استمرار تدهور الأوضاع في السودان. مقابلة مع أحد المرسلين الكومبونيان

في وقت يستمر فيه القتال على الأرض تسعى الكنيسة السودانية جاهدة إلى الحفاظ على نشاطاتها الرعوية وهي تصب جهودها على صعيد العمل الإنساني في المناطق التي لجأ إليها أكثر من خمسة ملايين مهجر، نزحوا عن ديارهم بسبب الحرب الأهلية. للمناسبة أجرى موقعنا الإلكتروني مقابلة مع مرسل كومبونياني فضل عدم الكشف عن اسمه لدواعي أمنية، موضحا أن ثمة جماعات تستضيف المهجرين، كما أن الجامعات تتابع إعطاء الدروس عن بعد كي تمنح الطلاب شيئاً من الأمل.
النداء الذي أطلقه البابا فرنسيس يوم أمس الأربعاء في أعقاب تلاوة صلاة التبشير الملائكي داعياً إلى عدم نسيان السودان الذي يتألم كثيراً، عاد ليسلط الضوء على الأوضاع الراهنة في البلد العربي الذي يعاني من حرب أهلية اندلعت في الخامس عشر من أبريل نيسان الفائت، وقد أدت لغاية اليوم إلى سقوط أكثر من تسعة آلاف ضحية، فضلا عن التسبب بحوالي خمسة ملايين مهجر داخلياً، ومليون نزحوا إلى البلدان المجاورة، وهي تشاد، مصر، جنوب السودان، إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.
المصادمات المسلحة التي تشهدها مناطق سودانية عدة، بما في ذلك العاصمة الخرطوم تدور بين الجيش النظامي بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، والميليشيات المعروفة باسم “قوات التدخل السريع” بأمرة محمد حمدان داغالو. الوضع آخذ بالتدهور الأسبوع تلو الآخر، وقد اكتسبت المواجهات طابعاً عنيفاً جداً في إقليم دارفور، حيث تسيطر القوات المتمردة على مناطق شاسعة. وقد اندلعت الحربُ بعد توقف عملية الانتقال الديمقراطي، نتيجة الانقلاب العسكري في تشرين الأول أكتوبر من العام الماضي الذي أطاح بالحكومة الانتقالية.
منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان Clementine Nkweta-Salami ألقت مداخلة الأسبوع الماضي في القصر الزجاجي في نيويورك أكدت فيها أن البلاد “تتجه نحو الشر المطلق”، لافتة إلى أن الصدامات الدائرة بين القوات النظامية والفرق الشبه عسكرية، لاسيما في دارفور، ولدت وضعاً رهيباً للغاية لا توجد كلمات تعبر عنه، متحدثة عن ارتكاب فظائع وعمليات الاغتصاب والخطف والانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك الأطفال. وأكدت المسؤولة الأممية أن الوضع في دارفور هو عبارة عن تصعيد في أعمال العنف على أسس عرقية، وهذا ما أشار إليه أيضا المفوض الأممي السامي للاجئين فيليبو غراندي الذي تحدث عن ديناميكيات مشابهة لعمليات الإبادة التي حصلت في العام ٢٠٠٠. وأوضحت المفوضية الأممية أنه خلال الأيام الماضية قُتل ثمانمائة شخص على يد عصابات مسلحة في غرب إقليم دارفور، فيما لجأ ثمانية آلاف من السكان إلى تشاد المجاور.
الكنيسة المحلية لم تسلم من الأذى والأضرار، إذ تعرضت كنائس عدة في مختلف المدن السودانية للقصف، ما أجبر عدداً من رجال الدين على مغادرة مناطقهم وهم يعتنون اليوم بالمهجرين. عن هذا الموضوع حدثنا المرسل الكومبونياني لافتا إلى وجود وضعين مختلفين على الأرض، فهناك المناطق التي يدور فيها القتال، وتلك التي يلجأ إليها المهجرون. وأوضح أن الاشتباكات تدور بشكل رئيس في العاصمة الخرطوم والمناطق المحيطة بها وفي إقليم دارفور، حيث تمكنت قوات التدخل السريع من السيطرة على القسم الأكبر من المناطق. ولفت أيضا إلى مصادمات تدور في الجنوب، لاسيما في مدينة الأبيض، حيث يوجد تجمع للمرسلين الكومبونيان. وقال إن وسط المدينة خاضع حالياً للقوات الحكومية في وقت يسعى المتمردون إلى السيطرة على المدينة.
بعدها تطرق المرسل الكومبونياني إلى الأوضاع الراهنة في مدينة “بورت سودان” المطلة على البحر الأحمر ومدينة “مدني” جنوب العاصمة اللتين تستضيفان أعداداً كبيرة من المهجرين، وقال إن الأوضاع الصحية في المدينتين صعبة للغاية، خصوصا وأن المستشفيات الحكومية تقدم الحدّ الأدنى من الخدمات لأن الطواقم الطبية لم تحصل على مرتباتها، كما أن المستشفيات تفتقر إلى اللوازم الطبية الكافية لمعالجة المرضى. هذا ثم أشار إلى أن حالات الطوارئ الإنسانية لا تقتصر على المناطق التي تدور فيها الصدامات، إذ إن العديد من الأشخاص يوفرون الضيافة لأقاربهم المهجرين، ما أدى إلى مضاعفة عدد السكان في بعض المدن. كما أن العديد من المهجرين وجدوا ملجأ لهم في المدارس والمباني الرسمية، ما ينعكس سلباً على قطاع الخدمات، لاسيما التعليم.
في ختام حديثه لموقعنا الإلكتروني شاء المرسل الكومبونياني أن يؤكد أن بقاء الكنيسة إلى جانب الناس ومتابعة نشاطاتها على الرغم من الحرب. وقال إنه في الخرطوم، على سبيل المثال، توجد رعية في حي أم درمان يُحتفل فيها بالأسرار وتُقدم أيضا دورات التعليم المسيحي. هذا بالإضافة إلى وجود بيت للرهبان الساليزيان تعرض للقصف منذ أسبوعين، وعلى الرغم من ذلك يواصل هؤلاء نشاطهم ويخدمون أكثر من مائة شخص وجدوا ملجأ لهم في باحة المبنى. وهذا ما يفعله أيضا المرسلون الساليزيان المتواجدون في العديد من المناطق التي وصل إليها المهجرون وهم يسعون إلى تلبية احتياجاتهم.