كانت الاتصالات الكنسية وما يميزها محور كلمة للبابا فرنسيس خلال لقائه اليوم المشاركين في منتدى ينظمه مجلس أساقفة فرنسا للعاملين في مجال الاتصالات.
ينظم مجلس أساقفة فرنسا منتدى للعاملين في مجال الاتصالات في الكنيسة بعنوان Université des Communicants en Église. ولهذه المناسبة استقبل البابا فرنسيس اليوم الجمعة المشاركين في هذا المنتدى من مسؤولي الاتصالات في الأبرشيات والجمعيات الرهبانية والحركات والجمعيات الكنسية والجماعات الجديدة والرعايا. وعقب ترحيبه بالجميع سلَّم الأب الأقدس ضيوفه كلمة أعدها لمناسبة هذا اللقاء وتوقف في بدايتها عند رسالتهم، أي الاتصالات، مشددا على كونها رسالة هامة وكبيرة في عالم يترابط فيه كل شيء بشكل كبير وتنهال عليه المعلومات., ولهذا قررتم، قال البابا فرنسيس للعاملين في مجال الاتصالات في الكنيسة في فرنسا، التوقف ما بين حين وآخر، وقد فعلتم هذا هذه المرة في روما، من أجل التقاسم والصلاة والإصغاء، وهو أمر نحن في حاجة كبيرة إليه، قال قداسته، مضيفا أنه يتحدث عن هذا بشكل شخصي وذلك لأن خدمة البابا أيضا هي اليوم داخل عالم الاتصالات. وهكذا فأن مثل هذه اللحظات لازمة من أجل العثور مجددا على الجذور فينما ننقل، أي الحقيقة التي نحن مدعوون إلى الشهادة لها والشركة التي توحدنا في يسوع المسيح. تساعدنا مثل هذه اللحظات، واصل الأب الأقدس، على عدم السقوط في خطأ الاعتقاد بأن مواضيع اتصالاتنا هي استراتيجياتنا أو أعمالنا الشخصية، تساعنا على عدم الانغلاق على الذات في مخاوفنا وطموحاتنا، وعلى ألا نركز على التطور التكنولوجي فقط.
تحدث الأب الأقدس بعد ذلك عما وصفه بتحدي الاتصالات الجيدة فقال إنه تحدٍ أكثر تعقيدا اليوم مقارنة بالماضي، وأشار إلى خطر مواجهة هذا التحدي بعقلية دنيوية وبهوس السيطرة والسلطة والنجاح، وبالاعتقاد بأن المشاكل هي في المقام الأول مادية وتكنولوجية وتنظيمية واقتصادية. ثم انطلق البابا فرنسيس في كلمته من الأماكن التي عُقدت فيها الدورات السابقة من هذه اللقاءات التي ينظمها مجلس أساقفة فرنسا للعاملين في مجال الاتصالات، فذكَّر بأن اللقاء الأول قد عُقد في مدينة القديسة مارغريت ماري الاكوك وقال إن هذا مكان يحملنا إلى الجوهر وإلى ينابيع الخلاص للبشرية، مكان يؤكد أهمية ممارسة الاتصالات بالقلب والإصغاء بالقلب وأن نرى بالقلب ما لا يراه الآخرون وذلك لتقاسمه وسرده قالبين تصنيفات العالم. ومن المدن الأخرى التي نُظم فيها هذا المنتدى ليزيو، مدينة القديسة تريزا الطفل يسوع، أي مكان ملائم للاتصال في زمننا الذي تلوثه أحلام السلطة والعظمة.
وواصل البابا فرنسيس مؤكدا أن الاتصالات بالنسبة لنا لا تعني إعلاء صوتنا ليطغى على أصوات الآخرين ولا تعني الدعاية، بل اتصالاتنا هي في بعض الأحيان أن نصمت، وليست تخفيا خلف شعارات أو عبارات جاهزة. الاتصالات بالنسبة لنا، تابع قداسة البابا، لا تعني التركيز على التنظيم وليست قضية تسويق وليست تبنيا لهذه أو تلك من التقنيات. بالنسبة لنا الاتصالات هي أن نكون في العالم كي نحمل أثقال الآخرين وكي نتقاسم رؤية مسيحية للأحداث، وعدم الاستسلام أمام ثقافة العدوانية والازدراء، الاتصالات بالنسبة لنا هي بناء شبكة لتقاسم الخير وما هو حقيقي وجميل في العلاقات الصادقة، وشدد قداسته على أهمية إشراك الشباب في اتصالاتنا.
هذا وأراد البابا فرنسيس في حديثه التوقف عند نقاط ثلاث أساسية بالنسبة لمسيرة العاملين في الاتصالات، ألا وهي الشهادة والشجاعة والنظرة الواسعة. وقال قداسته في حديثه عن النقطة الأولى أن من الضروري تذكُّر أن الاتصالات هي في المقام الأول شهادة يتم تقاسمها من خلال الكلمات والصور. وأضاف البابا أن هذا ما يجعلنا نتمتع بمصداقية وما يجعل شبكة اتصالاتنا أكثر جاذبية يوما بعد يوم. وأراد الأب الأقدس الحديث هنا عما تعيشه الكنيسة في فرنسا اليوم من مسيرة تطهير عقب فضائح الاعتداءات الجنسية، وأضاف أن اللحظات الأكثر ظلاما هي غالبا تلك التي تسبق النور. وعاد البابا إلى زيارته إلى مارسيليا حيث لمس، حسبما ذكر، حيوية كبيرة لدى الكنيسة في فرنسا، ودعا ضيوفه إلى أن يتقاسموا من خلال الاتصالات كل ما هو خيِّر في الأبرشيات والجمعيات الرهبانية والحركات، وإلى أن يُشيدوا من خلال الاتصالات الشركة في الكنيسة والأخوّة في العالم. ودعا البابا الجميع أيضا إلى أن يتحلوا بالإبداع والقدرة على الاستقبال، وأكد أن المجتمع في حاجة إلى أن يستمع إلى كلمة الكنيسة كأم مُحبة للجميع.
وفي حديثه عن النقطة الثانية، أي الشجاعة، حث البابا فرنسيس الحضور على عدم الخوف وأن تكون لديهم شجاعة تختلف عن شجاعة مَن يعتبرون أنفسهم المركز، شجاعة تنبع من التواضع والجدية المهنية تجعل اتصالاتهم شبكة متلاحمة وفي الوقت عينه منفتحة. وأضاف البابا أنه يعلم أن هذا ليس بالأمر السهل ولكن هذه هي رسالتكم، هذه هي رسالتنا، قال قداسته. شجع الأب الأقدس أيضا على عدم الإحباط حتى وإن كان مَن يتوجه إليهم العاملون في الاتصالات غير مبالين أو مشككين بل وحتى رافضين، ودعا إلى عدم إدانة مثل هؤلاء الأشخاص. وواصل قداسته داعيا إلى تقاسم فرح الإنجيل والمحبة التي تجعلنا نعرف الله ونفهم العالم. وأضاف البابا أن رجال ونساء زمننا لديهم هم أيضا تعطش إلى الله ويتطلعون إلى لقائه ويبحثون عنه من خلالكم أنتم أيضا، قال الأب الأقدس لضيوفه.
ثم توقف البابا فرنسيس عند النقطة الثالثة، أي النظرة الواسعة، فدعا إلى التمتع بالنظر إلى ما هو بعيد، إلى العالم كله بجماله وتعقيده. وتابع حاثا على اكتشاف أن ما يوحدنا هو دائما، ووسط ثرثرة زمننا والعجز عن رؤية ما هو أساسي، أكبر مما يفرق بيننا، ويجب إيصال هذا، قال البابا، وذلك بالإبداع الذي ينبع من المحبة. وشدد الأب الأقدس على أن المحبة تشرح كل شيء وتجعله أكثر وضوحا انطلاقا من قلب يرى بأعين المحبة، وينطبق هذا على اتصالاتنا أيضا.
وفي ختام كلمته إلى المشاركين في المنتدى الذي ينظمه مجلس أساقفة فرنسا للعاملين في مجال الاتصالات في الكنيسة بعنوان Université des Communicants en Église، شكر قداسة البابا فرنسيس ضيوفه على ما يقومون به من عمل، ثم باركهم وبارك عملهم سائلا إياهم ألا ينسوا أن يُصلوا من أجله.