ظهر يوم الخميس ٢٥ كانون الثاني ٢٠٢٤، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة تذكار الآباء بطاركة الكرسي السرياني الأنطاكي الراقدين، بحسب التقليد المتّبَع في الكرسي البطريركي في يوم الخميس السابق لجمعة وأحد الكهنة من كلّ عام، وذلك في الكابيلا التابعة لكنيسة هنغاريا، قرب صورة (فسيفساء) القديس شربل التي رُفِعَت منذ أسبوع، بجانب أضرحة البابوات، في فناء بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان.
بدايةً، رفع غبطته الصلاة أمام صورة (فسيفساء) القديس شربل، طالباً صلاته وشفاعته، هو الذي أضحى صورة حيّة ومشعّة للرب يسوع وسط عالمنا المضطرب.
ثمّ احتفل غبطته بالذبيحة الإلهية، بمشاركة أصحاب السيادة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا، والمطران يوحنّا رفيق الورشا المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي للكنيسة الشقيقة السريانية المارونية، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب مخلص ششّا، من كهنة أبرشية بغداد والذي يخدم حالياً في إحدى الرعايا في أبرشية لاتينا اللاتينية في إيطاليا، وبعض الراهبات الدومينيكيات للقديسة كاترينا السيانيّة المقيمات في روما.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، توجّه غبطة أبينا البطريرك بالصلاة والشكر “للرب يسوع، الراعي الصالح، على عنايته بكنيسته المقدسة، وعلى مؤازرته رعاتها في خدمتهم، وبخاصة الآباء البطاركة الراقدين الذين تعاقبوا على خدمة الكرسي البطريركي السرياني الأنطاكي”، سائلاً “الله أن يؤهّلنا بشفاعتهم كي نتابع خدمتنا لكنيستنا السريانية بكلّ أمانة وإخلاص، فالكنيسة تحتاج إلينا كوكلاء أمناء ينتمون إليها، ليس فقط بالقول، بل بالخدمة الصالحة، أكانت بطريركية أو أسقفية أو كهنوتية أو رهبانية. فنحن جميعنا إخوة وأخوات بالرب يسوع، ونحن، ككنيسة مجاهدة على الأرض، نعيش بشركة روحية مع الكنيسة الممجَّدة في السماء”.
ورحّب غبطته “بسيادة أخينا المطران يوحنّا رفيق الورشا”، شاكراً إيّاه “على حضوره المحبَّب وعلى مشاركته معنا في هذه الذبيحة الإلهية التي نقيمها كعائلة واحدة بالقرب من صورة (فسيفساء) القديس شربل التي تمَّ رفعها في جوار هذه الكابيلا وفي هذا المكان المقدس، بجانب ضريح القديس البابا بولس السادس وأضرحة البابوات هنا في بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان، ببركة قداسة البابا فرنسيس، لِمَا لهذا القديس العظيم شربل من مكانة مميّزة في قلب قداسته وفي الكنيسة الجامعة، إلى جانب المكانة الخاصّة التي يحتلّها في قلوب الرعاة والمؤمنين في الكنيسة المارونية الشقيقة وفي كنيسة لبنان والشرق بصورة عامّة”.
ونوّه غبطته إلى أنّنا “نحن في هذا الخميس الذي يلي صوم نينوى، نتذكّر آباءنا الروحيين البطاركة الذين خدموا الكرسي البطريركي السرياني الأنطاكي والكنيسة عامّةً. كما أنّ الكنيسة تحتفل اليوم في الخامس والعشرين من كانون الثاني بعيد اهتداء مار بولس، أي بظهور الرب يسوع لشاول – بولس الذي كان في طريقه إلى دمشق، وبحدث إلهي يهديه، فيصبح من أهمّ الرسل في الكنيسة الجديدة التي أسّسها الرب يسوع، وهو يُعتبَر أحد هامتي الرسل في الكنيسة، مار بطرس ومار بولس”.
ولفت غبطته إلى “أنّنا إذ نستذكر هذا القديس العظيم، مار بولس، رسول الأمم، نُعجَب بحياته وأقواله وأعماله، كما برسائله التي تُتلى حتّى يومنا هذا في كلّ الكنائس، وليس فقط في الكنائس الكاثوليكية. ونحن نبتهل إلى الرب يسوع كي يساعدنا حتّى نُحيي على الدوام ذكرَ آبائنا الذين خدموا في الكنيسة، والذين وُهِبوا كثيراً من الرب، وطلب الرب منهم أن يعملوا ويخدموا، لأنّهم سيطالَبون أيضاً بالكثير من قِبَلِه”.
وشدّد غبطته على “أنّنا جميعاً، بطريركاً وأساقفةً وكهنةً ومكرَّسين ومكرَّسات، مدعوون كي نكون الخدّام الصالحين في كنيسة الرب، على مثال بولس وشربل وآبائنا الروحيين الذين سبقونا، كي نذكّر جميع الذين نخدمهم أنّ دعوتنا الروحية هي دعوة إلى السماء، وليست دعوة تنتهي على هذه الأرض الفانية، فبيتنا الحقيقي هو السماء”.
وتضرّع غبطته “إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا السماوية مريم العذراء، أمّ الكنيسة، كي يحمي كنائسنا وبلادنا، وبشكل خاص لبنان والعراق وسوريا، هذه البلدان التي تعاني الكثير هذه الأيّام، وسائر بلدان الشرق الأوسط، ولا سيّما الأراضي المقدسة حيث تستعر الحرب، وخاصّةً غزّة، والمناطق الحدودية في جنوب لبنان، وبشفاعة مار شربل، هذا الراهب القديس الذي ينتشر اسمه ويفوح عطر قداسته في لبنان والشرق والعالم بأسره، وهو المثال بحياته وفضائله ونسكه وزهده وصلاته وعبادته وتأمّلاته، كي يهبنا ربُّنا السلام الحقيقي ووحدة القلوب والنفوس”.
وختم غبطته موعظته موجّهاً “تحيّة المحبّة الخالصة إلى كنيسة هنغاريا التي نقيم هذه الذبيحة الإلهية في الكابيلا العائدة إليها هنا في الفاتيكان، ونسأل الرب أن يحفظ هذا البلد العزيز هنغاريا، حكومةً وشعباً، والكنيسةَ والمؤمنين فيه، كما كلّ كنائسنا وشعوبنا أينما كانت، وجميعها آمنت وضحّت وأعطت الكثير من الشهداء والمعترفين. نطلب من الرب أن يمنح العالم الأمن والسلام، ولا سيّما بلداننا في الشرق، كي يبقى الجميع ثابتين وراسخين في أرض الآباء والأجداد مهما حصل من صعوبات وتحدّيات”.
وفي نهاية القداس، أقام غبطته صلاة جنّاز البطاركة الراقدين، خاصّاً بالذكر البطاركة الذين تنيّحوا خلال القرن الأخير، المثلّثي الرحمات: مار اغناطيوس أفرام الثاني رحماني (١٩٢٩)، مار اغناطيوس جبرائيل الأول تبّوني (١٩٦٨)، مار اغناطيوس أنطون الثاني حايك (٢٠٠٧)، مار اغناطيوس موسى الأول داود (٢٠١٢)، ومار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد (٢٠١٨)، طالباً لهم ولسائر أسلافهم البطاركة المتنيّحين، الراحة الدائمة في الملكوت السماوي مع الأبرار والصدّيقين والرعاة الصالحين والوكلاء الأمناء.