“إن العالم يحتاج إلى التزام متجدد، وميثاق اجتماعي جديد يربط بيننا من أجل رعاية الخليقة والتضامن والحماية المتبادلة داخل الجماعة البشريّة” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في مؤتمر حول العمل تنظّمه دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح الأربعاء المشاركين في مؤتمر حول العمل تنظّمه دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال بمناسبة لقائكم، يسعدني أن أرحب بكم، أنتم شركاء منظمة العمل الدولية، والمجالس الأسقفية، والرهبانيات، والمنظمات ذات الإلهام الكاثوليكي والطوائف الأخرى، والنقابات العمالية وغيرها من المجموعات الأساسية للمجتمع المدني الملتزمين في مشروع “مستقبل العمل: العمل بعد الرسالة العامة “كُن مُسبَّحًا”.
تابع البابا فرنسيس يقول على مدى السنوات الست الماضية، قمتم بتأملات وحوارات وأبحاث، واقترحتم نماذج عمل مبتكرة من أجل عمل عادل وكريم لجميع الأشخاص في العالم. أشكر رؤساء دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة على تشجيعهم لهذا الالتزام. كما أشكر اللجنة الكاثوليكية الدولية للهجرة التي عملت على تنسيق المشروع وإدارته. في الأيام المقبلة، سيركز اجتماعكم على موضوع “الرعاية هي العمل، والعمل هو الرعاية”. من أجل بناء جماعة تحوّلية عالميّة. وهذا الأمر سيسمح لكم بالانتقال إلى مرحلة ثانية من هذا المشروع، من خلال استخدام منهج التمييز الاجتماعي المشترك. من الضروري، في الواقع، أن نجمع كل مواردنا الشخصية والمؤسساتية، لكي نبدأ في قراءة مناسبة للسياق الاجتماعي الذي نتحرك فيه، ونحاول أن نفهم الإمكانات، وفي الوقت عينه، أن نعترف مسبقًا بتلك الشرور النظامية التي يمكنها أن تصبح آفات اجتماعية.
أضاف الأب الأقدس يقول لقد حددتم خمس قضايا ذات أهمية حاسمة للمجتمع بأسره. أود أن أذكرها بإيجاز. أولا، العمل الكريم والصناعات الاستخراجية. وكما ذكرت أيضاً في رسالتي العامة كن مسبّحاً، فإن صادرات بعض المواد الخام من أجل تلبية احتياجات أسواق الشمال الصناعي لم تخلُ أبدًا من العواقب الوخيمة، ومن بينها التلوث بالزئبق أو ثاني أكسيد الكبريت في المناجم. وبالتالي من الضروري أن تكون ظروف العمل مرتبطة بالتأثيرات البيئية، مع إيلاء اهتمام كبير للآثار المحتملة من حيث الصحة البدنية والعقلية للأشخاص المعنيين، فضلا عن السلامة. الموضوع الثاني هو العمل الكريم والأمن الغذائي. لقد أظهر التقرير العالمي حول الأزمات الغذائية الذي صدر مؤخرا أن أكثر من ٢٨٠ مليون شخص في ٥٩ دولة والعديد من الأقاليم، في عام ٢٠٢٣، قد عانوا من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، تتطلب مساعدة عاجلة؛ دون أن ننسى أنه في مناطق مثل غزة والسودان، التي تدمرها الحرب، يوجد العدد الأكبر من الأشخاص الذين يواجهون المجاعة. وتعد الكوارث الطبيعية والأحوال الجوية القاسية، التي تفاقمت الآن بسبب تغير المناخ، بالإضافة إلى الصدمات الاقتصادية، عوامل مهمة أخرى تحدد انعدام الأمن الغذائي، وترتبط بدورها ببعض نقاط ضعف الهيكلية مثل الفقر، والاعتماد الكبير على الواردات الغذائية، والمنتجات الغذائية، والبنى التحتية غير المستقرة.
تابع الحبر الأعظم يقول ومن ثمَّ لا يجب أن ننسى مسألة ثالثة تتعلق بالعلاقة بين العمل الكريم والهجرة. لأسباب عديدة، يهاجر العديد من الأشخاص بحثا عن العمل، في حين يضطر آخرون إلى القيام بذلك هربا من بلدانهم الأصلية، التي غالبًا ما يمزقها العنف والفقر. غالبًا ما يُنظر إلى هؤلاء الأشخاص، بسبب التحيزات والمعلومات غير الدقيقة أو الأيديولوجية، على أنهم مشكلة وزيادة في تكاليف الأمة، بينما في الواقع، هم يساهمون من خلال العمل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد الذي يستقبلهم والبلد الذي يأتون منه. ومع ذلك، لا يزال العديد من المهاجرين والعمال المستضعفين غير مندمجين بشكل كامل في حقوقهم الكاملة، ويبقون مستبعدين من الحصول على الخدمات الصحية والرعاية والمساعدة وخطط الحماية المالية والخدمات النفسية الاجتماعية. ومن هذا المنظور، من المهم دائمًا أن نُركِّز على العلاقة بين العمل الكريم والعدالة الاجتماعية. في الواقع، إنَّ الخطر الذي نواجهه في مجتمعاتنا الحالية هو القبول السلبي لما يحدث من حولنا، مع نوع من اللامبالاة أو لأننا لسنا في وضع يسمح لنا بتأطير مشاكل غالبًا ما تكون معقدة وإيجاد إجابات مناسبة لها. ولكن هذا يعني أن نسمح للتفاوت الاجتماعي والظلم بأن ينموا حتى فيما يتعلق بعلاقات العمل والحقوق الأساسية للعمال. وهذا الأمر ليس جيدا!
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول وأخيرا، الجانب الأخير الذي أخذتموه بعين الاعتبار هو العمل الكريم المرتبط بالانتقال الصحيح. مع الأخذ في عين الاعتبار للترابط بين العمل والبيئة، فإن الأمر يتعلق بإعادة التفكير في أنواع العمل التي ينبغي تعزيزها من أجل العناية بالبيت المشترك، ولاسيما على أساس مصادر الطاقة التي تحتاجها. أيها الأعزاء، هذه الجوانب الخمسة تمثل تحديات مهمة. أشكركم لأنكم تقبلونها وتواجهونها بشغف وكفاءة. إن العالم يحتاج إلى التزام متجدد، وميثاق اجتماعي جديد يربط بيننا – الأجيال الأكبر سنا والأجيال الشابة – من أجل رعاية الخليقة والتضامن والحماية المتبادلة داخل الجماعة البشريّة. ليبارككم الله وليبارك عملكم في هذه الأيام! ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.