وسط الأوضاع الصعبة التي تعيشها سورية أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع أسقف حلب للموارنة المطران جوزيف طوبجي الذي شاء أن يطلق كلمات مفعمة بالأمل والرجاء خلال عملية الانتقال السياسية التي تمر بها بلاده، مؤكدا أن المسيحيين يرغبون في تقديم إسهامهم في عملية بناء دولة مدنية منفتحة على الجميع.
تعيش سورية اليوم أوضاعاً من الهدوء النسبي بعد تطورات الأيام العشرة الأخيرة في أعقاب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وقد غصت شوارع المدن بعشرات آلاف المواطنين الذين احتفلوا بنهاية نظام حكم البلاد طيلة أربع وخمسين سنة، لكن العديد من المراقبين يرون أنه من السابق لأوانه أن نتحدث عن السلام، خصوصا وأن مستقبل البلاد ما يزال غامضا، وفي وقت تستمر فيه الغارات الجوية الإسرائيلية على سورية والتي أثارت تنديداً من إيران وتركيا، وحملت موسكو على أن تطلب من الدولة العبرية الانسحاب فوراً من مرتفعات الجولان.
في خضم هذه التطورات أجرى موقعنا الإلكتروني مقابلة مع أسقف حلب للموارنة المطران جوزيف طوبجي الذي شدد على ضرورة أن تبذل مكونات المجتمع كافة الجهود اللازمة من أجل ضمان الاستقرار، وهي مسألة تكتسب أهمية كبيرة على الصعيد الإنساني أيضا. وقال سيادته إن سكان حلب مطمئنون حالياً فيما يتعلق بالأمن، مع أن القتال لم يتوقف في باقي المناطق السورية، معتبرا أن الوضع في دمشق يبدو أنه الأسوأ في الوقت الراهن. وأضاف أن السلاح ما يزال يُستخدم وللأسف، نظرا لوجود مجموعات متمردة أخرى، بالإضافة إلى هيئة تحرير الشام، موالية للجولاني، قادت الثورة وساهمت في سقوط النظام الأسدي. وأوضح أن السلاح منتشر بين أيدي الأطفال وهذا أمر رهيب لا يمكن القبول به، مشيرا إلى أن هيئة تحرير الشام تسعى للتوصل إلى اتفاقات مع المجموعات المسلحة الأخرى ما يحمل على الأمل في التوصل إلى حلول سلمية، وفي أن تنعم البلاد بالأمن والاستقرار.
تعليقاً على الوعود التي قطعتها هيئة تحرير الشام على السكان أكد سيادته أنها وعود تحمل على التفاؤل، مضيفا أن الوقائع تُثبت ذلك لغاية الآن. وقال المطران طوبجي: لقد عاملونا جيداً، وباحترام، بعيداً عن أي شكل من أشكال الاضطهاد. وقد قالوا إنهم لن يتعرضوا للمواطنين، بما في ذلك الأقليات، وهذا هو تصرفهم حيال المسيحيين أيضا. وأضاف سيادته أنه على الرغم من أن هيئة تحرير الشام تحمل صبغة إسلامية إلا أنها بعيدة عن الأصولية والتعصب، ولم يفرضوا الشريعة الإسلامية ولم يلزموا النساء بارتداء الحجاب. وقد أعلنوا أنهم يريدون الحفاظ على الأوضاع كما هي وليسوا عازمين على فرض تغييرات على الحياة الاجتماعية.
أضاف سيادته يقول: لدى آمال كثيرة فيما يتعلق بمستقبل سورية لكني لا أستطيع الآن أن أكون متفائلاً أو متشائماً جدا، علينا أن نسير بحذر ونتابع تطور الأوضاع يوماً بعد يوم. وذكّر طوبحي بأن رئيس الحكومة المكلف محمد البشير قطع وعوداً كبيرة على الغرب، وأكد أنه عازم على حماية الأقليات والنساء والأطفال، وقد فكك أجهزة مكافحة الإرهاب وتعهد بتطبيق العدالة على مختلف الأصعدة. وقال سيادته: لا أعتقد أن هذا الأمر هو ضرب من البروباغاندا، إذ إن البشير يريد فعلا أن يحقق هذه الإنجازات، خصوصا وأن أنظار العالم كله متجهة نحو سورية، وبدون توفر بعض الشروط لن تكون سورية دولة معترف بها من قبل الجماعة الدولية، مع أنه يبقى من الصعب الآن أن نتنبأ بالمستقبل، كما قال الأسقف الماروني.
تابع سيادته حديثه لموقعنا الإلكتروني داعيا الجماعات المسيحية إلى الإسهام في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد، وقال: لقد حان دورُنا كمسيحيين سوريين أن نشارك في الحياة السياسية والمجتمعية، ولا نريد أن نُعتبر مواطنين من الدرجة الثانية، نود أن يُنظر إلينا كشركاء، كما يقولون. ولفت طوبجي إلى أن المشكلة هي أن المسيحيين ليسوا مؤهلين جيداً للمشاركة في الحياة السياسية، بعد أكثر من خمسين عاماً من الحكم التوتاليتاري، عندما كان الآخرون يفكرون عن المسيحيين ويتصرفون نيابة عنهم. ولهذا السبب يجدون أنفسهم اليوم غير مستعدين لممارسة العمل السياسي، لكن هذا الأمر يشكل تحدياً كبيراً للمستقبل وينبغي ألا تُفوَّت هذه الفرصة. وقال سيادته إن ما يجب فعله الآن هو إرساء أسس دولة مدنية، وسياسة منفتحةٍ وموجهة نحو الخير العام، بالإضافة إلى تعزيز المبادئ التي تحترم الجميع، والمسيحيون مدعوون إلى تقديم إسهامهم في هذا الإطار، لا بل إنهم مدعوون ليكونوا بيضة قبّان هذه السياسة الجديدة.
لم تخل كلمات أسقف حلب للموارنة من توجيه كلمة شكر إلى الأساقفة الأوروبيين على دعمهم وتضامنهم وقربهم من السوريين خلال هذه المرحلة الحساسة. وعبر أيضا عن امتنانه للبابا فرنسيس على نداءاته بشأن انتقال السلطة بطريقة منظمة وسلمية. ولفت المطران طوبجي في ختام حديثه لموقعنا إلى أن الناس كانوا يسألونه “أين هو الله؟” وقد أكد لهم أن الله يبقى معنا ولا يتخلى عنا أبدا، مشيرا إلى أن الكنيسة مدعوة للبقاء إلى جانب الأشخاص وإلى تثبيتهم في الإيمان والرجاء والمحبة.