البابا فرنسيس يلتقي في البندقية الفنانين ويتحدث عن أهمية الفن وحاجة العالم إلى الفنانين

شدد البابا فرنسيس خلال لقائه الفنانين في البندقية على أهمية الفن وحاجة العالم إلى الفنانين في مواجهة شرور مختلفة. وأشار قداسته إلى مشاركة الكرسي الرسولي في بينالي البندقية، المعرض العالمي للفنون.
كان اللقاء مع الفنانين المحطة الثانية في زيارة البابا فرنسيس الرعوية إلى البندقية. فبعد حديثه إلى السجينات في سجن جوديكا للنساء توجه قداسته إلى كابلة السجن، كنيسة مريم المجدلية، حيث كان في استقباله الكاردينال جوزيه تولنتينو دي مندونسا عميد الدائرة الفاتيكانية للثقافة والتربية والمشرف على جناح الكرسي الرسولي في المعرض الدولي للفنون، بينالي البندقية، وعدد من المسؤولين وممثلي السلطات، إلى جانب الفنانين. وعقب كلمة لعميد دائرة الثقافة والتربية رحب فيها بالأب الأقدس تحدث البابا فرنسيس فقال في البداية إنه كان يرغب كثيرا في زيارة بينالي البندقية لتبادل الزيارة كما يحدث بين الأصدقاء، وذلك في إشارة إلى استقباله في كابلة السيستين في حزيران يونيو المنصرم مجموعة كبيرة من الفنانين. وأضاف أنه يأتي اليوم للقاء الفنانين بشكل مباشر وشخصي وليشعر بقرب أكبر منهم ويتمكن هكذا من شكرهم على ما هم عليه وعلى ما يقومون به.
وواصل الأب الأقدس أنه يريد من هذا المكان توجيه رسالة إلى الجميع: العالم في حاجة إلى الفنانين. وأضاف البابا فرنسيس أن هذا ما تثبته الأعداد الكبيرة من أشخاص من فئات عمرية مختلفة الذين يتوجهون إلى أماكن الفن ويتابعون الأحداث الفنية. ثم ذكَّر قداسته هنا بالجناح الأول الذي أعده الكرسي الرسولي ست سنوات مضت في جزيرة سان جوروجو بالتعاون مع مؤسسة تشيني وذلك في إطار بينالي البندقية.
وتابع البابا فرنسيس قائلا للفنانين إنه لا يشعر بنفسه غريبا بينهم، بل يشعر وكأنه في بيته، وأعرب عن قناعته بأن هذا ينطبق على كل كائن بشري وذلك لأن الفن يُعتبر مدينة للهروب، مدينة لا تطيع نظام العنف والتفرقة وذلك من أجل خلق أشكال من الانتماء الإنساني قادرة على الاعتراف بالجميع، دمجهم، حمايتهم ومعانقتهم، الجميع بدءً من الأخيرين. ثم ذكَّر الأب الأقدس بأن هذه المدن الملاجئ قد تحدث عنها الكتاب المقدس في سفر تثنية الاشتراع، وذلك كأماكن هدفها تفادي إراقة دماء بريئة، السيطرة على الرغبة العمياء في الانتقام، الدفاع عن حقوق الإنسان والبحث عن سبل مصالحة. تحدث البابا بالتالي عن أهمية ان تشكل الممارسات الفنية المختلفة أينما كانت شبكة من المدن الملاجئ، وذلك في تعاون من أجل تحرير العالم من مناقَضات لا معنى لها تحاول أن تكون لها الغلبة نراها في العنصرية ومعاداة الأجانب، اللامساواة، الخلل البيئي ورهاب الفقراء، وقال قداسته عن هذا الأخير إنه تعبير رهيب يعني الخوف من الفقراء. وواصل أن وراء كل هذه المناقَضات هناك رفض الآخر والأنانية التي تجعلنا نتصرف كجزر منفصلة بدلا من أن نكون أرخبيلات في تعاون. ثم دعا الأب الأقدس الفنانين إلى أن يتخيلوا مدنا لا وجود لها بَعد على الخارطة، مدنا لا يُعتبر فيها أي كائن بشري غريبا، وأضاف أنه وبدلا من استخدام تعبير غرباء في كل مكان فلنقترح أخوة في كل مكان.
توقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند الجناح الذي يشارك به الكرسي الرسولي في بينالي البندقية هذا العام، وقد اختير عنوان الجناح “بعينَيّ”. وقال قداسته إننا جميعا في حاجة إلى أن يُنظر إلينا وإلى أن تكون لدينا الشجاعة للنظر إلى أنفسنا، وتابع أن يسوع هو معلم دائم لهذا حيث ينظر إلى الجميع بقوة مَحبة لا تدين، هو قريب ويشجع. وأضاف البابا أن الفن من وجهة نظره يربينا على هذا الشكل من النظرات، نظرات غير استحواذية، غير ذاتية ولكنها ليست من جهة أخرى غير مبالية أو سطحية. يربينا الفن على نظرة تأملية، قال الأب الأقدس. ثم واصل أن الفنانين هم في العالم لكنهم مدعوون إلى أن يتجاوزوه، وأضاف البابا أن اليوم على سبيل المثال من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نكون قادرين على أن نفرِّق بوضوح بين الفن والسوق. وتابع قداسته أن السوق يعزز الفن ويمنحه مكانة ولكن هناك خطر أن يلتهم الإبداع ويسلب البراءة وحتى أن يملي ببرود ما يجب عمله.
أشار البابا فرنسيس بعد ذلك إلى اختيار أن يتم هذا اللقاء في سجن جوديكا للنساء، وقال إنه صحيح أن الألم ليس حكرا لأحد ولكن هناك أفراح وآلام تجمعنا ولديها الكثير مما يمكنها أن تُعلِّمنا، وذلك في إشارة إلى الأعمال الفنية لنساء مثل الفنانات فريدا كاهلو، كوريتا كينت ولويز بورجوا وكثيرات غيرهن. ثم أعرب قداسة البابا عن الرجاء أن ينجح الفن المعاصر في فتح أعيننا ومساعدتنا على أن نقدِّر بالشكل المناسب إسهام النساء كبطلات شريكات في المغامرة الإنسانية.
وفي ختام حديثه إلى الفنانين أراد البابا فرنسيس التذكير بالسؤال الذي وجهه يسوع إلى الجموع في شأن يوحنا المعمدان: “ماذا خَرَجتُم إِلى البَرِّيَّةِ تَنظُرون؟ أَقَصَبةً تَهُزُّها الرِّيح؟ بل ماذا خَرَجتُم تَرَون؟” (متى ١١، ٧-٨). ثم دعا الأب الأقدس إلى الحفاظ على هذا السؤال في قلوبنا، فهو سؤال يدفعنا نحو المستقبل. شكر قداسة البابا في الختام الجميع مؤكدا صلاته من أجلهم وسألهم أن يُصلوا من أجله.