبادَلة.
شارك في الرتبة أصحابُ السيادة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، ومار اسحق جول بطرس مدير إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية بدير الشرفة ومسؤول رعوية الشبيبة، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والمونسنيور عبدو أبو كسم مدير المركز الكاثوليكي للإعلام في لبنان، والأب ديفد ملكي كاهن رعية مار بهنام وسارة، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان، والأب شهاب عطالله كاهن رعية مار الياس للروم الملكيين الكاثوليك في الدكوانة، بحضور ومشاركة جموع من المؤمنين من رعية مار بهنام وسارة ومن مختلف رعايا أبرشية بيروت البطريركية.
وفي كلمته الأبوية التوجيهية خلال الرتبة، بعنوان “افرحوا مع الفرحين وابكوا مع الباكين”، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن “هذه الآية التي سمعناها من رسالة مار بولس إلى أهل روما، وفيها عدّد بولس كلّ الفضائل والصفات التي على المؤمن أن يتحلّى بها في هذا الصوم الكبير بشكل خاص. نعم، نحيي اليوم هذه الرتبة المقدسة التي بها نفتتح زمن الصوم الكبير المقدس، بأناشيدها وصلواتها الرائعة والمؤثّرة التي أنشدها آباؤنا السريان منذ أجيال وقرون، ولا تزال كنيستنا تنشدها حتّى تجعل الشعب المؤمن يعيش هذه المرحلة والفترة المقدسة التي نسمّيها الصوم الكبير”.
ونوّه غبطته إلى أنّنا “على مدار السنة الطقسية لدينا أصواماً عدّة، نذكر منها على سبيل المثال، صوم الميلاد وصوم انتقال العذراء. لكنّ الصوم الكبير هو الذي يأخذ بمشاعر كلّ المؤمنين، لأنّه يُرجِعنا إلى المثال الذي تمّمه الرب يسوع عندما قاده الروح القدس إلى البرّية وصام أربعين يوماً. في العهد القديم من الكتاب المقدس، هناك أيضاً أصوام كثيرة، إذ صام أنبياء وطلبوا من الشعب أن يصوم كي يقترب من الله”.
ولفت غبطته إلى أنّنا “في هذه الرتبة نصلّي ونبتهل إلى الرب كي يغفر لنا ذنوبنا، في هذه الرتبة التي نسمّيها رتبة المسامحة، تأكيد على أنّ الله يغفر لنا، وسمعنا من الإنجيل المقدس أنّه ليس هناك كمّ أو عدّ للمغفرة. فيسوع يقول لبطرس: سبعين مرّة سبع مرّات، أي ليس هناك أبداً حدّ للمغفرة، ومن المَثَل الذي أعطاه يسوع نعرف أنّه إذا كان الله يشفق علينا ويغفر لنا خطايانا الكبيرة والكثيرة، فعلينا أن نعرف أن نسامح بعضنا بعضاً. لذلك نسمّي هذه الرتبة رتبة المسامحة”.
وأشار غبطته إلى أنّه “صحيح ليس سهلاً دائماً أن نسامح بعضنا، ونعلم جيدّاً أنّه من أسباب الانقسامات في العائلة اليوم قلّة المسامحة من قِبَل الأزواج. صحيح أنّه يجب أن يفكّر الواحد بمشاعر الآخر، الزوج بمشاعر الزوجة، والزوجة بمشاعر الزوج، وما إلى هنالك، لكنّ علاقتنا بالله ليست قضية شعور عابر، بل يجب أن تكون قضية التزام حياتي دائماً. ومهما كانت ظروف حياتنا، يجب أن يكون لدينا الاستعداد أن ننفتح على الآخر ونسامح بعضنا البعض. ونذكّر الأزواج أنّهم عندما تقدّموا إلى المذبح وعدوا بعضهم البعض بالحبّ والأمانة مدى الحياة. الحياة ليست سهلة، لكن إذا تذكّروا أنّهم وعدوا بالأمانة، فعليهم أن يعرفوا أن يغلّبوا المسامحة على كلّ شيء”.
وطلب غبطته من المؤمنين أن يكونوا “رسلاً للمسامحة والغفران، فلا يمكننا أن نكون مسيحيين وأبناء وبنات الله إذا تمسّكنا بكبريائنا ولم نقبل أن نسامح. هذا الأمر مهمّ جداً، وكما بيّن لنا يسوع، كيف أنّ الملك عاقب ذلك الخادم العاق الذي لم يرد أن يسامح رفيقه”.
وأكّد غبطته أنّ “الصوم لنا أيضاً زمن مقدس، ويجب أن يكون زمن الفرح: إفرحوا مع الفرحين، لذلك ندهن جبيننا بالزيت، كما علّمنا يسوع: إذا صمتَ فادهن رأسكَ بالزيت حتّى يظهر صومكَ فقط لأبيكَ السماوي، بمعنى أنّنا ندخل الصوم ليس بالعبوس والحزن، لأنّنا سنتقشّف ونترك بعض الأمور التي تلذّ لنا من مآكل وسواها، إذ أنّنا بالصوم المقدس نتقرّب من الله أكثر، وننسى مادّيتنا وأمورنا البشرية التي تجعلنا نتعلّق بالأرض، كي نتطلّع بالسماء وبأبينا السماوي”.
وشدّد غبطته على أنّنا “ندخل الصوم بفرح، لكن لا يمكننا أن ننسى أو نتجاهل الذين يعانون في بلادنا في الشرق. اليوم في لبنان، كما في سوريا والعراق، كثيرون من إخوتنا وأخواتنا يتعذّبون ويعانون الكثير، فلا ننظر إلى أنفسنا فقط، بل لنتذكّر على أنّ هناك إخوة لنا يتألّمون أكثر منّا”.
وأردف غبطته: “نحن نطالب بحقوقنا، لذلك نؤكّد على أنّ الكنيسة هي أمّ تساعد أولادها، لكنّنا نتذكّر أيضاً على أنّ الكنيسة ليست دولة، وإمكانيتها محدودة، وتحاول تلبية الاحتياجات على قدر المستطاع، والرعايا تبقى أبوابها مفتوحة دائماً، وكذلك جمعياتنا، جمعيات المحبّة الخيرية والكاريتاس والأخويات، وهي تبذل كلّ جهد للتخفيف من معاناة الذين يتألّمون في زمننا، وما أكثرهم. وتعرفون من سبّب هذه المعاناة في لبنان، لا نريد أن ندخل بالمواضيع السياسية، لكن يجب أن نذكّرهم، كما نحن مستعدّون أن نسامح بعضنا بعضاً، فيتوجّب على الزعماء الذين يدّعون أنّهم يحبّون لبنان، أن يعرفوا أن يسامحوا بعضهم بعضاً حقيقةً وليس فقط بالأقوال”.
وختم غبطته موعظته ضارعاً “إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه مريم العذراء، كي يعيننا لنبقى على الدوام أمناء لدعوتنا المسيحية، ومستعدّين أن نقبل بعضنا بعضاً، ونسامح بعضنا بعضاً، وننسى الإساءات التي توجّهت إلينا، فليس أحد منّا كاملاً. العذراء هي الأمّ الرؤوم القادرة أن تجمعنا دائماً في حضنها، نسألها أن تتشفّع لنا على الدوام لدى الرب يسوع، مع جميع القديسين والشهداء”.
ثمّ، وبحسب الطقس الكنسي السرياني الأنطاكي الخاص بهذه الرتبة، جثا غبطته على الأرض طالباً المغفرة من المؤمنين، وحاثّاً إيّاهم على تبادُل الفغران والمصالحة كي يرضى الله عنّا جميعاً.
وبحسب الطقس السرياني، قام غبطته بدهن جباه الأساقفة والإكليروس والمؤمنين بالزيت، علامة الإبتهاج بقدوم زمن الصوم الكبير.