في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد ١١ شباط ٢٠٢٤، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة أحد عرس قانا الجليل والأول من زمن الصوم، وفيه تذكار معجزة تحويل يسوع الماء إلى خمر فائق الجودة، وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
شارك في القداس صاحبُ السيادة مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، والشمامسة، وجمع من المؤمنين.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان “هذه كانت الآية الأولى التي صنعها يسوع وآمن به تلاميذه”، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن “هذا الأحد الذي هو مدخل الصوم، ونخصّصه لنحيي تذكار الأعجوبة الأولى التي صنعها الرب يسوع، وتصوّروا أنّها كانت أعجوبة في عرس. يسوع، كلمة الله المتأنّس، اتّخذ طبعنا البشري وعاش حياتنا بشكل عادي بكلّ أبعادها ما عدا الخطيئة، كما يخبرنا الكتاب المقدس”.
ولفت غبطته إلى أنّ “الرب يسوع أراد أن يكون مع المحتفلين بعرس في قانا الجليل، بحسب إنجيل يوحنّا، وكانت مريم العذراء أمّه هناك والتلاميذ، ولا يذكر شيئاً عن مار يوسف، ممّا يعني أنّ مار يوسف كان قد انتقل إلى السماء. وهل هناك أفضل من هكذا ميتة!، أن ينتقل يوسف إلى السماء بين يدي يسوع ومريم، لذلك نسمّيه شفيع الميتة الصالحة”.
ونوّه غبطته إلى أنّ “الرب يسوع أراد أن يتّخذ كلّ أبعاد حياتنا البشرية بكلّ بساطة، ويشارك في ذاك العرس. وكما تعلمون إنّ العرس في ذلك الوقت لم يكن مقتصراً مثل هذه الأيّام على الاحتفال لليلة واحدة، إنّما كانت احتفالات العرس تدوم عادةً أيّاماً عدّة، حيث تحتفل العائلة والأصدقاء بهذا الفرح”.
وشدّد غبطته على أنّنا “نجد هنا أمراً هامّاً جداً، هو أنّ أول أعجوبة تمّمها يسوع كانت في عرس. وهذا الأمر يذكّرنا اليوم أنّ علينا أن نقدّر الآباء والأمّهات والأزواج الذين يتّحدون بشركة سرّ الزواج المسيحي. ونحن نعرف جيّداً المعاناة والتحدّيات التي يلاقيها اليوم أبناؤنا وبناتنا كي يستطيعوا التغلّب على كلّ الصعوبات، أكان هنا في لبنان أو في سوريا والعراق والأراضي المقدسة والشرق. هناك حقيقةً تحدّيات كبيرة أمام الرجال والنساء الذين يتعهّدون أن يعيشوا أمانتهم الزوجية طوال الحياة، مهما كانت المصاعب”.
وأشار غبطته إلى أنّنا “نتذكّر أيضاً أنّ العذراء مريم هي التي دفعت يسوع إلى إتمام هذه الآية، مع أنّه قال لها: يا امرأة لم يحن وقتي بعد. ومع ذلك عرفت أنّه لن يرفض لها هذا الطلب، فقالت للخدّام: اعملوا ما سيأمركم به يسوع. ويسوع طلب منهم أن يملأوا الأجاجين (أي الجرار) ماءً، فذهبوا ليملأوها. ثمّ، وبطلب من يسوع أيضاً، وزّعوا على المدعوين من الخمر الذي في هذه الأجاجين، بدءاً من رئيس المتّكَأ، أي من الإنسان المترئّس والمعروف هناك”.
وأكّد غبطته على أنّه “لقد تحوّل الماء إلى خمر جيّد، وهذه الأعجوبة تذكّرنا أنّ مريم العذراء هي أمّ قادرة أن تلبّي طلباتنا وتضرّعاتنا متشفّعةً بنا لدى ابنها ربّنا يسوع المسيح، لأنّها أقرب شخص إلى يسوع، سواء في حياتها على الأرض إذ أعطَتْه الولادة، أو اليوم في السماء حيث تتمجّد معه. وهنا علينا أن ندعو ونصلّي طالبين شفاعة مريم العذراء، سيّدة لبنان، كي تحمي لبنان، ليستطيع أبناؤه وبناته أن يبقوا واثقين بهذا البلد، ولا يرحلوا عنه ويتركوه”.
وتأمّل غبطته بهذه الأعجوبة الرائعة التي تستهلّ بها الكنيسة زمن الصوم المقدس: “نقول لماذا نحتفل بهذه الآية، بعرس قانا الجليل، في الأحد الأول من زمن الصوم؟ نعم، إنّ كنائسنا السريانية تبدأ زمن الصوم بأحد قانا الجليل كي تؤكّد لنا أنّ الصوم ليس وقتاً أو زمناً وموسماً للحزن. نعم، نحتمل فنمتنع عن تناوُل أنواع معيّنة من المأكولات، ونضحّي ببعض الأمور التي تلذّ لنا، أكانت مأكلاً أو مشرباً أو التدخين أو الكحول أو الإدمان على الخليوي اليوم، وسواها. نصوم ونتخلّى عن بعض الأمور التي تلذّ وتطيب لنا كي نتقرّب من الرب، وهل هناك أفضل وأحلى وأسعد من أن نكون قريبين من الرب؟! لذلك نبدأ هذا الصوم بعرس قانا الجليل، متيقّنين أنّ الصوم هو زمن العودة إلى الآب السماوي، وهذه العودة تجعلنا نبقى دائماً فرحين”.
وختم غبطته موعظته ضارعاً “إلى الرب كي يقوّينا ليكون صومنا صوماً مقبولاً لديه بكلّ ما للكلمة من معنى، ترافقه الصلاة والتوبة والتضحيات وعمل الخير وتنقية النفس، كي نصبح أهلاً أن نحتفل بمجد عيد قيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات”.
وفي نهاية القداس، بارك غبطته الزيت، وقام بدهن جباه الإكليروس والمؤمنين بالزيت، بحسب العادة المتّبَعة مع بدء زمن الصوم خلال رتبة المسامحة التي تقام يوم الإثنين الأول من الصوم، استذكاراً لقول الرب يسوع إنّه لا يجب أن نكون معبّسين ونُظهِر ذواتنا أنّنا صائمون، بل يجب أن نكون دائماً فرحين عندما نصوم، لأنّ الصوم هو زمن مقدس، زمن العودة إلى الرب”.