العمل بمجانية ومحبة من أجل المساواة والخير العام وتأسيس أنسنة جديدة. كان هذا محور كلمة البابا فرنسيس خلال استقباله اليوم عناصر الحرس المالي الإيطالي.
استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم السبت ٢١ أيلول سبتمبر عناصر الحرس المالي الإيطالي لمناسبة الذكرى الـ ٢٥٠ لتأسيس هذا الجهاز. وفي بداية كلمته رحب الأب الأقدس بالجميع ومن بينهم وزير الاقتصاد والمالية والقائد العام للحرس المالي والمرشدون العسكريون، ثم توقف عند موضوع الاحتفال بهذه الذكرى ألا وهو “في التقاليد يوجد المستقبل”. وقال البابا فرنسيس إن الإشارة هنا هي إلى الجذور التي انطلق منها تأسيس الحرس المالي والتي وجهت نموه. وأضاف أن الحرس المالي في إيطاليا قد تأسس كجهاز خاص للرقابة المالية وحماية الحدود ثم تحول مع الوقت إلى حرس مالي واقتصادي وشرطة بحرية لديها رسالة هامة في مجال الإغاثة والإنقاذ في البحار والجبال. وذكَّر الأب الأقدس هنا بمساعدة الحرس المالي للاجئين اليهود وللمضطهدين خلال الحربين العالميتين. وتحدث بالتالي عن مجال تدخُّل واسع لهذا الجهاز انطلاقا من الرغبة في الرد على المشاكل من خلال حضور ملموس وعمل سريع مع تقديم بديل ثقافي لبعض الشرور التي يمكنها أن تلوث المجتمع.
أشار البابا فرنسيس بعد ذلك إلى أن شفيع الحرس المالي هو القديس متى والذي كان جابيا، وهو عمل كان يُنظر إليه بشكل سيء في زمن يسوع لأنه يخدم مصلحة الامبراطورية ويشوبه الفساد، وذكَّر البابا بأن متى الجابي كان يُمثل بالتالي التوجه الانتهازي الذي يعبد المال. وواصل قداسته أن في زمننا أيضا هناك عقلية شبيهة تؤثر على الحياة الاجتماعية مسببة عدم توازن وتهميشا. وتحدث الأب الأقدس هنا عن هدر الغذاء والذي وصفه بعار، كما وأشار إلى استبعاد المواطنين من التمتع ببعض حقوقهم، وأضاف أن الدولة أيضا يمكنها أن تصبح ضحية هذا النظام بما في ذلك الدول التي تتمتع بموارد هائلة لكنها تظل معزولة على الصعيد المالي وعن السوق العالمي. وأشار البابا فرنسيس إلى الجوع في العالم بينما هناك هدر كبير في المجتمعات المتقدمة. أراد قداسته تسليط الضوء أيضا على أن إيقاف إنتاج الأسلحة لمدة عام يمكنه أن يُنهي الجوع في العالم.
وتابع البابا فرنسيس حديثه قائلا لضيوفه إنهم مدعوون أمام هذا المشهد إلى الإسهام من أجل العدالة في العلاقات الاقتصادية من خلال التحقق من احترام القواعد التي تنظم نشاطات الأفراد والشركات. ودعا بالتالي إلى متابعة واجب كل مواطن في الإسهام في احتياجات الدولة وذلك على أساس معايير عادلة بدون منح تمييز للأقوى. وواصل البابا داعيا من جهة أخرى إلى مواجهة الاستخدام غير المناسب لشبكة انترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. وتوقف الأب الأقدس في حديثه عند الأهمية الكبيرة لعمل الحرس المالي سواء من أجل جمع الضرائب أو لمواجهة العمل غير النظامي وقليل الأجر أو المهين لكرامة الإنسان. ثم كان الفساد من النقاط الأخرى التي أراد البابا فرنسيس تسليط الضوء عليها، وقال قداسته إن الفساد يُلحق الضرر بالعلاقات الاجتماعية وبالأسس التي يقوم عليها المجتمع. ويعني هذا حسبما واصل قداسة البابا أن الرد أو البديل لا يكمن في القواعد بل في أنسنة جديدة.
ثم عاد البابا فرنسيس إلى القديس متى فتوقف عند نظرة يسوع إليه، وقال قداسته إن هذه النظرة تؤكد كون كرامة الإنسان وحياته جوهر حياة الشعب. وقال لضيوفه إن بإمكانهم الإسهام في تأسيس هذه الأنسنة الجديدة من خلال الخدمات التي يقدمونها للشباب الراغبين في الالتحاق بالحرس المالي والذين يتم تكوينهم في مدارس هذا الجهاز. وقال البابا إن هؤلاء الشباب قد يكونون في البداية يبحثون عن عمل، إلا أنهم يجدون تكوينا محددا لا يقدم لهم المعارف والخبرات فقط بل يصبح تربية على الحياة والخير العام. وعاد قداسته إلى القديس متى فقال إنه قد انتقل من منطق الربح إلى منطق المساواة، بل وقد تجاوز متى في مدرسة يسوع المساواة والعدالة وعرف المجانية، تلك العطية التي توَلد التضامن والتقاسم والدمج. وشدد الأب الأقدس على أن العدالة والتي هي ضرورية غير كافية لسد فراغ يمكن إصلاحه فقط من خلال المجانية والمحبة.
وفي سياق الحديث عن المجانية والمحبة قال البابا فرنسيس لضيوفه من الحرس المالي إنهم يختبرونها خلال تنظيمهم استقبال وإغاثة المهاجرين الذين يتعرضون إلى الخطر في البحر المتوسط.، وشكر قداسته الحرس المالي على هذا النشاط. كما وأشار أيضا إلى اختبار عناصر الحرس المالي للمجانية والمحبة خلال التدخلات الشجاعة أمام الكوارث الطبيعية في إيطاليا وخارجها. تحدث البابا فرنسيس أيضا عن مواجهة آفة الاتجار بالمخدرات، وقال لضيوفه إن خدمتهم لا تقتصر على حماية الضحايا بل تشمل أيضا محاولة مساعدة مَن أخطأ على أن ينهض مجددا.
توقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند إمكانية وضرورة تأسيس بديل لعولمة اللامبالاة والتي تدمر من خلال العنف والحروب ولكن أيضا بتجاهل العناية بالمجتمع وبالبيئة. وأكد قداسة البابا هنا على أن ثراء بلد ما لا يوجد فقط في الناتج الإجمالي المحلي، بل هو في إرثه الطبيعي والفني والثقافي والديني. وأضاف الأب الأقدس هنا أن زعيم أحد البلدان قد قال له إن لديه معيارا خاصا، وهو ابتسامة الأطفال والمسنين، فإن كان هؤلاء يبتسمون فهذا يعني أن الأمور لا تسير بشكل سيء. وتابع البابا فرنسيس حديثه عن هذا الثراء المتنوع للدول وقال لضيوفه إنهم يحرسون هذا الثراء في إيطاليا كما وأنهم مستعدون للقيام بمهمات دولية خارج البلاد. وتحدث قداسته عن الحاجة إلى دفعة تضامنية إزاء الآخر كطريق سلام وكرجاء في مستقبل أفضل.
وفي ختام كلمته إلى وفد الحرس المالي الإيطالي الذي استقبله اليوم السبت وجه البابا فرنسيس التحية إلى ضيوفه على تعاونهم في إنماء ثقة الشعب ورجائه، وتوقف بالتالي عند أهمية تغذية الثقة والرجاء والابتسامة أيضا مذكرا بابتسامات الأطفال والمسنين. وأشار قداسته من جهة أخرى إلى ان الرجاء هو موضوع اليوبيل الذي نستعد للاحتفال به وهو ما يتماشى مع الموضوع الذي اختير لاحتفال الحرس المالي بذكرى تأسيسه. بارك الأب الأقدس بعد ذلك الجميع وعائلاتهم كما وسألهم أن يُصلوا من أجله.