إمكانية عيش الأشخاص حياة كريمة في بلدانهم، تفادي الترحيل القسري وتذكُّر أن خلف الأرقام هناك رجال ونساء في حاجة إلى مساعدة، كانت هذه من بين أهم النقاط التي شدد عليها البابا فرنسيس في رسالة موجهة إلى المنتدى العالمي للاجئين المنعقد في جنيف، وقد قرأ رسالة الأب الأقدس الكاردينال بييترو بارولين.
شارك الكاردينال بييترو بارولين أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان في المنتدى العالمي للاجئين الذي تنظمه الأمم المتحدة في جنيف والذي بدأ الأربعاء ١٣ كانون الأول ديسمبر ويستمر حتى الغد الجمعة. وقرأ نيافته الرسالة التي وجهها البابا فرنسيس لهذه المناسبة، وقد بدأ الأب الأقدس رسالته موجها تحياته القلبية إلى الجميع متمنيا النجاح لهذا اللقاء الهام الذي يمَكننا من التوقف والتأمل إلى أين وصلنا أربع سنوات عقب المنتدى الأول، كتب قداسته. وتابع البابا أن مجرد التجمع هنا اليوم يُظهر التزامنا الواضح من أجل حل قضية اللاجئين كمسؤولية متقاسمة، ووصف هذا بعلامة رجاء تضاف إلى علامات إيجابية كثيرة أراها كل يوم، قال الأب الأقدس مشيرا إلى البلدان والجماعات المضيفة التي فتحت حدودها وقلوبها لاستقبال اللاجئين، وإلى الأيادي الممدودة من أجل انقاذ الأشخاص في البحار، وأيضا إلى الأعين المليئة بالحياة والرجاء للاجئين الذين يريدون تغيير حياتهم والإسهام في المجتمعات التي ينتقلون إليها، وإلينا نحن مَن لا يزال يعتبر التعاون مفتاح حل المشاكل العالمية، قال الحبر الأعظم.
وواصل البابا فرنسيس رسالته التي قرأها الكاردينال بارولين مشددا على ضرورة ألا ننسى أبدا قبل مناقشة تحديات اللجوء أن كل شخص يجب أن يكون حرا في اختيار أن يهاجر أو ألا يهاجر، وضرورة أن تتوفر لكل شخص فرصة عيش حياة كريمة في بلده. ثم توقف الأب الأقدس عند الأوضاع الحالية مذكرا بأن حوالي ١١٤ مليون شخص يجبَرون على النزوح والذي غالبا ما يكون نزوحا داخليا، وذلك بسبب النزاعات والعنف والاضطهاد، بما في ذلك الاضطهاد على أساس الدين، وأيضا جراء تبعات التغيرات المناخية. وواصل البابا أن هذه العوامل تزداد تعقيدا بينما لم تواجه ردودنا بشكل ملائم هذه التحديات، وهكذا نواصل الحزن على أعداد لا تُحصى من أشخاص فقدوا حياتهم على الأرض أو في البحر خلال طلبهم المساعدة أو فرارهم من مستقبل بلا أمل. وشدد البابا فرنسيس بالتالي على ضرورة أن تظل حماية الأشخاص وإنقاذهم أولوياتنا، كما وأشار إلى امتلاء عالمنا بالأنباء والإحصائيات فغالبا ما ننسى أن خلف هذه الأرقام هناك وجوه بشر لكل منها قصته ومعاناته، فكل رقم يمثل واحدا من أخوتنا وأخواتنا الذين يحتاجون إلى المساعدة. وتابع الأب الأقدس مشددا على ضرورة الالتزام بمبدأ الترحيل الآمن والطوعي لمن يُضطرون إلى ترك بلدانهم، وأضاف أنه لا يمكن ترحيل أي شخص إلى بلد يمكنه فيه التعرض إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان أو للموت، بل نحن مدعوون في المقابل إلى تأسيس جماعات مستعدة ومنفتحة على استقبال وتعزيز ومرافقة ودمج مَن يطرق أبوابنا. وأراد البابا التشديد في هذا السياق على ضرورة إدراك أن الاعتراف باللاجئين ليس مجرد اعترف بوضع قانوني بل هو اعتراف بالكرامة البشرية الكاملة التي وهبها الله. وتابع أن كل فرد، وكعضو في العائلة البشرية الواحدة، يستحق مكانا يمكن أن يسميه بيته، ويعني هذا الحصول على الغذاء والتمتع بالرعاية الصحية والتعليم وعمل كريم، ويعني أيضا أن يكون للشخص مكان يكون فيه مفهوما ومشمولا، محبوبا ويلقى العناية، مكان يمكنه فيه أن يشارك وأن يساهم. وأوضح الأب الأقدس أيضا أن اللاجئين هم أشخاص لهم حقوق وعليهم واجبات لا مجرد مستفيدين من مساعدة، وأضاف أنه قد لا تتوفر للأشخاص إمكانية اختيار المكان الذي يتوجهون إليه ولكن حين تفرض الظروف اختيارا ما فلا يجوز حرمانهم من بداية جديدة تصبح فيها مواهبهم وقدراتهم موردا للجماعات المضيفة. وشدد البابا أيضا على ضرورة إشراك اللاجئين كجزء من الحل.
وفي ختام رسالته إلى المنتدى العالمي للاجئين المنعقد في جنيف أكد البابا فرنسيس أننا نمر اليوم بمرحلة حاسمة حيث علينا الاختيار ما بين ثقافة إنسانية وأخوّة وثقافة لامبالاة. ثم أعرب قداسته عن الرجاء في أن يكون هذا المنتدى مثالا على تعددية الأطراف التي لها أهمية كبيرة في زمننا، وواصل راجيا أن يُطبع هذا اللقاء بروح وبرؤية اتفاقية اللجوء التي تعود إلى سنة ١٩٥١ وأن يعيد تأكيد مبادئ الأخوّة والتضامن وعدم الترحيل القسري من خلال تعاون دولي وتقاسم للحدود، وذلك أيضا لتحفيف الضغط على الدول المستقبلة للاجئين.