الراعي الذي أحب شعبه وخدمه ودافع عنه حتى الموت، بهذه الكلمات وصف البابا فرنسيس الأب جوزيبي ديانا وذلك في ذكرى مقتله على يد المافيا في الجنوب الإيطالي ثلاثين عاما مضت.
وجه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى أسقف أفيرسا في جنوب إيطاليا المطران أنجيلو سبينيلو وذلك في الذكرى الثلاثين لمقتل الأب جوزيبي ديانا راعي كنيسة القديس نيقولا في كاسال برينشيبي وذلك على يد عصابة كامورا، أي مافيا مقاطعة كامبانيا الإيطالية، في ١٩ آذار مارس ١٩٩٤. وكتب الأب الأقدس أن تذكُّر هذا الحدث المأساوي يثير في نفوس مَن عرفوا الأب ديانا وأحبوه مشاعر التأثر وأيضا الامتنان لله الآب على هبته الكنيسة هذا الخادم الصالح والأمين الذي عمل بشكل نبوي منغمسا في البرية الوجودية للشعب، محبا إياه وخادما إياه ومدافعا عنه وصولا إلى التضحية بحياته.
وتابع البابا فرنسيس أنه يتوجه بفكره الأبوي إلى جماعة الأبرشية كلها، وبشكل خاص إلى مؤمني رعية القديس نيقولا في كاسال برينشيبي والذين يريدون بتذكُّر الأب بيبي، كما كانوا يسمونه، أن يعيشوا رجاءه ذاته، رجاء السير معا بتجسيد النبوة المسيحية التي تدعونا إلى بناء عالم خالٍ من عبودية الشر وغطرسة الإجرام. كما وأعرب البابا عن الامتنان لمن يواصلون العمل الرعوي الذي أطلقه الأب ديانا كمرشد روحي لمجموعات وجمعيات المؤمنين وخاصة الكشافة.
هذا وأكد الأب الأقدس قربه من الجميع داعيا إياهم إلى مواصلة السير على درب الأب ديانا، وأن يزرعوا بصبر وبالعمل اليومي بذرة العدالة وحلم التنمية البشرية والاجتماعية لمنطقتهم. وواصل البابا مشيرا إلى أن قتل الأخ لأخيه الذي يُحدثنا عنه الكتاب المقدس يتواصل حيث تظل قصة قايين وهابيل آنية حين يرفع إنسان يده لضرب الآخر، وهو ما يحدث في الأشكال الكثيرة من الكراهية والتسلط التي تجرح الإنسان وتلوث بالدماء في بعض الأحيان أحياءنا ومدننا. ومن هذا المنطلق فإن تذكُّر الأب ديانا يحفزنا على أن نشعر في داخلنا بذلك القلق النبوي الذي حرك كهنوت هذا الراعي وجعله يتأمل وجه الآب في كل أخ، شاهدا لمشروع الله لمن يشعر بكونه جريحا كي يتمكن كل شخص من العيش في عدل وسلام وحرية. وشدد الأب الأقدس على أن المسيحيين، وأمام العنف والعنجهية التي تنكر العدالة وتلغي كرامة الأشخاص، هم مَن يعلنون الإنجيل ويعيشون الدعوة إلى أن يكونوا مع المسيح علامة إنسانية جديدة تخصبها الأخوّة والشركة. وأضاف البابا فرنسيس أن الوعي بهذا هو ما دفع أساقفة مقاطعة كامبانيا، التي تنتمي إليها الأبرشية، إلى رفع الصوت للإدانة وللدعوة بقوة إلى مشروع الإنسان الجديد الذي خُلق على صورة الله في البِرِ وقداسة الحق، حسبما ذكر الأساقفة سنة ١٩٨٢، وأيضا إلى تشديدهم على التناقض الصارخ بين رسائل المافيا الزائفة ورسالة يسوع المسيح. كما وذكر الأب الأقدس بكلمات الأب بيبي ديانا ورعاة كاسال برينشيبي حين أكدوا خلال الاحتفال بالميلاد سنة ١٩٩١ أن الله يدعوهم كمعمَّدين في المسيح وكرعاة إلى أن يكونوا نبويين، والنبي هو مراقب، فهو يرى الظلم ويكشف عنه ويدعو إلى تصميم الله الأصلي.
وفي ختام رسالته قال البابا لفرنسيس إنه وفي ذكرى مقتل الأب ديانا، التلميذ الشجاع للمعلم، يدعو إلى تقوية الإيمان والرجاء في حقيقة الله واستقبال كلمته، والحفاظ على هدف بناء مجتمع مطهَّر من ظل الخطيئة قادر على السير نحو مستقبل وفاق وأخوّة. كما وأراد الأب الأقدس دعوة الشباب إلى ألا يدَعوا الرجاء يُسلب منهم وإلى إنماء مُثل عليا وبناء مستقبل مختلف، وذلك بأياد لا تلوثها الدماء، بالعمل الشريف وعدم الاستسلام أمام حلول سهلة لكنها خادعة. ودعاهم البابا إلى تلقي الإرث الروحي للأب بيبي كي يصبحوا بدورهم صانعي سلام.