عظة سيادة المطران ابراهيم مخايل ابراهيم الجزيل الإحترام في قداس عيد دخول السيد المسيح الى الهيكل، في كاتدرائية سيدة النجاة – زحلة.
“الآن تطلق عبدك أيها السيد حسب قولك بسلام”
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
أيها الأحباء، نلتقي اليوم حول كلمة الله الحيّة، نتأمل في المشهد العجيب الذي يرويه لنا القديس لوقا في إنجيله، حين دخل يسوع إلى الهيكل محمولًا بين ذراعي العذراء مريم ويوسف البار، ليقدَّم كما يليق بالناموس، ولكنه في الحقيقة كان هو الذي يقدّم البشرية كلها قربانًا نقيًا لله.
كما نقف اليوم أمام شخصية عظيمة، سمعان الشيخ، ذلك الرجل التقي الذي كان ينتظر تعزية إسرائيل. كان هذا الرجل قد أُوحي إليه من الروح القدس أنه لن يرى الموت قبل أن يعاين مسيح الرب. وها هو اليوم يحمل بين ذراعيه الطفل يسوع، فيصرخ بأجمل ما نطق به قلب مؤمن:
“الآن تُطلق عبدك أيها السيد حسب قولك بسلام، لأن عينيّ قد أبصرتا خلاصك.”
هذه الكلمات لم تكن مجرّد اعتراف بالحقيقة، بل كانت نشيد فرح، نشيد حرية! وكأن سمعان يقول: لقد كنتُ مقيّدًا بالانتظار، أسيرًا للشوق، مكبّلًا بأعباء الحياة، ولكن الآن، بعدما حملتُ يسوع بين ذراعيّ، تحرّرَت روحي، وانطلق قلبي، ونلتُ سلامًا لا ينزعه أحد مني.
أيها الأحباء، في هذه الآية نكتشف سرًّا عظيمًا: لا انطلاق، لا حرية، لا سلام حقيقي، إلا حين نلتقي بيسوع، ونحمله بين ذراعينا كما فعل سمعان.
كم من الناس يبحثون عن السلام في المال أو السلطة أو اللذّات، ولكنهم يظلون أسرى! وحده المسيح يحرّر، وحده يفكّ القيود، وحده يجعلنا نخرج من ظلمات هذا العالم إلى نور الحياة الأبدية.
كل إنسان يحمل قيودًا في هذه الحياة:
قيود الخطايا التي تثقل الضمير وتقيّد القلب.
قيود الهموم والخوف من المستقبل.
قيود اليأس والإحباط أمام صعوبات الحياة.
لكن تأملوا أيها الأحباء، ما أن حمل سمعان الشيخ يسوع، حتى تبدّدت كل قيوده! وكأننا نسمعه يقول: “أخيرًا، تحرّرتُ! لم يعد هناك شيءٌ يمسكني في هذا العالم، لأنني احتضنت الحياة نفسها!”
كيف نحمل يسوع مثل سمعان؟
لننظر إلى أنفسنا بصدق:
هل نحن نحمل المسيح في حياتنا كما حمله سمعان؟
هل نضعه في قلبنا، أم أنه لا يزال ضيفًا بعيدًا عن بيوتنا؟
هل نصلي ونعيش إيماننا، أم أننا نبحث عن الحلول في كل مكان إلا عنده؟
إن حمل المسيح ليس مجرد لحظة تأمل عابرة، بل هو خيارٌ يومي. كلما صلّينا بصدق، كلما تأملنا في كلمته، كلما فعلنا الخير باسم محبته، كلما غفرنا كما غفر لنا، عندها فقط نشعر بما شعر به سمعان: حريةٌ، سلامٌ، وطمأنينةٌ تفوق كل عقل.
أيها الأحبة، ونحن نعيش هذا الفرح الروحي، يسرّنا اليوم أن نرحب بحرارة بأخينا الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى المخلّصي، القادم من الأراضي المقدسة. إن حضوره بيننا بركة عظيمة، فهو ابن الرهبانية الباسيلية المخلصية، تلك الرهبانية التي حملت رسالة الخلاص في الشرق والغرب، وكانت دومًا شاهدةً للمسيح في كل مكان. نصلّي أن يمنحه الله نعمة وقوة في خدمته، وأن تكون زيارته لنا سبب بركة ونمو في الإيمان.
أيها الأحباء، كما حمل سمعان الشيخ يسوع بين ذراعيه، فلنحمله نحن في قلوبنا. لنفتح له أبواب حياتنا، ليكون هو سيدها ونورها وسلامها. وعندها، مهما كانت الصعوبات، ومهما كثرت التحديات، سنستطيع أن نقول مع سمعان بكل يقين وفرح:
“الآن تُطلق عبدك أيها السيد حسب قولك بسلام، لأن عينيّ قد أبصرتا خلاصك.”
أيها الرب يسوع المسيح لا تدعنا نموت قبل أن نحملك على ذراعينا، في قلوبنا، في أفكارنا، ونضعك في أعيننا. آمين.
إبراهيم: كما حمل سمعان الشّيخ يسوع بين ذراعيه فلنحمله نحن في قلوبنا
