خلال زيارة يقوم بها إلى بولندا للمشاركة في مؤتمر عقد في وارصو حول أوضاع النازحين الأوكرانيين، أكد رئيس مجلس أساقفة إيطاليا، الكاردينال ماتيو زوبي، أن استضافة اللاجئين تعني العمل من أجل السلام، وأعلن عن مبادرة أطلقها الأساقفة الإيطاليون ستُفسح المجال أمام مئات الأطفال والمراهقين الأوكرانيين بالتوجه إلى إيطاليا الصيف المقبل وإمضاء فترة مع عائلات إيطالية مضيفة.
“إذا كان الحقد ثمرة العداوة، فالسلام هو ثمرة التضامن، لذا من الأهمية بمكان أن تستمر بولندا في توفير الضيافة”. هذه هي العبارات التي شاء أن يسلط الضوء عليها الكاردينال ماتيو زوبي، رئيس مجلس أساقفة إيطاليا، خلال مشاركته في المؤتمر الذي استضافته جامعة الكاردينال فيجينسكي في العاصمة البولندية من أجل التباحث في أوضاع النازحين الأوكرانيين الذين تستضيفهم بولندا منذ اندلاع الحرب في بلادهم لسنتين خلتا. وشاء نيافته أن يحيي الجهود المبذولة في هذا السياق مشجعاً على متابعتها، في بولندا ودول أوروبية أخرى. وقال: “صحيح أن كل شيء يمكن أن يتغيّر، يكفي أن نحمل بعض النور وسط العتمة، فحتى النور الخافت قادر على تغيير كل شيء”، وذلك في إشارة إلى البرامج والمبادرات الكثيرة التي تقوم بها هيئة كاريتاس ومنظمات أخرى لصالح السكان الأوكرانيين.
انعقد المؤتمر تحت عنوان “نازحون بأعداد كبيرة من أوكرانيا بسبب العدوان الروسي. نموذج الضيافة البولندي”، وقد انعقد يوم أمس الاثنين في حرم الجامعة التي تحمل اسم الكاردينال البولندي وكبير أساقفة بولندا فيجينسكي. وقد رعى أعمال المؤتمر رئيس الأساقفة ستانيسلاو غاديكي، رئيس مجلس أساقفة البلاد، وشهدت مشاركة عدد كبير من الخبراء في مختلف المجالات، بينهم ممثلون عن عالم العلم والمنظمات الإنسانية البولندية والليتوانية، بالإضافة إلى بعض الشخصيات السياسية. وقد حل الكاردينال زوبي كضيف مميز مع العلم أن البابا فرنسيس كان قد أرسله العام الماضي، في مهمة سلام، إلى كييف وموسكو وواشنطن وبكين.
في مداخلته سلط نيافته الضوء على بعض الأرقام والإحصائيات، موضحا أنها تساعدنا على فهم حجم المأساة الراهنة، والتي يعيشها الأوكرانيون منذ اندلاع الحرب في شباط فبراير من العام ٢٠٢٢. وأكد على سبيل المثال أن عائلة أوكرانية من أصل ثلاث أجبرت على ترك ديارها، فيما يتواجد اليوم ستة ملايين مواطن أوكراني في عدد من الدول الأوروبية، بينهم مليون في بولندا وحدها، بالإضافة إلى خمسة ملايين من المهجرين داخليا. وقال زوبي: يمكننا أن نتصور المعاناة والصعوبات التي يواجهها من فقدوا كل شيء ومن يتعين عليهم أن يعيدوا بناء حياتهم. ولفت إلى أن عدد الفقراء في أوكرانيا ارتفاع بضعفين خلال سنتين فقط، في وقت تؤكد فيه الأمم المتحدة أن سبعة ملايين أوكراني يعانون من أزمة غذائية.
بعدها حذر رئيس مجلس أساقفة إيطاليا من مغبة الاعتياد على الوضع الراهن أو الاستسلام للحرب المستمرة منذ سنتين، لأن هذا الأمر يولد المزيد من الألم والمعاناة. وذكّر في هذا السياق بمسؤولية المسيحيين في إنقاذ حياة الأشخاص، مشيرا إلى أنه لا يمكننا أن نقبل باعتبار الضحايا المدنيين، وعددهم هو الأكبر في كل الحروب، مجرد أضرار جانبية.
في سياق حديثه عن المبادرات التي أطلقها الأساقفة الإيطاليون لصالح الأوكرانيين، لفت الكاردينال زوبي إلى برنامج سيفسح المجال أمام مئات لا بل آلاف الأطفال والمراهقين الأوكرانيين الذين فقدوا والديهم في الحرب، أو الفارين من الصراع، أن يمضوا فترة لدى العائلات الإيطالية. وقال إن هذه المبادرة ستساعد الإيطاليين على اختبار ما عاشه مواطنون بولنديون كثيرون فتحوا بيوتهم للنازحين الأوكرانيين، بعد أن تفهموا معاناتهم وحاجتهم إلى إيجاد ملاذ آمن.
لم تخلُ كلمات نيافته من الإشارة إلى المبادرات العديدة التي يقوم بها الكرسي الرسولي لصالح السلام، وأوضح أنه لا توجد في الوقت الراهن خطة للوساطة بيد أن هناك قلقاً كبيراً عبر عنه البابا فرنسيس في مناسبات عدة، داعياً إلى تسهيل كل ما من شأنه أن يقود إلى حل سلمي للصراع المسلح. ولفت الكاردينال زوبي إلى وجود حوار حمل بعض الثمار، مع أنها تبقى قليلة جداً، خصوصا وأن أرواح الناس هي على المحك.
من جانبه سلط المطران غاديكي الضوء على النشاطات التي تقوم بها الكنيسة المحلية مقدماً لمحة عن المساعدات المقدمة للنازحين الأوكرانيين مشيرا إلى تعاون الحكومة. وقال على سبيل المثال إن الكنيسة وفرت أماكن للإقامة للنازحين في مراكز كاريتاس وفي دور العجزة التابعة لها والأديرة والإكليريكيات، والمراكز التابعة للحركات والجماعات الكنسية، مشيرا إلى أنه في المدن الرئيسة الاثنتي عشرة تم استضافة خمسمائة وخمسة وعشرين ألف عائلة أوكرانية.