“إن اعتماد منظمة فرسان مالطا على الكرسي الرسولي لا يقلل من أهمية تمثيلاتها الدبلوماسية، لا بل يسمح لنا بفهم معناها بشكل أكمل، كقنوات للنشاط الرسولي الخيري للمنظمة، منفتحة وسخيّة بشكل خاص، لاسيما حيث هناك حاجة ماسة” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في مؤتمر سفراء فرسان مالطا
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في قاعة الكونسيستوار في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في مؤتمر سفراء فرسان مالطا وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال على مدى قرون، خدمت منظّمتكم الله والكنيسة من خلال تحقيق الأهداف التي أسسكم عليها الطوباوي جيرار: “تعزيز مجد الله وتقديس الأعضاء من خلال الدفاع عن الإيمان وخدمة الفقراء”، كما تنصُّ قوانينكم ورسومكم. فيما يتعلق بإكرام الفقراء، لديكم أسلوب بليغ لدعوة الأشخاص الذين تساعدونهم: “السادة المرضى”. ومن خلال خدمتهم، أنتم تخدمون يسوع، الذي وقبل آلامه، نال هو أيضًا، كما تروي الأناجيل، فعل “اكرام” من مريم في بيت عنيا: مسحة بزيت الناردين الحقيقي، الباهظ الثمن. لقد قبل المسيح هذه البادرة جيدًا، وأظهر، أمام احتجاجات الذين اعتبروها إسرافًا، معنى فعل المحبة هذا، التي قامت به في ضوء دفنه. وكما أظهرت مريم في بيت عينها إكرامها للرب، الغني الذي افتقر من أجلنا، كذلك نحن، تلاميذه، مدعوون لكي نستمرَّ في تقديم الإكرام له في الفقراء، الذين – على حد تعبير المعلّم في تلك المناسبة – هم معنا على الدوام. وعلينا أن نقوم بذلك بمحبّة وتواضع، دون خطابة وتفاخر.
تابع الأب الأقدس يقول وبعد بادرة مريم في بيت عنيا، أضاف يسوع: “الحَقَّ أَقولُ لكم: حيثُما تُعلَنْ هذِهِ البِشارَةُ في العالَمِ كُلِّه، يُحَدَّثْ بِما صَنَعَت إِحياءً لِذِكرِها”. وهكذا جمع المسيح بين الكرازة بالإنجيل وتمجيد خدمة الفقراء. في الواقع، لا يمكن الفصل بين الدفاع عن الإيمان وخدمة الفقراء. وعندما نقترب من الأخيرين والمرضى والمتألمين، لنتذكر أن ما نقوم به هو علامة على شفقة يسوع وحنانه. وبهذا المعنى، فإن عملكم ليس إنسانيًا فحسب، مثل العمل الجدير بالتقدير الذي تقوم به العديد من المؤسسات الأخرى، بل هو أيضًا عمل ديني يمجد الله في خدمة الضعفاء ويشهد لتفضيل الرب لهم. وفي هذا المنظور يجب أن يُنظر إلى النشاط الدبلوماسي الذي تقومون به في أجزاء كثيرة من العالم، في ١١٣ دولة وفي ٣٧ بعثة لدى المنظمات الدولية. إنه على الدوام نشاط منظّمة دينية: ولو لم يكن هدفه الشهادة لمحبة الله للمحتاجين، فلن يكون من المنطقي أن تقوم به منظّمة دينية. في الواقع، لا يوجد واقعان مختلفان، واقع منظمة فرسان مالطا العسكرية المستقلة، وهي هيئة دولية مسؤولة عن الأعمال الخيرية والرعاية الاجتماعية، وواقع المؤسسة الدينية؛ ولا يمكننا أن نميِّز بوضوح بين المعلّم الأكبر كرئيس المنظّمة، التي تأتي منها الامتيازات والألقاب السيادية، والمعلّم الأكبر كرئيس ديني.
أضاف الحبر الأعظم يقول لقد اكتسبت منظّمتكم، بقيادة المنسّق الأعلى، مكانة دولية أيضًا بسبب ظروف تاريخية غريبة، وهكذا نشأت “السفارات” الأولى. لذلك، بالإضافة إلى الواجبات والحقوق المعتادة، تمت إضافة واجبات وحقوق أخرى في السياق الدولي إلى مكتب المنسّق الأعلى للمعلّم الأكبر. ولكن، كما تذكر قوانينكم، فإن السيادة هي وظيفية للدفاع عن الإيمان وخدمة الفقراء. ويحدّد ذلك جيّدًا الحكم الصادر عن محكمة الكرادلة، التي شكلها البابا بيوس الثاني عشر خصيصًا، ويؤكّد أنَّ منظّمتكم هي “منظمة دينية، وافق عليها الكرسي الرسولي”، وأن “صفة المنظمة السيادية للمؤسسة هي وظيفية، أي تهدف إلى ضمان تحقيق أهداف المنظمة نفسها وتطورها في العالم، ولهذا هي “تعتمد على الكرسي الرسولي”. بهذه الطريقة يتم تحديد أهمية المنظمة في السياق الدولي، كأداة للعمل الرسولي، مع خضوعها، كمنظمة دينية، للكرسي الرسولي، وطاعتها للبابا، كالرئيس الأعلى لجميع المؤسسات الدينية. لذلك، من المهم أن يتم إنشاء علاقة تعاون مثمر بين الممثل الدبلوماسي للمنظّمة والمندوب البابوي المحلي، في عمل مشترك لصالح الكنيسة والمجتمع؛ كذلك، فإن رابط المنظمة بالحبر الأعظم ليس تقييدًا لحريتها، بل وصاية، يتم التعبير عنها في عناية بطرس لكي يؤمن لها خيرها الأعظم، كما حدث أكثر من مرة حتى مع التدخلات المباشرة في لحظات الصعوبة.
تابع الأب الأقدس يقول وبالتالي فإن اعتماد منظمة فرسان مالطا على الكرسي الرسولي لا يقلل من أهمية تمثيلاتها الدبلوماسية، لا بل يسمح لنا بفهم معناها بشكل أكمل، كقنوات للنشاط الرسولي الخيري للمنظمة، منفتحة وسخيّة بشكل خاص، لاسيما حيث هناك حاجة ماسة. تعجبني حقًا المصطلحات التي يستخدمها البعض منكم، الذين يعتبرون دبلوماسيّتكم “دبلوماسية إنسانية”. إنَّ الممثل الدبلوماسي هو حامل لموهبة المنظمة، لذا فهو يشعر بأنه مدعو لكي يقوم بمهمّته كرسالة كنسية. إن هذه الطبيعة الخاصة لدبلوماسيتكم، بعيدًا عن التقليل من أهميتها، هي شهادة ثمينة، وعلامة بليغة أيضًا للسفارات الأخرى، لكي تكون نشاطاتها موجّهة أيضًا إلى تحقيق الخير الملموس للشعوب وتأخذ بعين الاعتبار الأشخاص الأكثر ضعفًا.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أيها الأعزاء، أنا ممتن جدًا لكم على الرسالة التي تقومون بها وأستمطر عليكم حماية العذراء مريم سيّدة فيليريمو، التي تكرمها منظمتكم. أبارككم وأسألكم من فضلكم أن تصلوا من أجلي.