في مقابلة مع هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية أكد البابا فرنسيس قوة وشجاعة التفاوض من أجل إنهاء الحروب والتي هي دائما هزيمة.
أجرت هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية RSI في شهر شباط فبراير مقابلة مع قداسة البابا فرنسيس. وكانت الحرب في أوكرانيا والأوضاع في غزة من المواضيع الأساسية في هذه المقابلة، حيث سُئل الأب الأقدس في البداية عن كيفية العثور على بوصلة أمام ما يحدث بين إسرائيل وفلسطين. وأجاب البابا: علينا السير قدما، وتابع أنه يتصل يوميا في السابعة بهد الظهر برعية غزة مضيفا أن مَن يعيش في غزة يروي ما يشهد أي الحرب، وتابع أن أي حرب يشارك فيها طرفان لا طرف واحد فقط وذكَّر قداسته بأننا لو نظرنا إلى التاريخ فسنرى أن الحروب التي عشناها قد انتهت جميعها بالاتفاق.
وفي إجابته على سؤال حول الحرب في أوكرانيا، وخاصة أمام دعوة البعض إلى التحلي بشجاعة رفع الراية البيضاء حسبما ذكر الصحفي الذي أجرى المقابلة مع البابا بينما يرى آخرون أن مثل هذا الاختيار سيمنح شرعية للأقوى، قال البابا فرنسيس إن الأقوى هو مَن يرى الوضع ويفكر في السكان ومَن لديه الشجاعة للتفاوض. وأضاف أن اليوم يمكن التفاوض بمساعدة القوى الدولية ووصف التفاوض بكلمة شُجاعة لأن مَن يرى أن الأمور لا تسير بشكل جيد عليه التحلي بالشجاعة للتفاوض وذلك أيضا في الوقت المناسب مع البحث عن بلد يمكنه القيام بالوساطة. وتابع الأب الأقدس أنه لا يمكن الخجل من التفاوض أمام الأعداد الكبيرة من الموتى. وتساءل الصحفي هنا إن كان البابا قد اقترح اسهامه في التفاوض، وأجاب الأب الأقدس مذكرا بأنه قد أرسل إلى يهود إسرائيل رسالة دعا فيها إلى التأمل في الوضع الحالي، وأضاف أن التفاوض لا يعني أبدا الاستسلام بل هو شجاعة عدم حمل البلاد إلى الانتحار.
انتقل الحديث بعد ذلك إلى صلاة البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس خلال جائحة كوفيد ١٩ وربط الصحفي الحديث بما ذُكر سابقا عن رمز الراية البيضاء فقال للبابا إنه كان نقطة بيضاء في ذلك المساء في ساحة القديس بطرس وسط العتمة. وقال الأب الأقدس إن هذا الحدث كان فعلا تلقائيا وإنه لم يتنبه إلى ما قد يكون له من معنى كبير، وأضاف أنه شعر بضرورة الصلاة وكان يتألم مثل الجميع وقد شعر بواجبه أن يكون وسيطا، أن يكون كاهنا، ليصلي من أجل الشعب المتألم ولطلب رحمة الله.
وانطلاقا من الحديث عن اللون الأبيض والذي يُبرز البقع بشكل أكبر واصل الصحفي توجيه الأسئلة إلى الأب الأقدس حول البقع الرمزية لا تلك المادية فقط، وإن كان من الممكن ألا تكون لدينا بقع. وأجاب البابا فرنسيس أننا جميع خطأة، مضيفا أن مًن يقول إنه غير خاطئ يخطيء. الخطيئة تلوث النفس، قال قداسته، وتلوث ما هو أبيض أيضا. وتابع أنه حين يفكر في اللون الأبيض يتوجه بالفكر إلى الأطفال والمعمودية حيث يرتدي الجميع ملابس بيضاء، كما ويتذكر قداسته مناولته الأولى، هذا إلى جانب ارتداء النساء خلال الأعراس ملابس بيضاء. فاللون الأبيض يرمز للنقاء والأشياء الجميلة، قال الأب الأقدس، مضيفا أنه لون قوي، ليس ضعيفا.
أجاب البابا فرنسيس بعد ذلك على سؤال حول ثقل ما يحمل من مسؤولية فقال صحيح إنها مسؤولية كبيرة ولكن لدينا جميعا مسؤولياتنا في الحياة، ولدى البابا مسؤولية أكبر. وتحدث في هذا السياق عن كون هذه بالنسبة له مسؤولية شهادة أكثر منها مسؤولية اتخاذ قرارات، فلاتخاذ القرارات هناك كثيرون يساعدونه من خلال التحضير والدراسة واقتراح الحلول، أما في الحياة اليومية فلا تحصل كثيرا على مساعدة.
ثم سأل الصحفي البابا فرنسيس إن كان من الممكن أن يشعر بالوحدة بينما هو مرجع لمن يعانون وذلك من الوحدة أيضا. وأجاب الأب الأقدس أن هناك لحظات وحدة كبيرة حين يكون عليه اتخاذ قرارات، إلا أن هذا لا يحدث للبابا فقط بل وأيضا للأساقفة أو الكهنة ولرب العائلة حين يكون عليه مثلا اتخاذ قرارات تتعلق بالأبناء. نواجه جميعنا كأشخاص حالات وحدة أمام ما علينا اتخاذه من قرارات، قال البابا فرنسيس وعاد هنا إلى الحديث عن اللون الأبيض فقال إن الوحدة بيضاء، ليست داكنة أو سوداء، بل هي بيضاء، ولكن هناك وحدة سيئة ألا وهي وحدة الأنانية، وحدة الأشخاص الذين لا ينظرون سوى إلى أنفسهم.
ثم عاد الحديث إلى الحروب وأشار الأب الأقدس إلى الاستثمار في صناعة الأسلحة، حيث هناك مَن يربح من قتل الأشخاص. وأضاف البابا أنه لا توجد حرب بيضاء، فهي حمراء أو سوداء، مشيرا إلى ضحاياها وذلك أيضا من الجنود الشباب. وأراد البابا فرنسيس الحديث هنا عن صورتين، الأولى هي لأُمّ تتلقى رسالة يخبرونها فيها أن ابنها الذي قُتل في الحرب بطل وبمنحه ميدالية، وقال قداسته إن الأم لا تكترث بالميدالية، ما يهمها هو ابنها. أما الصورة الثانية فتعود إلى زيارة الأب الأقدس الرسولية إلى سلوفاكيا حيث كان عليه التوجه بمروحية من مدينة إلى أخرى، إلا أن الأوضاع المناخية لم تكن تسمح بذلك فاستقل سيارة قطعت الطريق مرورا بمدن صغيرة كثيرة، وكان سكانها قد خرجوا لتحيته حين علموا بمروره. وقال البابا إنه قد رأى الأطفال والشباب والجدات ولم يكن هناك أجداد. هذه هي نتيجة الحرب، قال قداسته واصفا الحرب بالجنون. وفي إجابته على سؤال حول ظهور جراح الحرب حتى بعد انتهائها توقف البابا فرنسيس عند حرمان الحرب أعدادا كبيرة من الأطفال من المستقبل. وذكَّر قداسته بالأطفال الأوكرانيين الذين يلتقيهم حيث تغيب عن وجوههم البسمة، وأضاف أن الطفل الذي لا يبتسم يبدو أن لا مستقبل له. وكرر الأب الأقدس هنا تأكيده على أن الحرب هي دائما هزيمة، هزيمة إنسانية لا جغرافية.
أجاب الأب الأقدس بعد ذلك على سؤال حول ردود أقوياء العالم على نداءاته من أجل السلام فقال إن هناك مَن يقول أن عليه الدفاع عن النفس، إلا أننا نكتشف بعد ذلك أن لديه مصانع لإنتاج الطائرات، لقصف الآخرين. وتساءل البابا كيف تنتهي الحرب، بالموتى والدمار وبأطفال بلا والدين، قال قداسته. وأضاف أنه قد تكون هناك ظروف جغرافية أو سياسية تؤدي إلى الحرب وقد تبدو حرب ما مبرَّرة لأسباب عملية، ولكن وراء الحرب هناك صناعة السلاح، أي المال. وتابع الأب الأقدس متحدثا عن الظلمة والتي قد تكمن في السلطة أو الظلم، وقدرتها على الدمار، وسال الصحفي قداسته هنا إن كان حتى البابا لديه أيضا جانب معتم. وقال قداسته إننا جميعا خطأة وأن لدينا جميعا، حتى البابا، المعرفة التي تُمَكننا من إدراك ما يحدث إلا أننا لا نفهم ما يدور في حالات كثيرة. وتابع متحدثا عن مسيرة حين يسعى الشخص خلال حياته إلى تصحيح الأمور، وقال إن هذا يؤدي إلى شيء جميل جدا، ألا وهو شيخوخة سعيدة، وتحدث عن شفافية المسنين. وسأله الصحفي هنا إن كان يشعر بشفافيته في هذه المرحلة، فقال الأب الأقدس إنه يسعى إلى ألا يكذب وألا يغسل يديه أمام مشاكل الآخرين، وأضاف أنه خاطئ وقد لا ينجح في مساعيه هذه في بعض الأحيان، وحين يحدث هذا فإنه يلجأ إلى الاعتراف.
أجاب البابا فرنسيس بعد ذلك على سؤال حول الأخطاء المحتملة لبابا، فتحدث عن الحاجة إلى نقد ذاتيK وأضاف أن الشخص حين يشعر بثقة في الذات بحكم ما لديه من سلطة أو بسبب نجاحه في العمل أو غيره فإنه ينسى أنه سيكون متسولا يوما ما، سيتسول الشباب والصحة والحياة.