في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الجمعة 17 أيّار 2024، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة اختتام العام الدراسي الحالي 2023-2024 لطلاب إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية، وذلك على مذبح كنيسة سيّدة النجاة بدير الشرفة، درعون – حريصا، لبنان.
شارك في القداس صاحبُ السيادة مار اسحق جول بطرس مدير إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية بدير الشرفة ومسؤول راعوية الشبيبة، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب سعيد مسّوح نائب مدير الإكليريكية وقيّم دير الشرفة، والأب يوسف درغام كاهن رعية مريم العذراء سيّدة فاتيما – جونية – كسروان، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، والشمامسة طلاب الإكليريكية.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس بعنوان “أنا هو، لا تخافوا”، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن “ظهور الرب يسوع على البحيرة، والتي نسمّيها بحر الجليل، هذا الظهور الذي يَرِدُ في الأناجيل الأربعة، حيث نرى التلاميذ يجدّفون ويحاولون الوصول إلى الشاطئ، لكنّ العاصفة كانت قويّة، وإذا بيسوع يظهر لهم معلناً: أنا هو، لا تخافوا. وفي رسالة مار بولس إلى أهل كورنثوس، والتي تُلِيَت على مسامعنا في بداية هذا القداس، يذكّرنا مار بولس ألا نكون عثرةً للكنيسة وللآخرين من إخوتنا، أكانوا يهوداً أو يونانيين، أي لكلّ الذين نلتقي بهم في مسيرة حياتنا”.
ونوّه غبطته إلى أنّه “في ختام هذا العام الدراسي من حياتكم ومسيرتكم الإكليريكية، من الجميل أن نلتقي معاً، أيّها الأحبّاء، لنشكر الرب على كلّ النِّعَم التي أغدقها علينا في بحر هذه السنة، بما فيها من عواصف وتحدّيات وصعوبات ومعاناة وهموم وتردُّد واستفهام. فكلّ شيء ماثل تحت أنظار الرب الذي دعانا لخدمته، وهذه الدعوة دعوةٌ ساميةٌ، ولو أنّه لم تعد للكاهن اليوم في عالمنا المرجعيةُ التي كانت له في السابق، لا سيّما عندنا هنا في الشرق، لكن ستظلّ الدعوة الكهنوتية دعوةً من الرب حتّى نسير وراءه، فالرب سار وحمل صليبه متمّماً عمل الفداء”.
ولفت غبطته إلى أنّ “عليكم في سنوات حياتكم الإكليريكية هذه أن تتابعوا الصلاة، وتتأمّلوا في قرارة نفوسكم كي تعرفوا ما هي حقيقةً إرادة الله فيكم، أي عليكم أن تميّزوا إرادة الله، وليس من السهل أن يعرف الشخص إرادة الله، وبالأخصّ في سنّكم أنتم، وفي هذه المرحلة من مسيرتكم. لكن، فلنكن صادقين، لدينا أمثلة أمامنا، من أساقفةٍ وكهنةٍ يعطوننا مثال الراعي الصالح. ليس أحدٌ منّا كاملاً، لكنّ الموجودين معكم، والحاضرين معنا في هذا القداس، يعطوننا المثال الصالح للكاهن الذي صمّم ووعد أن يتبع الرب يسوع”.
وأشار غبطته إلى أنّ “كلام الرب يسوع واضح: من وضع يده على المحراث ونظر إلى الوراء، لا يستحقّني. وأنتم تعرفون جيّداً أنّكم سترافقون شبّاناً وشابّاتٍ، رجالاً ونساءً، يتّحدون بسرّ الزواج، وستقومون بتوجيههم إلى الأساس، وهو الوعد الصادق بالحبّ مدإكليريكية سيّدة النجاة البطريركى الحياة، مهما كانت الصعوبات. وكذلك عندما يضع الكاهن يده على الصليب والإنجيل يوم رسامته أمام الأسقف الذي يمنحه الرسامة، فهو يَعِدُ أن يتبع الرب يسوع، وهنا لا مجال أبداً للتراجع، بالطبع الشخص حرّ بالتراجع، لكن لا يمكننا أن نعتبر حينذاك أنّه حافظ على الأمانة، وربّنا هو الذي يحاسبه”.
وذكّر غبطته الطلاب الإكليريكيين أنّ “العالم اليوم يعيش خضّاتٍ مخيفةً، وأنتم تتابعون ما يُسمَّى وسائل التواصل الإجتماعي، فهناك الكثير من الناس ليس لديهم سوى إثارة القلاقل والإنتقادات، في حين أنّهم حينما يصلون إلى مرحلة العمل، نجدهم يتمنّعون ويبتعدون. لذا علينا أن نعلم جيّداً أنّنا وَعَدْنا الرب يسوع أن نعمل كلّ شيء بمقتضى دعوتنا وخدمتنا. وقد يفكّر البعض منكم بالزواج قبل الرسامة، وهذا ممكن بالاتّفاق مع الأسقف الأبرشي، فالأسقف هو الذي يقرّر، إذ، بعدما تنهون الدراسة الإكليريكية، عليكم الاتّفاق مع مطرانكم بهذا الخصوص، بكلّ تواضع ووداعة. كما أنّه إذا كانت فترة الخبرة الراعوية السابقة للرسامة الكهنوتية طويلةً، فهنا عليكم أن تدركوا أنّ الكهنوت ليس وظيفةً تحصلون عليها كحقٍّ مكتسَبٍ لكم بمجرّد نيلكم الشهادة الجامعية وإنهائكم المرحلة الإكليريكية”.
وأكّد غبطته على أنّ “الكهنوت دعوةٌ لخدمة الرب والكنيسة بكلّ تضحيةٍ وتفانٍ، فنحن لسنا كهنةً من أجل أهلنا، بل نحبّهم ونكرمهم، ونساعدهم على قدر الإمكان، وهناك حالات عدّة لا نجد فيها سوى الكاهن في العائلة يهتمّ بأهله أو بأفراد عائلته في شيخوختهم. هذا أمر جيّد جدّاً، لكن علينا ألا نفكّر أنّنا نصبح كهنةً من أجل خدمة أهلنا. وهناك بعض الكهنة يودّون أن يقوموا بالخدمة فقط في البلدان حيث يتواجد أهلهم، ولا يريدون أن يتركوهم. وهنا علينا أن نعرف أنّ الكهنوت هو الوعد الصادق باتّباع الرب يسوع وخدمة الكنيسة دون أيّ قيد أو شرط، ودون تمييز بين مؤمن وآخر، أو بين بلد وآخر، بل إنّ على الكاهن أن يكون للجميع، وأن يتحلّى بالروح الرسولية للخدمة حيث ترسله الرئاسة الكنسية، بمعزل عن ابتغاء المنفعة المادّية، أو عن الرغبة بالتخلّص من المعاناة التي يعيشها. ونحن مستعدّون لمساعدتكم وتهيئتكم للخدمة، سواء في بلاد الشرق، أو في كنيسة الانتشار، وكلّ ذلك بالاتّفاق بينكم وبين أسقف أبرشيتكم”.
وحثّ غبطته الطلاب الإكليريكيين على “الاقتداء بالرسل الأوائل، فالكنيسة تأسّست على رسلٍ كانوا صيّادين، كما سمعنا من الإنجيل المقدس. فهم لم يحصلوا على الشهادات العالية، لكنّهم اتّكلوا على نعمة الرب التي تسندهم وتقوّي ضعفهم. والرب كان معهم، فبشّروا وربحوا مناطق وشعوباً كثيرةً للرب يسوع. وأنتم أيضاً، بإمكانكم أن تحقّقوا هذه الدعوة، مع الرب يسوع، وبالاتّكال عليه وحده، كي تصلوا إلى القداسة، وتقدِّسوا نفوسكم والنفوس الموكَلة إلى رعايتكم”.
وختم غبطته موعظته متمنّياً “لكم جميعاً صيفاً مليئاً بالفرح والسلام، وستجدون أنّكم، بتوجيه أسقف أبرشيتكم وبمساعدته، وبمعونة الآباء الكهنة الأعزّاء، ستتمكّنون من اللقاء بالمؤمنين، ومن عيش الاختبارات الروحية والراعوية. لكن، لا تنسوا أنّ المطلوب منكم أن تقرّروا أنتم طريق حياتكم، بالحرّية الكاملة، حرّية أبناء الله. وثِقُوا أنّ الرب يسوع يمسك بيدكم، وأمّكم العذراء مريم سيّدة النجاة تحميكم، وجميع القديسين والشهداء يشفعون بكم، كي تسلكوا كما يليق بتلاميذ الرب يسوع الأمناء”.
وفي نهاية القداس، منح غبطتُه الإكليريكيةَ، إدارةً وطلاباً، بركته الرسولية عربون محبّته الأبوية، مع الدعاء لهم بخدمة مباركة.