البابا فرنسيس: لنطلب من يسوع أن يجعلنا بواسطة روحه القدوس رجالا ونساء أحرارًا حقًا أحرارا كي نخدم في المحبة والفرح

أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس، وتابع خلالها سلسلة التعليم حول موضوع الروح والعروس. الروح القدس يقود شعب الله إلى لقاء يسوع رجائنا. وأعلن البابا فرنسيس في نهاية مقابلته العامة عن إعداد وثيقة حول قلب يسوع الأقدس ستُنشر في أيلول سبتمبر القادم.
استهل قداسة البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي قائلا إنه يود التأمل اليوم في الاسم الذي يُدعى به الروح القدس في الكتاب المقدس. وأضاف أن أول شيء نعرفه عن الشخص هو اسمه، وبه ندعوه ونتذكّره. والأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس له اسم هو الروح القدس. وأشار إلى أن اسم الروح الذي به عرفه المتلقّون الأوّلون للوحي، والذي به ابتهل إليه الأنبياء وكاتبو المزامير ومريم ويسوع والرسل هو Ruach ومعناه ريح، نفَس. وأضاف البابا فرنسيس أن الاسم في الكتاب المقدس هو مهم جدًا لدرجة ارتباطه بالشخص نفسه. فتقديس اسم الله يعني تقديس واكرام الله نفسه. كما أن الاسم ليس أبدا مجرد تسمية تقليدية، إذ يقول دائما شيئًا عن الشخص وأصله، أو رسالته. وهكذا أيضا اسم Ruach الذي يحتوي على الوحي الأول الأساسي عن شخص وعمل الروح القدس.
وتابع البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي لافتًا إلى أنه من بمراقبة الريح ومظاهرها، أرشد الله كاتبي الكتاب المقدس إلى اكتشاف “ريح” من طبيعة مختلفة. فليس من قبيل الصدفة أن نزل الروح القدس على الرسل في العنصرة مصحوبًا “بدَويّ ريحٍ عاصفة” (راجع أعمال الرسل ٢،٢). وأشار إلى أن صورة الريح هي للتعبير قبل كل شيء عن قوة الروح القدس. فالريح في الواقع هي قوة لا تُقهر، قادرة حتى على تحريك المحيطات. وأضاف البابا فرنسيس أنه إلى جانب القوة، سلط يسوع الضوء على ميزة أخرى للريح وهي حريتها، فقد قال لنيقوديموس الذي جاء إليه ليلاً ” الرِّيحُ تَهُبُّ حَيثُ تَشاء فتَسمَعُ صَوتَها ولكنَّكَ لا تَدْري مِن أَينَ تَأتي وإِلى أَينَ تَذهَب. تِلكَ حاَلةُ كُلِّ مَولودٍ لِلُّروح” (يوحنا ٣، ٨).
فالريح هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن حصره، قال البابا فرنسيس، وأضاف أن الريح تهبّ “حيتُ تَشاء”، وهكذا الروح القدس يوزّع مواهبه “كما يشاء” (١ قورنتس ١٢، ١١). وذكّر في تعليمه الأسبوعي بكلمات القديس بولس “حَيثُ يَكونُ رُوحُ الرَّبّ، تَكونُ الحُرِّيَّة” (٢ قورنتس ٣، ١٧). وتابع البابا فرنسيس لافتًا أيضا إلى أن هذه الحرية هي مميزة جدا وتختلف كثيرا عما يُفهم عادة. ليست حرية أن نفعل ما نريد، إنما حرية أن نفعل بحريةٍ ما يريده الله! ليست حرية فِعل الخير أو الشر، بل حرية فِعل الخير والقيام به بحرية. وبكلمات أخرى حرية الأبناء، لا العبيد.
وتوقف البابا فرنسيس في تعليمه الأسبوعي عند كلمات القديس بولس في رسالته إلى أهل غلاطية “إِنَّكم، أَيُّها الإِخوَة، قد دُعيتُم إِلى الحُرِّيَّة، بِشَرطٍ واحِدٍ وهو أَن لا تَجعَلوا هذِه الحُرِّيَّةَ فُرصَةً لِلجَسَد، بل بِفَضلِ المَحَبَّةِ اخدِموا بَعضُكم بَعضًا” (غلاطية ٥، ١٣). إنها حرية يتم التعبير عنها فيما يبدو نقيضها، الخدمة، ففي الخدمة هناك الحرية الحقيقية، قال البابا فرنسيس، وتابع مشيرا إلى أننا نعلم جيدا متى تصبح هذه الحرية “فرصة للجسد”، فقد قدّم القديس بولس لائحة هي آنية على الدوام “الزِّنى والدَّعارةُ والفُجور وعِبادةُ الأَوثانِ والسِّحرُ والعَداوات والخِصامُ والحَسَدُ والسُّخطُ والمُنازَعاتُ والشِّقاقُ والتَّشيُّع والحَسَدُ والسُّكْرُ والقَصْفُ وما أَشبَه” (غلاطية ٥، ١٩ – ٢١). والحرية التي تسمح للأغنياء باستغلال الفقراء، وللأقوياء باستغلال الضعفاء، وللجميع باستغلال البيئة بدون عقاب.
وفي ختام تعليمه الأسبوعي، قال البابا فرنسيس أيها الأخوة والأخوات مِن أين نستمد حرية الروح هذه التي تتعارض مع حرية الأنانية؟ إن الجواب يكمن في الكلمات التي وجهها يسوع يومًا للمصغين إليه “فإذا حَرَّرَكُمُ الابنُ كُنتُم أَحراراً حَقّاً” (يوحنا ٨، ٣٦). لنطلب من يسوع أن يجعلنا، بواسطة روحه القدوس، رجالا ونساء أحرارًا حقًا، أحرارا لكي نخدم، في المحبة والفرح.
هذا وفي نهاية مقابلة العامة مع المؤمنين صباح اليوم الأربعاء في ساحة القديس بطرس، سلط البابا فرنسيس الضوء على شهر حزيران يونيو المكرّس للقلب الأقدس، وأشار إلى أنه في السابع والعشرين من كانون الأول ديسمبر من العام الماضي كانت الذكرى الـ ٣٥٠ لأول ظهور لقلب يسوع الأقدس للقديسة مارغريت ماري الاكوك. وقد بدأت للمناسبة فترة احتفالات ستنتهي في السابع والعشرين من حزيران يونيو من العام القادم. وتابع البابا فرنسيس مشيرا إلى أنه سيُعد وثيقة تجمع التأملات الغنية لنصوص تعليمية سابقة ولتاريخ طويل يعود إلى الكتب المقدسة، كي يقدّم مجددا للكنيسة كلها هذه العبادة الغنية بالجمال الروحي. وأشار البابا فرنسيس بالتالي إلى أنه سيكون من المفيد جدا لنا التأمل في الأوجه العديدة لمحبة الرب التي تستطيع أن تنير طريق التجدد الكنسي، والتي تقول أيضا شيئا مهمًا لعالمٍ يبدو وكأنه قد فقد القلب. ودعا البابا فرنسيس إلى مرافقته بالصلاة خلال فترة إعداد هذه الوثيقة التي ستُنشر في أيلول سبتمبر القادم.