“هذه هي المهمة التربوية الكبرى للوالدين: تنشئة أشخاص أحرار وأسخياء، عرفوا محبة الله، ويعطون بسخاء ما يعرفون أنهم قد نالوه كعطية” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في الجمعية العامة ومؤتمر رابطة الآباء الأوروبيين
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في قاعة الكونسيستوار في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الجمعية العامة ومؤتمر رابطة الآباء الأوروبيين وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال يسعدني أن ألتقي بكم بمناسبة جمعيّتكم التي أتمنى لها أفضل الثمار، وهذا الأمر يتيح لي الفرصة لأشارككم بعض الأفكار حول دعوة الوالدين ورسالتهم.
تابع البابا فرنسيس يقول أن نُصبح والدين هو أحد أعظم أفراح الحياة. إنه أمر يولِّد طاقة جديدة وزخمًا وحماسًا لدى الأزواج. ولكننا نجد أنفسنا على الفور أمام مهام تربويّة غالبًا ما نجد أنفسنا غير مستعدين لها. على سبيل المثال: رعاية الأبناء بحب وفي الوقت عينه تشجيعهم على النضوج والاستقلال؛ مساعدتهم على اكتساب عادات صحية وأنماط حياة جيدة، واحترام شخصيتهم ومواهبهم، دون أن نفرض انتظاراتنا؛ مساعدتهم على مواجهة حياتهم المدرسية بسلام. كذلك أن ننقل لهم تنشئة إيجابية على العاطفة والجنس؛ الدفاع عنهم من التهديدات مثل التنمر والكحول والتدخين والمواد الإباحية وألعاب الفيديو العنيفة والقمار والمخدرات وغيرها. ولهذا السبب فإن شبكات دعم الوالدين، مثل رابطتكم، هي مهمة جدًا. ومن خلال تبادل الخبرات ومسارات التنشئة، فهي تساعد الوالدين لكي يكونوا مستعدّين بشكل أفضل، وبشكل خاص لكي لا يشعروا بالوحدة أو الإحباط.
أضاف الأب الأقدس يقول من المؤكد أن الرسالة التربوية للوالدين ليست مفضلة اليوم في السياق الثقافي، على الأقل في أوروبا. في الواقع، هي مطبوعة بالذاتية الأخلاقية والمادية العملية. يتمُّ التأكيد دائمًا على كرامة الشخص البشري ولكن في بعض الأحيان لا يتم احترامها فعليًا. وسرعان ما يدرك الوالدون أن أبناءهم منغمسون في هذا الجو الثقافي. وأن ما “يتنفسونه”، وما يستوعبونه من وسائل الإعلام غالبًا ما يتناقض مع ما كان يُعتبر لعقود قليلة مضت “طبيعيًا” ولكنه الآن يبدو أنه لم يعد كذلك. لهذا السبب، يجد الوالدون أنفسهم مضطرين إلى أن يُظهروا لأبنائهم كل يوم حسن ومعقولية الخيارات والقيم التي لم يعد من الممكن اعتبارها أمرا مفروغا منه، مثل قيمة الزواج والعائلة، أو خيار قبول الأبناء كعطية من الله، وهذا ليس بالأمر السهل، لأن هذه حقائق لا تنتقل إلا بشهادة الحياة!
تابع الحبر الأعظم يقول إزاء هذه الصعوبات، التي يمكنها أن تكون محبطة، نحتاج إلى أن نعضد بعضنا البعض لكي نُشعل في الوالدين “شغفًا” للتربية. إن التربية هي أنسنة، وهي أن نجعل الإنسان إنسانًا كاملاً. صحيح أن الثقافة قد تغيرت، لكن الاحتياجات الأعمق لقلب الإنسان تحتفظ بجوهر ثابت سيظهر عاجلاً أم آجلاً عند الأبناء. وبالتالي عليكم دائما أن تنطلقوا من هناك. إنَّ الله قد نقش في طبيعتنا المُتطلبات التي لا يمكن كبتها للحب والحقيقة والجمال والعلاقة والعطاء، والانفتاح على الآخر والانفتاح على الله. إن مُتطلبات القلب هذه هي حليفة قويّة لكلِّ مُربٍّ. وإذا سمحنا لها بالظهور، وتعلمنا أن نُصغي إليها، لن يواجه أبناءنا أيضًا صعوبة في رؤية الخير، وقيمة المقترحات التربوية التي يقدمها آباؤهم. يمكننا اعتبار المهمة التربوية ناجحة عندما يكتشف الأبناء الإيجابية الأساسية لحياتهم، ولوجودهم في العالم، وعندما، إذ يتقوَّون بهذه القناعة، يواجهون مغامرة الحياة بثقة وشجاعة، مقتنعين بأن لديهم أيضًا رسالة عليهم أن يحققوها، رسالة سيجدون فيها تحقيقهم وسعادتهم.
أضاف الأب الأقدس يقول هذا كلّه، أيها الأصدقاء الأعزاء، يفترض اكتشاف محبة الله الكبيرة لنا. والذي يكتشف أن محبة الله الآب هي في أصل وجوده، هو يعترف أيضًا أن الحياة صالحة، وكوننا ولدنا هو أمر جيد، وأن الحب هو أمر جيّد. لقد جعل الله مني عطية صالحة وأنا عطية لأحبائي وللعالم. وهذا اليقين يساعدني لكي لا أعيش يحرّكني فقط الميل المُثبِط “لتوفير نفسي”، وفي القلق المستمر للحفاظ على نفسي، وعدم الإلتزام في أي شيء. لكن الحياة تنفتح على كل غناها وجمالها عندما تُنفق، عندما نبذلها في سبيل الآخرين، وهكذا نجدها حقًا، كما علمنا يسوع. هذه هي المهمة التربوية الكبرى للوالدين: تنشئة أشخاص أحرار وأسخياء، عرفوا محبة الله، ويعطون بسخاء ما يعرفون أنهم قد نالوه كعطية.
تابع الحبر الأعظم يقول وهنا نجد أيضًا جذور المجتمع السليم. ولذلك فمن المهم أن يتم الاعتراف بالدور الاجتماعي للوالدين على جميع المستويات. إن تربية الأبناء هي عمل اجتماعي حقيقي، لأنها تعني تنشئتهم على العلاقات، واحترام الآخرين، والتعاون لتحقيق هدف مشترك، والمسؤولية، والشعور بالواجب، وقيمة التضحية من أجل الخير العام. قيم تجعل من الشاب شخصا يمكن الوثوق به ومخلصا، قادرا على أن يقدم مساهمته في العمل، في التعايش المدني، وفي التضامن. بخلاف ذلك، سينمو الأبناء مثل “جزر”، منعزلين عن الآخرين، وغير قادرين على التحلّي برؤية مشتركة، ومعتادين على اعتبار رغباتهم الخاصة كقيم مطلقة؛ وهكذا يتفكك المجتمع ويفتقر ويصبح ضعيفًا وغير إنساني. ولهذا السبب من الأهمية بمكان حماية حق الوالدين في تربية وتعليم أبنائهم بحرية، دون أن يضطروا في أي مجال، ولاسيما في القطاع المدرسي، إلى قبول برامج تربوية تتعارض مع معتقداتهم وقيمهم.
أضاف الأب الأقدس يقول الكنيسة هي أم، وهي تسير إلى جانب الوالدين والعائلات لكي تدعمهم في مهمتهم التربوية. في هذه السنوات نحن نسير قدمًا بـ “ميثاق تربوي عالمي” من أجل تعزيز الالتزام المشترك مع جميع المؤسسات التي تهتمّ بالشباب. وفي الوقت عينه أيضًا بـ “ميثاق من أجل العائلة” بين فاعلين ثقافيين وأكاديميين ومؤسساتيين ورعويين، لكي نضع في المحور العائلة وعلاقاتها: الرجل والمرأة، الوالدين والأبناء، والروابط الأخوية. والقصد من ذلك هو التغلب على بعض “الثغرات” التي تضعف العمليات التربوية حاليا: الثغرة بين التربية والتعالي، والثغرة في العلاقات بين الأشخاص، والثغرة التي تبعد المجتمع عن العائلة وتخلق عدم المساواة وأشكال الفقر الجديدة.
وختم البابا فرنسيس بالقول أيها الأصدقاء الأعزاء، أشجعكم على المضي قدمًا بالرجاء في التزامكم، وأن تجدوا دائمًا الإلهام والدعم في الشهادات الإنجيلية للوالدين القديسين مريم ويوسف. أبارككم من كلِّ قلبي، وكما هو الحال دائما، عليكم أن تدفعوا ثمن الدخول، وتصلوا من أجل البابا. أنا بحاجة لصلواتكم!