البابا فرنسيس يواصل تعليمه حول الفضائل ويتأمل خلال المقابلة العامة مع المؤمنين حول فضيلة القوة

كانت فضيلة القوة محور التعليم الأسبوعي للبابا فرنسيس اليوم الأربعاء، وذلك خلال مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس.
واصل قداسة البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي وتحدث اليوم الأربعاء إلى المؤمنين في ساحة القديس بطرس خلال مقابلته العامة عن فضيلة القوة، وذلك في سياق التأمل في الفضائل بعد أن أنهى تعليمه حول الرذائل. وبدأ الأب الأقدس مذكرا بتعريف هذه الفضيلة الرئيسة الثالثة حسب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية والذي يذكر أن القوة هي “الفضيلة الأخلاقية التي تؤمِّن، في المصاعب، الثبات والصمود في السعي إلى الخير. إنها تُثَبِّت العزم على مقاومة التجارب والسيطرة على العقبات في الحياة الأخلاقية. فضيلة القوة تُمَكن من التغلب على الخوف، حتى الخوف من الموت، ومواجهة المحن والاضطهادات” (التعليم المسيحي ١٨٠٨).
وتابع البابا فرنسيس مشيرا إلى كون هذه الفضيلة الأكثر كفاحا مقارنة بالفضيلتين الرئيستين الأولى والثاني، أي الفطنة والعدل، فالأولى مرتبطة بفكر الإنسان والثانية بإرادته. وأضاف الأب الأقدس أن الفكر القديم لم يكن يتخيل الإنسان بدون شغف، وإلا فسيكون كالحجر، إلا أن الشغف ليس بالضرورة من بقايا خطيئة، ولكن يجب تربيته وتوجيهه وتطهيره بماء المعمودية، أو بالأحرى بنار الروح القدس. وتوقف قداسة البابا في حديثه عند يسوع فقال إنه ليس إلها يجهل المشاعر الإنسانية بل على العكس، فقد بكى أمام موت صديقه اليعازر، كما ويَظهر شغفه في بعض كلماته. وأعطى قداسته مثلا كلمات يسوع “جِئتُ لأُلِقيَ على الأَرضِ ناراً، وما أَشدَّ رَغْبَتي أَن تَكونَ قدِ اشتَعَلَت” (لوقا ١٢، ٤٩). كما وذكَّر البابا بقوة فعل يسوع حين دخل الهيكل وطرد مَن يبيعون ويشترون فيه (راجع متى ٢١، ١٢-١٣).
وواصل قداسة البابا تعليمه متأملا في معنى هه الفضيلة الهامة، فأشار إلى أن الفلاسفة اليونانيين واللاهوتيين المسيحيين قد ميزوا مسارَين للقوة، أحدهما سلبي والثاني فاعل. وأضاف الأب الأقدس أن الأول موجه إلى دواخلنا حيث هناك أعداء داخليون علينا أن نهزمهم، وتحدث هنا عن الاضطراب والقلق والخوف والشعور بالذنب، قوى تتحرك في أعماقنا وتشلنا في بعض الحالات. وتابع البابا فرنسيس مشيرا إلى الكثير من المكافحين الذين يُهزمون حتى قبل أن يبدأ التحدي، وأضاف أن القوة هي في المقام الأول انتصار على أنفسنا، كما وقال إن الجزء الأكبر من المخاوف التي تولد فينا هو غير واقعي، أمور لا تحدث، ومن الأفضل بالتالي التضرع إلى الروح القدس ومواجهة كل شيء بقوة صبورة، مشكلة تلو الأخرى، ولكن لا بمفردنا، فالرب هو معنا في حال أوكلنا إليه أنفسنا وكنا نسعى بصدق إلى الخير، يمكننا دائما الاعتماد على العناية الإلهية التي تصبح درعا بالنسبة لنا، قال قداسته.
ثم تحدث قداسة البابا عن المسار الآخر لفضيلة القوة، عن حركة أكثر فاعلية، وتابع أنه وإلى جانب الاختبارات الداخلية هنالك أعداء خارجيون، أي تجارب الحياة والاضطهادات والمصاعب غير المتوقَعة والتي تفاجئنا. وقال الأب الأقدس في هذا السياق إننا قد نحاول توقع ما سيحدث لنا ولكن الواقع في الغالب يتألف من أحداث غير متوقَّعة. وفي هذا البحر، تابع البابا فرنسيس، قد يحدث أن تؤرجح الأمواج مركبنا، وهكذا فإن القوة تجعلنا بحارة أقوياء، لا نفزع ولا نيأس.
وواصل البابا فرنسيس الحديث عن القوة مذكرا بأنها فضيلة رئيسة وذلك لأنها تتعامل بشكل جدي مع تحدي الشر في العالم، وأضاف أن هناك مَن يتصرف وكأنه ما من وجود لهذا التحدي وكأن كل شيء يسير على ما يرام، كأن الرغبة البشرية لا تكون أحيانا عمياء أو أنه ليست هناك في التاريخ قوى مظلمة تحمل الموت. ولكن يكفي تصفُّح كتاب التاريخ أو مجرد الجرائد، قال البابا فرنسيس، لنكتشف الفظائع التي نحن ضحاياها ولكن أيضا أبطالها بعض الشيء، مثل الحروب والعنف، الاستعباد وقمع الفقراء، وجراح لم تلتئم لا تزال تنزف. وتابع الأب الأقدس أن فضيلة القوة تجعلنا نتجاوب صارخين “لا” قاطعة لكل هذا.
ومن بين ما تحدث عنه البابا فرنسيس الشعور أحيانا بحنين إلى الأنبياء، حسبما قال قداسته، وذلك بشكل خاص في الغرب حيث هناك تركيز على تنمية عضوية ليست في حاجة إلى كفاح لأن كل الأمور تبدو متشابهة. وأضاف الأب الأقدس أننا في حاجة إلى من يزيحنا عن المكان المريح الذي نستلقي فيه ويجعلنا نكرر بحزم كلمة “لا” للشر ولكل ما يؤدي إلى اللامبالاة. وختم البابا فرنسيس بالتالي: لا للمبالاة، نعم لمسيرة تجعلنا نتقدم، ما يتطلب الكفاح. ودعا قداسته إلى أن نكتشف مجددا قوة يسوع وأن نتعلم من شهادات القديسين.
هذا وقال قداسة البابا عقب انتهائه من تعليمه الأسبوعي وخلال تحيته المؤمنين إنه يتوجه بفكره إلى الشباب والمرضى والمسنين والمتزوجين حديثا راجيا أن يُنموا في قلوبهم نور إعلان الفصح المعزي والذي يدعو إلى ترسيخ الإيمان والرجاء في يسوع المصلوب والقائم من بين الأموات. كما وأكد الأب الأقدس توجهه بالفكر إلى أوكرانيا والأرض المقدسة، وتضرع كي يهبنا الرب السلام مشيرا إلى الحروب الكثيرة مذكِّرا أيضا بالأوضاع في ميانمار. دعا البابا بالتالي إلى طلب السلام من الرب وإلى عدم نسيان أخوتنا وأخواتنا الذين يعانون حيثما هناك حروب.