استقبل البابا صباح الخميس في الفاتيكان المشاركين في أعمال الجمعية العامة للجنة الحبرية لأمريكا اللاتينية ووجه لضيوفه خطاباً شدد فيه على ضرورة أن تعمل اللجنة على بناء جسور من المصالحة والاشتمال والأخوة.
استهل الحبر الأعظم كلمته معرباً عن سروره للقاء المشاركين في الجمعية العامة من أعضاء ومستشارين في اللجنة الحبرية لأمريكا اللاتينية خاصاً بالذكر الكاردينال بريفوست وشكره على الكلمة التي ألقاها نيابة عن الحاضرين. بعدها لفت البابا إلى إن المشاركين في الأعمال يصبون الاهتمام على ثلاثة أسئلة بالغة الأهمية، ألا وهي: ما هي الممارسات المطلوبة من أجل تحقيق التنمية في المنطقة ومداواة جسد المسيح المتألم في شعبه؟ كيف تُعلن بشرى الإنجيل في البيئة الاجتماعية مع تعزيز الأخوة إزاء ظاهرة الاستقطاب؟ ما هي الخدمة التي ينبغي أن تقدمها اللجنة الحبرية واتحاد مجالس أساقفة أمريكا اللاتينية ودوائر الكرسي الرسولي على هذا الصعيد. وأكد البابا في هذا السياق أن هذه الأسئلة الثلاثة لا تتعلق فقط بالواقع الحالي بل هي جزء من الإصلاح السينودسي الذي لا بد أن تعانقه الكنيسة كلها كي تعكس بشكل أفضل وجه المسيح.
هذا ثم ذكّر البابا فرنسيس بأن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني دعانا إلى تجدد جذري، وهذا ما يظهر جلياً في الخطابات التي ألقاها البابوان يوحنا الثالث والعشرون وبولس السادس في بداية الدورتين الأولى والثانية من الأعمال المجمعية. فقد تحدث البابا رونكالي عن التحديث فيما تطرق البابا مونتيني إلى التجدد المزدهر للكنيسة. كما أن المرسوم المجمعي بشأن المسكونية يؤكد بشجاعة أن الكنيسة الحاجة مدعوة من قبل المسيح إلى الإصلاح المستمر الذي تحتاج إليه دائماً كمؤسسة بشرية وأرضية.
في هذا السياق شاء فرنسيس أن يذكّر بالدستور Praedicate evangelium الذي شاء من خلاله أن يساهم في تجديد الكوريا الرومانية، ما جعل اللجنة الحبرية لأمريكا اللاتينية قادرة على مساعدة القارة على اختبار الاهتمام الرعوي لخليفة بطرس ومحبته لها. ولفت إلى أن اللجنة ليست فقط مثالاً لتجدد الكوريا الرومانية، إذ هي مدعوة أيضا إلى أن تكون لاعباً فاعلاً يعزز هذا التبدل الضروري والذي نحتاج إليه جميعا، وأن تساعدنا على عيش السينودسية التي هي البعد الديناميكي للشركة، كي نسير معاً في أمريكا اللاتينية، يحركنا روح الرب، وينبغي أن يحصل ذلك بتكتم وحذّر وفعالية. كما أن اللجنة ليست مدعوة إلى أن تحل محل أي طرف آخر في الحياة الكنسية بأمريكا اللاتينية، بل ينبغي أن تشجع جميع الأطراف على العمل بروح الرسالة والخدمة. لذا فلا بد أن تعزز اللجنة مع الجميع نمطاً سينودسياً من التفكير والشعور والعمل، وهذا يتعلق أيضا بجميع الهيئات والحركات التي تخدم الكنيسة في أمريكا اللاتينية بشكل مباشر أم غير مباشر.
بعدها أشار فرنسيس إلى أن اللجنة والكنيسة في أمريكا اللاتينية قادرتان على إيجاد مصدر للإلهام العميق في القديس خوان دييغو الذي كان رجلاً من السكان الأصليين، متواضعاً جداً وبسيطا. ولم تختره العذراء بفضل قدرته التنظيمية أو علاقته بالسلطة، بل تأثرت سيدة غوادالوبي لأنه كان يعرف أنه صغير، ويحتاج إلى من يقود خطاه. وأكد البابا أن خوان دييغو كان يدرك ضعفه، وقد اكتشف محبة العذراء الكبيرة وقربها، ما دفعه على البحث عن الأسقف، وعلى التكلم بمحبة وبوضوح عما طلبت منه السيدة العذراء. وقد طلب منه الأسقف علامة كي يصدقه، فأطاع خوان دييغو ووجد العلامة على تلة Tepeyac.
تابع البابا قائلا إننا نستطيع أن نرى في هذه المشاهد، ببساطة وعمق، السينودسية والشركة في الآن معا. فقد أعلن المؤمن العلماني البشرى السارة، متوكلاً على البعد الكنسي والفائق الطبيعة لرسالته، لا على قواه وحسب. وهذه الثقة سمحت له بأن يتحمل المسؤوليات التي أوكلها إليه الأسقف. ونتيجة ممارسة السينودسية والشركة شكلت بداية لعملية من المصالحة الأخوية بين شعوب عدوة. وهذه العملية لم تخل من المشاكل لكنها ساهمت في ولادة واقع جديد في أمريكا اللاتينية، وقد أعطت السينودسية ثماراً من الأخوة.
وأكد فرنسيس بعدها أن اللجنة الحبرية لأمريكا اللاتينية مدعوة إلى تعزيز هذا الروح في المنطلقة كلها، وإلى تخطي حدود المنطقة أيضا إذا اقتضت الضرورة ذلك. ينبغي أن تُلهم وأن تحفز وأن تعزز الحرية، كي يتمكن كل واقع كنسي واجتماعي من التعرف على مسيرته الخاصة، متبعاً إلهام الروح القدس، وفي إطار الشركة مع الكنيسة الجامعة. وشدد على ضرورة أن تعمل اللجنة على بناء جسور من المصالحة والاشتمال والأخوة، جسور تجعل من السير معاً خبرة رعوية أصيلة.
بعدها ذكّر البابا ضيوفه بأن الكنيسة تستعد للاحتفال بيوبيل العام ٢٠٢٥، لافتا إلى أن العذراء مريم أرسلت، من خلال خوان دييغو الشاب، رسالة ثورية من الرجاء وتكررها اليوم لكل الحجاج والمؤمنين، ألا وهي أنها موجودة وأنها والدتهم. وعبر الحبر الأعظم أيضا عن ثقته بأن جميع أعضاء اللجنة الحبرية لأمريكا اللاتينية سيشاركون في الاحتفالات اليوبيلية وسيشجعون شعب الله على الحج وعلى إعلان رسالة الرجاء هذه على المنطقة بأسرها التي تحتاج للإصغاء إليها وإعادة اكتشافها. في ختام كلمته سأل البابا فرنسيس العذراء سيدة غوادالوبي أن تعضدنا وتشجعنا على المثابرة في الجهد المشترك كي نجعل من الكنيسة جماعة تعيش بحسب نمط يسوع. وطلب من الحاضرين أن يصلوا من أجله.