كانت رذيلة الشراهة محور تعليم البابا فرنسيس الأسبوعي اليوم الأربعاء خلال مقابلته العامة مع المؤمنين.
أجرى البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين مواصلا تعليمه حول الرذائل والفضائل. وتوقف الأب الأقدس اليوم عند رذيلة الشراهة، وعاد إلى ما يروي لنا الإنجيل حول المعجزة الأولى ليسوع أي ما فعل في عرس قانا الجليل حين، وكما قال البابا فرنسيس، كشف يسوع تعاطفه أمام أفراح البشر. وتابع البابا أن يسوع كان يريد للعرس أن ينتهي بشكل جيد فوهب العريسين الخمرة الجيدة. وتوقف الأب الاقدس بعد ذلك عند كون يسوع يبدو كنبي مختلفا عن يوحنا المعمدان، فبينما كان يوحنا يأكل ما يجد في البرية نجد يسوع، حسب ما يروي لنا الإنجيل مرات كثيرة، حول المائدة، وكان يثير دهشة البعض لا فقط لكونه رحوما مع الخطأة بل ولأنه كان أيضا يأكل معهم. وهذا الفعل، حسبما واصل قداسة البابا، يكشف رغبة يسوع في الشركة والقرب إزاء الجميع.
ثم أراد البابا فرنسيس تسليط الضوء على نقطة أخرى، فبينما كانت أفعال يسوع تكشف احترامه للشريعة كان من جهة أخرى متفهما لتلاميذه حين قلعوا سنابل القمح عندما شعروا بالجوع. فقد برر يسوع تصرف التلاميذ هذا مذكرا بأن داود الملك أيضا قد أخذ هو والذين معه الخبز المقدس. (راجع مرقس ٢، ٢٣-٢٦). وواصل قداسة البابا أن يسوع قد ثبَّت مبدأً جديدا، ألا وهو أن أهل العرس لا يمكنهم أن يصوموا والعريس بينهم، وأضاف الأب الأقدس أن يسوع يريدنا أن نكون في فرح برفقته، فهو مثل عريس الكنيسة، لكنه يريدنا أن نشارك أيضا في آلامه والتي هي أيضا آلام الصغار والفقراء.
إن يسوع قد أسقط من جهة أخرى، حسبما واصل البابا فرنسيس، التفرقة التي كانت في الشريعة بين الطعام النقي والطعام النجس. وذكَّر قداسته بأن يسوع يقول بوضوح أن ما يجعل الطعام سيئا ليس الطعام في حد ذاته بل علاقتنا به، وهذا ما نرى في الأشخاص الذين لديهم علاقة غير طبيعية مع الطعام، حين نشاهد مَن يأكل بشكل سريع وكأنه يريد سد جوعه لكنه لا يشبع أبدا، وهؤلاء الأشخاص هم بالأحرى عبيد للطعام، قال البابا. ثم أشار قداسته إلى تثمين يسوع للطعام وتحدث عن أن العلاقة السيئة مع الطعام هي التي تسبب المشاكل التي يحاول الطب وعلم النفس حلها مثل فقدان الشهية والإفراط في تناول الطعام والسمنة. وتحدث البابا بالتالي عن أمراض غالبا ما تكون مؤلمة ترتبط بمشاكل نفسية مشيرا إلى ان هناك رباطا بين الخلل النفسي وكيفية تناول الطعام، فالتغذية هي انعكاس لشيء ما في دواخلنا، الميل إلى التوازن أو إلى المبالغة، القدرة على الشكر أو عنجهية الشعور بالاستقلالية، تعاطُف مَن بإمكانه تقاسم الطعام مع المعوزين أو أنانية مَن يكدس كل شيء لنفسه. ففي كيفية تناولنا للطعام تظهر أعماقنا وعاداتنا وتصرفاتنا النفسية، قال الأب الأقدس.
ثم عاد البابا فرنسيس إلى الحديث عن رذيلة الشراهة مذكرا بأن الآباء الأوائل كانوا يطلقون عليها ما يمكن ترجمته إلى جنون البطن، كما وذكَّر بالمَثل الشهير أن علينا أن نأكل لنعيش لا أن نعيش لنأكل. وتابع قداسته أن هذه الرذيلة ترتبط بحاجة ضرورية بالنسبة لنا وهي تناول الغذاء وأشار إلى أهمية الانتباه على هذا الأمر. ثم تحدث الأب الأقدس عن رذيلة الشراهة من وجهة النظر الاجتماعية فقال إنها على الأرجح الرذيلة الأكثر خطورة، فهي تقتل الكوكب. وتابع أن مَن يبالغ أمام كعكة لا يسبب أضرارا كبيرة بينما النهم الذي يميز تصرفاتنا إزاء خيور كوكب الأرض منذ بضعة قرون يُلحق الضرر بمستقبل الجميع. إننا نهاجم كل شيء لنكون أسياد كل شيء بينما أوكلت إلينا الأشياء لنحرسها، لا لنستغلها، قال قداسة البابا. وواصل أننا هكذا قد تحولنا من بشر إلى مستهلكين، وهذا هو المصطلح المستخدَم في الحياة الاجتماعية حتى أننا لم ننتبه إلى أن هناك مَن بدأ بتسميتنا بهذا الاسم. لقد خُلقنا لنكون رجالا ونساء قادرين على الشكر وعقلاء في استخدام الأرض، بينما يهددنا خطر التحول إلى مفترسين، وها نحن ننتبه اليوم إلى أن هذا الشكل من الشراهة قد ألحق ضررا كبيرا بالعالم. ثم ختم قداسة البابا فرنسيس: لنطلب من الرب أن يساعدنا على درب القناعة وألا تستحوذ أشكال الشراهة الكثيرة على حياتنا.
هذا وعقب انتهائه من تعليمه الأسبوعي خلال المقابلة العامة مع المؤمنين اليوم الأربعاء تحدث البابا فرنسيس عن تجديد القرب من الشعب الأوكراني المتألم بشكل كبير ومن المعانين بسبب الحروب في فلسطين وإسرائيل ومناطق العالم المختلفة. كما وتضرع الأب الأقدس إلى الرب كي يزرع في قلوب حكام الدول بذرة السلام.