البابا يترأس قداس الميرون في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان

“البكاء المرُّ يغيّر الحياة وكلّ ولادة جديدة في داخلنا تنبعث على الدوام من اللقاء بين رحمة الله وبؤسنا” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا قداس الميرون
ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان قداس الميرون في يوم خميس الأسرار بارك فيه زيت العماد وزيت المرضى وكرّس زيت الميرون، وقد تخللت الذبيحة الإلهية عظة للأب الأقدس استهلها بالقول”كانَت عُيونُ أَهلِ المَجمَعِ كُلِّهِم شاخِصَةً إِلَيه”. يؤثِّر فينا دائمًا هذا المقطع من الإنجيل الذي يقودنا لكي نتخيّل المشهد: لكي نتخيّل لحظة الصّمت تلك التي كانت فيها الأنظار كلّها شاخصة إلى يسوع، في مزيج من الدّهشة والشكّ. ولكننا نعلَم كيف انتهى الأمر: بعد أن كشف يسوع انتظارات أهل وطنه الخاطئة، “ثارَ ثائِرُ الجَميع”، وخرجوا وطردوه خارج المدينة. كانت عيونهم شاخِصَة إلى يسوع، لكنّ قلوبهم لم تكن مُستعدّة لأن تتغيّر بكلمته. وهكذا أضاعوا فرصة الحياة.
تابع البابا فرنسيس يقول وفي مساء هذا اليوم، الخميس المقدّس، حدثَ تشابك نظرات متبادل. ورائده هو راعي كنيستنا الأوّل، بُطرُس. الذي هو أيضًا لم يَثق في البداية بالكلمة “الكاشفة” التي وجّهها إليه يسوع: “ستُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات”. هكذا “غاب يسوع عن نظره” وأنكره عند صياح الدّيك. ولكن بعدها، عندما “التَفَتَ الرَّبُّ ونظَرَ إِلى بُطرُس، تذَكَّرَ بُطرُسُ كَلامَ الرَّبِّ […] فخَرَجَ مِنَ الدَّارِ وبَكى بُكاءً مُرًّا”. اغْرَوْرَقت عيناه بالدّموع التي، وإذ تدفّقت من قلبه الجريح، حرّرته من قناعات ومبرّرات خاطئة. وهذا البكاء المرّ غيَّر حياته.
أضاف الأب الأقدس يقول لسنوات لَم تُغيِّر كلمات يسوع وأعماله انتظارات بطرس، التي كانت تشبه انتظارات أهل النّاصرة: فهو أيضًا كان ينتظر مسيحًا سياسيًّا وقديرًا، قويًّا وحاسمًا، وإزاء عثرة يسوع ضعيف، تمّ اعتقاله بدون أن يقاوم، أعلن قائلاً: “إِنِّي لا أَعرِفُه!”. وهذا صحيح، لم يكن يعرفه: لقد بدأ يتعرّفُ عليه عندما، وفي ظلمة إنكاره له، أفسح المجال لدموع الخجل والتّوبة. وسيعرفه حقًّا عندما وإذ حزن “لأنه قال له في المرة الثالثة: “أَتُحِبُّني حُبًّا شَديدًا؟”، سيسمح لنظرة يسوع بأن تخترقه بالكامل. وعندها سينتقل من الـ “إِنِّي لا أَعرِفُه”، ليقول “يا رَبّ، أَنتَ تَعلَمُ كُلَّ شَيء”.
تابع الحبر الأعظم يقول أيّها الإخوة الكهنة الأعزّاء، إنَّ شفاء قلب بطرس، وشفاء الرّسول، وشفاء الرّاعي يتمُّ عندما، إذ نكون مجروحين وتائبين، نسمح ليسوع أن يغفر لنا: هذا الشّفاء يمرُّ عبر الدّموع، والبُكاء المرّ، والألم الذي يسمح له بأن يكتشف الحبَّ مجدّدًا. لهذا السّبب، شعرت منذ زمن بالرغبة في أن أشارككم، ببعض الأفكار حول جانب من الحياة الرّوحيّة يتمُّ إهماله ولكنّه أساسيّ؛ وبالتالي أقترحه عليكم مجدّدًا بكلمة ربّما بطل استعمالها، لكنني أعتقد أنّه سيفيدنا أن نعيد اكتشافها مجدّدًا، وهي: وَخْزُ الضّمِير أو الندم.
أضاف البابا فرنسيس يقول تُذكِّرنا هذه الكلمة بالوخز: فالنّدم هو “وخزة في القلب”، طَعنة تجرحه، فتجعل دموع الندامة تتدفّق منه. يساعدنا على فهم ذلك حدث آخر يتعلّق بالقدّيس بطرس. بعد أن ثقبت قلبَه نظرةُ وكلمات يسوع القائم من الموت، قال في يوم العنصرة، إذ نقاه الروح القدس وألهب قلبه، لسكان أورشليم: “يَسوعَ هذا الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم قد جَعَلَه اللهُ رَبًّا ومَسيحًا”. فشعر الذين سمعوه بالشّرّ الذي صنعوه وبالخلاص الذي منحهم الرب إياه ويقول لنا النص: “لَمَّا سَمِعوا ذٰلكَ الكَلام، تَفَطَّرَت قُلوبُهم”.
تابع الأب الاقدس يقول هذا هو وَخْزُ الضّمِير: هو ليس شعور بالذّنب يُحبطنا، ولا هو هوس يَشُلّنا، بل هو وخزة مفيدة تحرق في الدّاخل وتشفي، لأنّ القلب، عندما يرى الشر الذي صنعه ويعترف بأنّه خاطئ، ينفتح، ويقبل عمل الرّوح القدس، الماء الحيّ الذي يحرّكه، ويجعل الدّموع تنهمر على وجهه. إنَّ الذي يزيل القناع عن وجهه ويسمح لله بأن ينظر إلى قلبه، ينال عطيّة هذه الدّموع، وهي أقدس مياه بعد مياه المعموديّة.
أضاف الحبر الأعظم يقول لذلك، علينا أن نفهم جيّدًا معنى أن نبكي على أنفسنا. لا يعني أن نبكي شفقة على أنفسنا، كما نميل إلى القيام بذلك في كثير من الأحيان. هذا يحدث، مثلًا عندما نشعر بخيبة أمل أو بالقلق إزاء انتظارات لم تتحقق، أو بسبب عدم فهم الآخرين لنا، وربّما إخوتنا ورؤسائنا. أو عندما نشعر بمتعة غريبة ومَرَضية في التفكير في الإجحافات التي تعرَّضنا لها لكي نتحسّر على أنفسنا، معتقدين أننا لم نحصل على ما نستحقه، ومتخيِّلين أن المستقبل سيحمل المزيد من المفاجآت السلبيّة. هذا – كما يعلّمنا القدّيس بولس – هو الحزن بحسب العالم، والذي يتعارض مع الحزن بحسب الله.
تابع البابا يقول أما البكاء على أنفسنا فهو أن نندم بشكل جدّي لأنّنا أحزنّا الله بالخطيئة، أن نعترف بأنّنا مدينون على الدوام وبدون أي استحقاق مطلقًا، ونُقرَّ بأنّنا أضعنا درب القداسة، لأنّنا لم نحافظ على الأمانة لمحبّة الذي بذل حياته من أجلي. البكاء على النفس هو أن أنظر إلى داخلي وأتألّم لنكراني للجميل وعدم ثباتي، وأن أتأمّل بحزن في ازدواجيّتي وزَيفِي، وأن أنزل إلى أعماق ريائي. لكي ومن بعدها، أرفع نظري إلى المصلوب وأسمح بأن تؤثِّر فيَّ محبّته التي تغفر وترفع على الدوام، ولا تخيِّب أبدًا الذين يثقون به. وهكذا، تستمرّ الدّموع في الانهمار وتنقّي قلبنا.
أضاف الأب الاقدس يقول إنَّ وَخْز الضّمِير في الواقع، يتطلّب جُهدًا، لكنّه يعيد السّلام، لا يسبّب الحزن، بل يخفّف من أثقال النّفس، لأنّه يعمل على جرح الخطيئة، ويُعدُّنا لكي ننال هناك لمسة الرب الذي يحوّل القلب “المُنكَسِر المُنسَحِق” الذي قد ليّنته الدّموع. إنَّ وَخْز الضّمِير إذن هو التّرياق لتصلّب القلب، وقساوة القلب التي ندَّد بها يسوع مرارًا. إنَّ القلب، في الواقع، بدون ندامة وبكاء يصبح قاسيًا: في البداية يصبح الأمر عادة بالنسبة له، ثم يصبح عديم التسامح إزاء المشاكل وغير مبالٍ بالأشخاص، ثم يصبح باردًا وغير عاطفي تقريبًا، كما لو كان ملفوفًا في قوقعة غير قابلة للكسر، وأخيراً يصبح من حجر . ولكن كما تحفر القطرة الحجر، كذلك تحفر الدموع القلوب القاسية ببطء. وهكذا نشهد على معجزة الحزن، الحزن الجيّد، الذي يؤدي إلى الحلاوة.
تابع البابا فرنسيس يقول نفهم إذًا لماذا يُصِرُّ المعلّمون الرّوحيّون على النّدم. يدعونا القدّيس بندكتس كلّ يوم لكي “نعترف لله بخطايانا الماضية بالدّموع والأنين”، ويؤكّد أننا عندما نصلّي “لن يُستجاب لنا من أجل كلماتنا، وإنما من أجل نقاوة قلوبنا ودموع الندم”. وإذا كانت دمعة واحدة بالنسبة للقدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفَم تُطفئ مجمرة من الخطايا، يوصينا كتاب الاقتداء بالمسيح: “استسلم لانسحاق القلب”، لأننا “لخفة القلب وإهمال نقائصنا، غالبًا ما لا نتنبّه لأحزان نفوسنا”. إنَّ النّدم هو العلاج، لأنّه يعيدنا إلى حقيقة أنفسنا، كما أنّ عمق كوننا خطأة يكشف لنا الحقيقة الأكبر لكوننا قد غُفر لنا. لذلك، لا يُدهشنا قول إسحق السّريانيّ: “إنَّ الذي ينسى مقدار خطاياه، ينسى مقدار نعمة الله له”.
أضاف الحبر الأعظم يقول صحيح أنّ كلّ ولادة جديدة في داخلنا تنبعث على الدوام من اللقاء بين بؤسنا ورحمته، وتمرّ من خلال فقرنا الرّوحيّ الذي يسمح للرّوح القدس بأن يُغنينا. على ضوء هذا الكلام، يمكننا أن نفهم الأقوال البليغة للعديد من المعلّمين الرّوحيّين. لنفكّر مجدّدًا في أقوال القدّيس إسحق: “إنَّ الذي يعرف خطاياه […] هو أكبر من الذي يُقيم الموتى بصلاته. والذي يبكي ساعة على نفسه، هو أكبر من الذي يخدم العالم بأسره بالتأمُّل […]. والذي أُعطيت له معرفة نفسه، هو أكبر من الذي أُعطيت له رؤية الملائكة”.
تابع البابا يقول أيّها الإخوة، لننظر الآن إلى أنفسنا ولنسأل أنفسنا عن مدى حضور الندم والدموع في فحصنا لضميرنا وفي صلاتنا. لنسأل أنفسنا إن كانت الدّموع تزداد مع مرور السّنين. من هذا المنظور، من الجيّد أن يحدث العكس مقارنة مع الحياة البيولوجيّة، حيث عندما ننمو ونكبر، نبكي أقلّ ممّا كنّا عليه ونحن أطفالًا. أمّا، في الحياة الرّوحيّة، وحيث من المهمّ أن نصبح أطفالًا، الذي لا يبكي يتراجع إلى الوراء، ويهرم في داخله، أمّا الذي يصل إلى صلاة بسيطة وحميمة، تقوم على العبادة والتأثّر أمام الله، ينضج. فيرتبط بشكل أقلّ بنفسه، ويزداد تعلّقه بالمسيح، ويصبح فقيرًا بالرّوح. بهذه الطّريقة يشعر بأنّه أقرب إلى الفقراء، أحباء الله، الذين كان في البدء – كما كتب القدّيس فرنسيس في وصيّته – يُبعدهم عنه لأنّه كان في الخطايا، ولكن بعد ذلك، تحوّلت رفقتهم المرّة إلى رفقة حلوة. وهكذا، فالذي يشعر بوخز الضمير في قلبه يشعر بأنّه أخٌ لجميع الخطأة في العالم، بدون أيّ مظهر من مظاهر التّفوّق أو الأحكام القاسية، وإنما مع رغبة في الحبّ التعويض.
أضاف الحبر الأعظم يقول وهذه هي ميزة أخرى للندم: التّضامن. إنَّ القلب المطيع، الذي حررته روح التّطويبات، يصبح بطبيعة الحال ميالاً لعيش وممارسة النّدم تجاه الآخرين: وبدلاً من أن يغضب ويتشكّك بسبب الشر الذي يصنعه إخوته، هو يبكي على خطاياهم. فيحدث هنا نوع من الانقلاب، فينقلب الميل الطبيعي إلى التساهل مع أنفسنا وعدم المرونة مع الآخرين، ونصبح بنعمة الله، صارمين مع أنفسنا ورحماء تجاه الآخرين. والرّبّ يسوع يبحث، ولاسيما بين المكرَّسين له، عن أشخاص يبكون على خطايا الكنيسة والعالم، ويجعلون من أنفسهم أدوات شفاعة للجميع. كم من الشّهود الأبطال في الكنيسة يدلّوننا على هذا الطّريق! لنفكّر في رهبان الصّحراء، في الشّرق وفي الغرب، وفي الشّفاعة الدّائمة التي تقوم على الدّموع والنّحيب للقدّيس كريكور ناريكاتسي، وفي التّقدمة الفرنسيسكانيّة محبّة بالحبّ غير المحبوب، وفي الكهنة، مثل كاهن آرس، الذين كانوا يعيشون في الندامة من أجل خلاص الآخرين. وهذا ليس شِعرًا، هذا هو الكهنوت!
تابع الأب الأقدس يقول أيّها الإخوة الأعزّاء، إنَّ الرّبّ يسوع لا يطلب منّا، نحن رعاته، أحكامًا قاسية على الذين لا يؤمنون، بل محبة ودموعًا من أجل البعيدين. إنَّ الأوضاع الصّعبة التي نراها ونعيشها، وغياب الإيمان، والآلام التي نلمسها، إذا بلغت إلى قلب منسحق، لن تجعلنا نرد بالإدانة، وإنما بالمثابرة والرحمة. ما أحوجنا لأن نكون أحرارًا من القسوة والاتّهامات، ومن الأنانيّة والأطماع، ومن التّصلّب وعدم الرّضا، لكي نوكل أنفسنا والآخرين إلى الله، ونجد فيه السّلام الذي يخلّصنا من كلّ عاصفة. لنعبد ولنتشفَّع ولنبكِ من أجل الآخرين: ونسمح للرّبّ يسوع أن يصنع العظائم. ولا نَخافنَّ لأنّه سوف يفاجئنا!
أضاف البابا يقول إنَّ خدمتنا ستسفيد من ذلك. واليوم، في مجتمع علمانيّ، نواجه خطر أن نكون مفرطي النشاط وأن نشعر في الوقت عينه بعدم الكفاءة، ونتيجة لذلك نفقد الحماس ونميل إلى الاستسلام والانغلاق في الشكوى والتذمُّر وننسى أن الله هو أعظم وأكبر من مشاكلنا. إذا حدث ذلك، نمتلئ بالمرارة ونصبح لاذعين. ولكن إذا وجّهنا المرارة ووخز الضمير إلى قلوبنا وليس إلى العالم، فسيزورنا الرّبّ وينهضنا. كما يحثّنا أن نعمل كتاب الاقتداء بالمسيح: “لا تشغل بالك بأمور الغير، ولا تتدخّل في مهام الرّؤساء. لتكن عينك على نفسك قبل كلّ شيء، وعاتب ذاتك بالأخصّ، قبل أن تعاتب أحبّائك. إن لم يكُن لك حظوة عند الناس فلا تغتمّ لذلك، بل الأولى لك أن تكتئب، لأنك لست على ما ينبغي من حسن السلوك والتحرُّز”.
تابع الحبر الأعظم يقول أخيرًا، أودّ أن أسلّط الضوء على جانب أساسيّ: إنَّ النّدم ليس ثمرة جهودنا، بل هو نعمة علينا أن نطلبها في الصّلاة. الندم هو عطيّة من الله، وهو ثمرة عمل الرّوح القدس. لكي نسهّل نموّها، أشارككم نصيحتَين صغيرتَين. الأولى هي ألّا ننظر إلى الحياة والدّعوة من منظور الفعّالية والفوريّة، الذي يرتبط فقط بالحاضر وبضروراته وانتظاراته، وإنما أن ننظر إلى الأمور في الأفق الأكبر للماضي والمستقبل. فنتذكر من الماضي، أمانة الله، ومغفرته، ونتجذَّر في محبّته، ومن المستقبل، نفكّر في الهدف الأبديّ الذي نحن مدعوّون إليه، وفي الهدف النّهائي لحياتنا. إنَّ توسيع الآفاق يساعد على توسيع القلب، ويحفّزنا لكي نعود إلى أنفسنا مع الرّبّ يسوع ونعيش النّدم. النّصيحة الثّانية، وهي نتيجة للأولى: أن نكتشف ضرورة أن نكرِّس أنفسنا لصلاة لا تكون إلزامية ووظيفية، وإنما مجانية وهادئة ومستمرّة. لنَعُد إلى العبادة وإلى صلاة القلب. ولنردِّد: يا يسوع ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ. لنشعر بعظمة الله في ضَعَتِنا نحن الخطأة، لكي ننظر إلى داخلنا ونسمح لنظرته بأن تخترقنا. وسنكتشف مجدّدًا حكمة أمِّنا الكنيسة المقدّسة، التي تدعونا لكي نفتتح صلاتنا بصلاة الفقير الذي يصرخ: يا ربّ، أَسرِعْ إِلى إغاثتي.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيّها الأعزّاء، لنَعُد أخيرًا إلى القدّيس بطرس وإلى دموعه. إنَّ المذبح الموضوع فوق قبره لا يمكنه إلّا أن يجعلنا نفكّر في كمّ مرّة، نحن الذين نقول هناك كلّ يوم: “خذوا فكلـوا من هـذا كُـلكم: هـذا هـو جسـدي الذي يُبـذل من أجـلكم”، نخيّب ونحزن ذلك الذي أحبّنا لدرجة أنّه جعل من أيدينا أدوات لحضوره. لذلك، من الجيّد أن نتبنى تلك الكلمات التي نُعدُّ فيها أنفسنا بصوتٍ مُنخفض: “اقبَلْنا، يا رَبُّ، لِتواضُعِ أرواحِنا وانسِحَاقِ نُفُوسِنا”، وأيضًا: “اغسِلْني، يا رَبُّ، مِن إِثمي، ومِن خَطيئَتي طَهِّرْني”. في هذا كلّه، أيّها الإخوة، يعزّينا اليقين الذي تسلّمناه اليوم من كلمة الله: إنَّ الرّبّ يسوع، المكرَّس بالمسحة، قد جاء “لِيَجبُرَ مُنكَسِري القُلوب”. لذلك، إذا انكسر القلب، يمكن ليسوع أن يَجبُرَه ويشفيه. شكرًا، أيّها الكهنة الأعزّاء، على قلبكم المنفتح والمُطيع، وشكرًا على تعبكم ودموعكم، وشكرًا لأنّكم تحملون عظمة رحمة الله إلى الإخوة والأخوات في زمننا. ليعزّيكم الرب ويثبّتكم ويُكافئكم.