أقام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر قداس اثنين الباعوث في الكاتدرائية المريمية في دمشق، حيث ألقى عظة أكد فيها “اننا كمسيحيين في هذه الأرض نعيش ومنذ ألفي عام درب آلامٍ رجاؤه الوحيد رب القيامة يسوع المسيح لا سواه”، وقال: “نحن على المصلوبية منذ ألفي عام ورجاؤنا الأوحد يسوع المسيح سيد القيامة ورب النور. قست أيام وتقسو وستقسو وتبقى القيامة والفصح أمام عيوننا فرصةً لنتأمل تاريخ وجودنا كمسيحيين في هذا الشرق. نحن لسنا أبناء البارحة. نحن من عبق الرسل ومن عرف التلاميذ. فينا شيء من شك توما ومن ضيق المجدلية. فينا شيء من حماسة بطرس ومن وداعة يوحنا. فينا شيءٌ من فلسفة بولس ومن بساطة صيادي الجليل. فينا شيءٌ من خوف التلاميذ وفينا شيءٌ من دموع فرح مريم. فينا شيءٌ من ذاك الرسول بطرس الذي قال للمسيح: إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك؟ فينا شيءٌ من إيمان ومن شك هذا التلميذ الذي مشى على الماء بأمر المسيح. وفينا شيء من روية صوت معلمنا يسوع المسيح يهدئ موج بحر هذا العمر، يقترب من سفينة عمرنا. يلامس قلبنا ويهمس في مسامعنا ويقول: أنا هو لا تخافوا”.
أضاف: “نعيش اليوم فرح القيامة والقيامة قيامة النفس. نفرح في القيامة رغم كل شيء. نفرح ونفرح لأن معلمنا المسيح يسوع أرادنا أبناء النور والحياة. نعيش فرح القيامة ولا ننسى أن تلك جاءت بعد درب صليب. نعيش فرح القيامة وننظر إلى العالم من حولنا وننظر أمواج عجيجه المتلاطمة قتلاً وتشريداً وحروباً وويلاتٍ وفقراً وجوعاً. ننظر كل هذا ومن ثم نرى وجه هذا المصلوب المتدلي من على خشبة الصليب. نراه معزياً رغم ألمه. نراه مبلسماً رغم جراحه. نراه صامتاً مع أن عصف هدوئه يقلب الكون. نستحثه أن يتكلم. نستحثه أن يصرخ فيجيب بروية نفس: أحببتكم لذا بذلت نفسي عنكم. نستحثه أن يتدخل فيرن في آذاننا صوتٌ نبويٌّ: طرقي غير طرقكم”.
وتابع: “نعيش ههنا في هذا الشرق الذي تسمى أولاً باسم المسيح. نعيش في هذه الديار نتنكبُ صليبَها منذ ألفي عام ونتنكب صواعد ونوازل التاريخ عليها. نعيش ههنا في هذه الوديان وفي تلك الروابي التي عانقت أقدام تلاميذ المسيح. نعيش ههنا مثل الزيتون الذي يعطي قيمةً للأرض التي يعيش بها كما ويستمد قيمةً من أصالتها ومن عراقتها. شاءتنا يد الله من رحم هذه الأرض ومن رحمانية خالق الأرض. شاءتنا يد المولى ههنا. شاءتنا من ضمن تاريخ هذه الديار التي اصطبغت بمختلف الحضارات ولم تقتصر صبغتها على حضارةٍ أو دينٍ دون سواه. شاءتنا بمراحمه شهوداً وشهّاداً لأصالة إيمان، تلقفناها من صدور أمهاتنا، سمعناها من فم تلاميذ المسيح، غرسناها في نفوسنا وزنّرنا بها أرجاء المعمورة حاملين لها البشرى السارة بصرخة المسيح قام”.
وأردف: “كل عام وأنتم بخير. كل عام وسوريا بخير. نصلي ونسأل من القلب. كل عام ولبنان بخير. كل عامٍ ورجاء الفصح متجددٌ في قلوبنا وفي قلوبكم إخوتَنا وأبناءنا الأنطاكيين في كل مكان. كل عامٍ ورجاء المسيح متجددٌ في قلوبكم رغم كل محنةٍ ورغم كل ضيق. كل عامٍ وإنسان هذه الديار بخير وفلاحٍ. كل عامٍ وأنتم بخير إخوتنا في المواطنة في الجغرافية. وأنتم ونحن بخير عندما ندرك ونعي ونعمل من منطلق أننا جميعاً ركاب قاربٍ واحدٍ لا يعرف في الدين سبيلاً للتفرقة ولا يعرف في التنوع الديني الذي شاءه العلي القدير في هذه الديار إلا سبيلاً للاتضاع أمام عظمته وأمام حكمته التي شاءتنا ههنا متحابين لتظهر محبته نحونا وراحمين بعضنا بعضاً لتظهر مراحمه ورحمانيته فينا وعبرنا”.
وختم البطريرك: “أبعث من الكنيسة المريمية بدمشق البركة الرسولية والمحبة الصادقة لأبنائنا في الكرسي الأنطاكي المقدس في الوطن وفي بلاد الانتشار. بارككم الله جميعاً وأجزل عليكم من معين صلاحه وحفظكم وحفظ أطفالكم والمختصين بكم. كل عامٍ وقيامة المسيح مبعث النور والسلام لعالمه الذي أحب. كل عامٍ وفصح المسيح رجاءٌ يمسح فينا رونق النفس. كل عامٍ وفصحه بلسمٌ يدهن بزيت الرحمة أرواحَ من سبقونا إلى ملقى وجهه القدوس. كل عامٍ وفصح المسيحِ فينا عبورٌ من بحر هذا العمر الهائج إلى مرسى خلاصه الهادئ. كل عامٍ وفصحنا مصداق قوله “أنا معكم طول الأيام إلى منتهى الدهر. كل عام وأنتم بخير. المسيح قام حقاً قام”.
في نهاية القداس تمت قراءة إنجيل الباعوث بلغات عدة، منها: العربية، اليونانية، الإنكليزية، الروسية الرومانية، الفرنسية، البولونية والآرامية. ثم توجّه البطريرك على وقع عزف الكشّافة المريمية إلى قاعة الكنيسة، يحيط به المؤمنون، الذين تقدّموا للمعايدة وأخذ البركة.
يوحنا العاشر ترأس قداس اثنين الباعوث في الكاتدرائية المريمية في دمشق
