“الشباب هم الروافع التي تجدد الأنظمة، وليس العجلات المُسنّنة التي يجب أن تبقيها على قيد الحياة” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في لقاء الـ ” Toniolo Young Professional Association”
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة في قاعة كليمينتينا في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في لقاء الـ ” Toniolo Young Professional Association” وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال إن تعاون معهد تونيولو مع دوائر الكوريا والممثليات البابوية التي تلتزم في إطار الأمم المتحدة قد بلغ عامه العاشر، وهو تعاون ثمين جدًّا. فشكرًا لكم على خدمتكم والتزامكم، وشكراً لجميع الذين يعززونه ويدعمونه؛ أعلم أن مؤسسة أرفيدي شاركت أيضًا مؤخرًا في هذا المشروع المهم، مما سمح بزيادة عدد حاملي المنح الدراسية. من الجميل أن يتمكن كل واحد منكم أن يعيش خبرة الاتصال مع الخدمة البطرسية، من خلال العمل مع المؤسسات الدولية وأن يُنضِّج خبرة إيمان معاش وحياة مسيحية لمواجهة تحديات العالم الحالية. لكنَّ حضوركم يفيد أيضًا مؤسساتنا، التي تحملون إليها نسمة حداثة، والقدرة على الحلم، والرغبة في النظر إلى بعيد.
تابع البابا فرنسيس يقول أما اليوم، فيبدو أن ما يسميه البعض “الفكر المقتضب” آخذ في الانتشار: فكر مكوَّن من بضع شخصيات، يحترق على الفور؛ فكر لا ينظر إلى الأعلى وإلى الأمام، بل هنا والآن، ثمرة احتياجات اللحظة؛ فكر يتحرك بالفطرة ويقاس باللحظات؛ وإذ هو مصنوع من العواطف ويتركّز في بضع كلمات، يبدو أنه يحلُّ محل فكر ما بعد الحداثة “الضعيف”. وإزاء تعقيدات الحياة والعالم، يؤدي هذا الفكر “المقتضب” إلى التعميم والنقد، وإلى تبسيط الواقع وتشويهه، في البحث عن المصالح الشخصية المباشرة بدلاً من خير الآخرين ومستقبل الجميع. أشعر بالقلق عندما أسمع عن شباب متحصنين خلف الشاشات، وعيونهم تعكس الأضواء الاصطناعية بدلاً من أن تسمح لإبداعهم بالتألق. نعم، لأنّه أن يكون المرء شابًّا لا يعني أن نفكّر في أننا نمسك العالم بين أيدينا، وإنما أن نلتزم من أجل العالم؛ وأن يكون أمامنا حياة نبذلها، لا أن نحتفظ بها.
أضاف الأب الأقدس يقول أراكم وأفكر أن شغفكم والتزامكم هما ترياق ضدّ الفكر المقتضب، لأنكم تريدون، ضد تجربة التكيُّف مع الأشياء العابرة، أن تُنمّوا نظرة عُلى، تبحث عن النجوم، وليس عن الغبار. إنها النظرة الحقيقية للشباب. ولكن العديد منهم يبدون اليوم، إذا جاز التعبير، “مضغوطين”: إذ أصبحوا موضوع أداء أكثر تتطلُّبًا، يواجهون خطر أن يجّف فيهم ذلك الحلم القلق الذي يريد أن ينبعث من قلوبهم. من المحزن أن نرى شباباً لا مبالين ومخدرين، مستلقين على الأرائك بدلاً من أن يكونوا ملتزمين في المدارس وفي الشوارع، ومنطويين على شاشتهم بدلاً من أن يكونوا كذلك على كتاب ما أو على أخ محتاج؛ شباب محترفون من الخارج وبلا حياة من الداخل، تحت ضغط الواجب، يلجؤون إلى البحث عن المتعة. جميعنا بحاجة إلى الإبداع والزخم اللذين وحدكم أنتم الشباب يمكنكم أن تقدماهم لنا: وإلى تعطشكم للحقيقة، وصرختكم للسلام، وحدسكم حول المستقبل، وابتساماتكم المفعمة بالرجاء. أود أن أقول لكم: إحملوا هذا إلى الأماكن التي تعملون فيها وخاطروا والتزموا بدون خوف. لأن الشباب هم الروافع التي تجدد الأنظمة، وليس العجلات المُسنّنة التي يجب أن تبقيها على قيد الحياة.
تابع الحبر الأعظم يقول لذلك لا تحبسوا الخير الذي أنتم عليه، ولا تخافوا من أن تخاطروا، لأنه من خلال تقدمة ذواتكم ستكتشفون أنكم عطايا فريدة وثمينة. في السياق الغربي، نحن نعيش محاطين بالعطايا والهدايا، وبالعديد من الأشياء العديمة الفائدة في كثير من الأحيان، منغمسين في منتجات من صنع الإنسان تجعلنا نفقد دهشتنا للجمال الذي يحيط بنا. لكنَّ الخليقة تدعونا لكي نكون بدورنا صانعي انسجام وجمال؛ ونخرج من الإدمان على الافتراضي، ومن عالم التواصل الاجتماعي المنوِّم الذي يخدِّر الروح، لكي نقدم للآخرين شيئًا جديدًا وجميلًا. بحث يشغفكم، صلاة من القلب، تحقيق يهزكم، صفحة تقدّمونها للآخرين، حلم تحققونه، وبادرة محبة لمن لا يستطيع أن يبادلكم إياها… هذا هو الخلق، أن نكتسب الأسلوب الذي به خلق الله العالم، أسلوب المجانية، الذي يجعلنا نخرج من منطق “أقوم بذلك لكي أحصل على كذا” و”أنا أعمل لكي أكسب”. مبدعون لكي نفتح فتحات حداثة في عالم يكتفي بالأرباح. وهكذا ستكونون ثواراً.
أضاف الأب الأقدس يقول إنَّ الحياة تطلب منا أن نبذلها، لا أن نديرها. وفي هذا يمكنها أن تساعدكم شهادة الطوباوي جوزيبي تونيولو، الذي كان يستقي جمال الحياة من الإيمان ويواجه بلا خوف مشاكل عصره لكي يعطي وجهًا إنسانيًا للاقتصاد. من الجميل أن تسمحوا أنتم أيضًا للواقع أن يسائلكم، وأن تكتشفوا الإيمان مجددًا وتعيدوا التفكير فيه لكي تستخلصوا منه غنى غير مسبوق من أجل مستقبل أفضل. أود أن أجسد هذه الأفكار حول موضوع مُلحٍّ، وهو السلام. إن نظرة على الحاضر تجعل يبدو بعيدًا ذلك التطلّع إلى الخير والوئام والتعايش السلمي بين الشعوب الذي كان النشاط الدبلوماسي دائما وسيلة له. ومع ذلك، يبدو أن الكثير من الدبلوماسية قد نسيت طبيعتها كمورد مدعوٍّ لكي يملأ الفجوة التي يزداد عمقها للعلاقات بين الدول. نراها تطارد الحقائق دون تلك القوة الوقائية، وذلك الحلم والحوار والمخاطرة من أجل السلام الذي يحد من استخدام الأسلحة. وهكذا فالحروب هي نتيجة لعلاقات قوى طويلة الأمد، بدون بداية محددة وبدون نهاية أكيدة. ولكن أين هي المبادرات الجريئة والرؤى الجريئة؟ ومن أين يمكنها أن تأتي، إن لم يكن من قلوب شابة وشجاعة، تستقبل الخير في داخلها وتتمسّك بالإنجيل كما هو، لكي تكتب صفحات جديدة من الأخوَّة والرجاء؟
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول كم من الجوانب الأخرى، مثل الاقتصاد، ومكافحة الجوع، وإنتاج الأسلحة والاتجار بها، وقضية المناخ، والاتصالات، وعالم العمل، والعديد غيرها، تحتاج إلى التجديد والإبداع؟ أوكل إليكم أحلام رجل مسن يبتهج برؤية وجوهكم الشابة؛ وأفكر في مدى حماسة يسوع عندما ينظر إليكم، هو الذي يتمتّع على الدوام بقلب شاب ويدعو الشباب لاتباعه. فيه أجدد شكري لخدمتكم وأبارككم. وأسألكم من فضلكم أن تصلوا من أجلي.