البابا فرنسيس يترأس قداسا إلهيا لمناسبة يوبيل القوات المسلحة والشرطة والأمن ويتلو صلاة التبشير الملائكي

أفعال يسوع الثلاثة في إنجيل اليوم، رأى وصعد وجلس، كمثال لعناصر القوات المسلحة والشرطة والأمن في عملهم. هذا ما تمحورت حوله عظة البابا فرنسيس اليوم الأحد 9 شباط فبراير في القداس الإلهي لمناسبة يوبيل القوات المسلحة والشرطة والأمن والذي احتُفل به في ساحة القديس بطرس.
ترأس البابا فرنسيس صباح اليوم الأحد ٩ شباط فبراير قداسا إلهيا في ساحة القديس بطرس لمناسبة الاحتفال بيوبيل القوات المسلحة والشرطة والأمن. وعاد قداسته في بداية عظته إلى قراءة اليوم من إنجيل القديس لوقا الذي يصف يسوع وعمله في جِنَّاسَرِت باستخدام ثلاثة أفعال: رأى وصعد وجلس. وتابع البابا أن يسوع لم يهتم بأن يقدم صورة لنفسه للجموع أو القيام بواجب أو اتِّباع جدول في رسالته، بل كان يضع دائما في المرتبة الأولى اللقاء مع الآخرين، العلاقات، الاهتمام بالمشقات والإخفاقات التي غالبا ما تُثقل القلب وتنزع الرجاء.
توقف قداسة البابا بعد ذلك عند الأفعال الثلاثة فتحدث أولا عن فعل رأى فقال إن يسوع كانت لديه نظرة منتبهة جعلته يرى وسط الجموع الكبيرة سفينتين راسيتين عند الشاطئ، وجعلته يلمس خيبة الأمل على وجوه الصيادين خلال غسلهم الشباك بعد ليلة لم تَسر بشكل جيد. وهكذا يوجه يسوع نظرته المفعمة بالشفقة إلى أعين هؤلاء الأشخاص لامسا إحباطهم بعد تعبهم طوال الليل بدون الإمساك بشيء وشعورهم بقلوبهم فارغة كما تلك الشباك التي يمسكون بها. وأراد قداسة البابا هنا التذكير بكون الشفقة واحدة من صفات ثلاث أساسية لله إلى جانب القرب والحنان.
وبعد أن رأى خيبة أملهم صعد يسوع إلى سفينة سمعان وسأله أن يبعد قليلا عن البر، أي أنه قد دخل حياة سمعان واتخذ لنفسه مكانا في الإخفاق الذي كان يسكن قلب هذا الرجل، قال البابا. يسوع لا يكتفي بمراقبة الأمور التي لا تسير بشكل جيد، تابع الأب الأقدس، أي أنه لم يفعل مثلما نفعل نحن لينتهي بنا الأمر أسرى الشكوى والمرارة. يسوع يبادر في المقابل، يتوجه نحو سمعان ويقف معه في تلك اللحظة الصعبة ويقرر الصعود إلى سفينة حياته التي كانت عائدة في تلك الليلة بدون نجاح.
ثم توقف قداسة البابا عند الفعل الثالث فتحدث عن أن يسوع قد جلس، وهذا هو الوضع المتكرر للمعلم في الإنجيل الذي يقول لنا إنه جلس يعلِّم الجموع من السفينة. وواصل الأب الأقدس أن يسوع بعد أن رأى في أعين وقلوب هؤلاء الصيادين مرارة ليلة ملأها التعب بدون إصابة شيء من السمك، قد صعد إلى السفينة ليعلِم أي ليعلن النبأ السار، ليحمل النور إلى ليلة خيبة الأمل هذه، ليسرد جمال الله وسط مشقات الحياة البشرية، ليجعل الجميع يشعرون بأنه لا يزال هناك رجاء حتى وإن بدا أن كل شيء قد ضاع. وهكذا تحدُث المعجزة، قال البابا فرنسيس، فحين يصعد الرب إلى سفينتنا حاملا لنا النبأ السار، نبأ محبة الله التي ترافقنا وتعضدنا دائما، تبدأ الحياة مجددا ويولد الرجاء مرة أخرى وتعود الحماسة التي فقدناها ويمكننا أن نرمي في البحر بالشباك مجددا.
وواصل الأب الأقدس أن كلمة الرجاء هذه ترافقنا اليوم بينما نحتفل بيوبيل القوات المسلحة والشرطة والأمن، وأراد قداسته في هذا السياق توجيه الشكر إلى أعضاء هذه الأجهزة على ما يقومون به من خدمة، كما ووجه التحية إلى ممثلي السلطات والجمعيات والأكاديميات العسكرية الحاضرين وأيضا إلى المرشدين. وشدد البابا على المهمة الكبيرة الموكلة إلى أفراد الجيش والشرطة والأمن، مهمة تشمل أبعادا كثيرة في الحياة الاجتماعية والسياسية، فأشار إلى الدفاع عن البلدان والعمل من أجل ضمان الأمن وحماية الشرعية والعدالة والعمل في السجون، هذا إلى جانب مكافحة الجريمة وأشكال العنف المختلفة التي تهدد بضرب السلام الاجتماعي. وأراد الأب الأقدس التذكير أيضا بمن يقدمون خدمتهم الهامة في حالات الكوارث الطبيعية وحماية الخليقة وإنقاذ الأشخاص في البحار ومَن يعملون لصالح الأشخاص الأكثر ضعفا ولتعزيز السلام.
إن الرب يطلب منكم أنتم أيضا أن تفعلوا مثله، أي أن تروا وتصعدوا وتجلسوا، قال البابا. فعليكم أن تروا لأنكم مدعوون إلى التحلي بنظرة متنبهة قادرة على لمس ما يهدد الخير العام والمخاطر التي تحدق بحياة المواطنين والمخاطر البيئية والاجتماعية والسياسية التي نتعرض إليها. ثم تحدث قداسته إلى الحضور عن ضرورة الصعود وذلك لأن الالتزام الذي تشكلوا عليه والشجاعة التي يتميزون بها وأيضا ما أدوا من قسم كلها أشياء تُذكِّرهم بأهمية لا فقط أن يروا الشر بل أيضا أن يصعدوا إلى السفينة وسط الرياح كي لا تغرق، وذلك في رسالة في خدمة الخير والحرية والعدالة. ثم أشار البابا في حديثه إلى الحضور إلى أهمية الجلوس وذلك كي يصبح وجودهم في المدن والأحياء وانحيازهم للشرعية والقرب ممن هم أكثر ضعفا تعليما لنا جميعا، فهذا يُعَلمنا أن الخير يمكنه أن ينتصر رغم كل شيء، وأن العدل والنزاهة والشغف المدني لا تزال حتى اليوم قيما ضرورية، وأن بإمكاننا تأسيس عالم أكثر إنسانية وعدلا وأخوة رغم قوى الشر المعارضة.
تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك عن المرشدين الذين يرافقون عناصر القوات المسلحة والشرطة والأمن في واجبهم هذا. وأكد قداسته على أهمية هذا الحضور للكهنة وشدد على أن هؤلاء المرشدين ليس واجبهم وكما كان في الماضي بشكل مثير للحزن أن يباركوا الأعمال الحربية، فهم بينكم كحضور للمسيح الذي يريد أن يرافقكم ويقدم لكم الإصغاء والقرب ويشجعكم ويعضدكم في رسالتكم التي تواصلونها بشكل يومي. وأضاف البابا أن المرشدين كدعم معنوي وروحي يسيرون على الطريق معكم مساعدين إياكم على تأدية مهامكم في نور الإنجيل وفي خدمة الخير.
أعرب البابا فرنسيس بعد ذلك لعناصر القوات المسلحة والشرطة والأمن عن الامتنان على ما يقومون به من عمل مخاطرين بشكل شخصي في بعض الأحيان. وتابع موجها الشكر لأنهم بصعودهم إلى سفننا التي تتعرض إلى الخطر يوفرون لنا الحماية ويشجعوننا على مواصلة إبحارنا. وأراد قداسته من جهة أخرى حث الحضور على ألا ينسوا هدف خدمتهم وأفعالهم، أي تعزيز الحياة وحمايتها والدفاع عنها دائما. وفي ختام عظته مترئسا القداس الإلهي لمناسبة يوبيل القوات المسلحة والشرطة والأمن طلب البابا فرنسيس من الجميع أن يتحلوا باليقظة، أي أن يتنبهوا أمام تجربة إنماء روح حرب، وألا ينخدعوا بما وصفها بأسطورة القوة وضجيج السلاح. وواصل دعوته إلى اليقظة كي لا يتلوثوا بسم دعاية الكراهية التي تقسم العالم إلى أصدقاء علينا الدفاع عنهم وأعداء يجب محاربتهم. فلتكونوا في المقابل شهودا شجعانا لمحبة الله الآب الذي يريد أن نكون جميعا أخوة، وأن نسير معا لبناء حقبة جديدة، حقبة سلام وعدل وأخوّة.
هذا وفي ختام الاحتفال بالقداس الإلهي في ساحة القديس بطرس وقبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي تحدث البابا فرنسيس إلى المشاركين في هذا الاحتفال معربا عن رغبته في توجيه التحية إلى جميع مَن قاموا بهذا الحج اليوبيلي للقوات المسلحة والشرطة والأمن. كما وشكر الأب الأقدس ممثلي السلطات على حضورهم والمرشدين العسكريين على ما يقدمون من خدمة. وتابع أنه يريد أن تتوسع تحيته لتشمل جميع الجنود في العالم كما ويرغب من جهة أخرى في التذكير بتعليم الكنيسة في هذا المجال. وهكذا عاد البابا فرنسيس إلى المجمع الفاتيكاني الثاني وتحديدا إلى الدستور الرعوي في الكنيسة في عالم اليوم “فرح ورجاء” للبابا بولس السادس والذي جاء فيه: “وأما الذين يتكرسون لخدمة الوطن في الحياة العسكرية، فليعتبروا أنفسهم أيضاً خداماً لأمن الشعوب وحريتها”. وتابع الأب الأقدس أن هذه الخدمة العسكرية يجب أن تمارَس فقط للدفاع الشرعي عن النفس، ولا أبدا لفرض الهيمنة على دول أخرى، وذلك وبشكل دائم في احترام للاتفاقيات الدولية المتعلقة بالنزاعات وفي المقام الأول في احترام مقدس للحياة. دعا البابا فرنسيس بعد ذلك الجميع إلى الصلاة من أجل السلام وأشار إلى أوكرانيا المعذبة وفلسطين وإسرائيل وميانمار والشرق الأوسط وكيفو والسودان، وشدد على ضرورة أن يصمت صوت السلاح في كل مكان وأن يتم الإصغاء إلى صرخة الشعوب المطالِبة بالسلام. ثم ختم قداسة البابا فرنسيس قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي داعيا إلا إيكال صلاتنا إلى شفاعة مريم العذراء سلطانة السلام.